للجيش فى حياة المصريين قداسة خاصة ومكانة استقرت طوال الوقت فى قلوبهم، وانعكست على تعاملاتهم معه، وتعاطيهم مع انتصاراته وانكساراته، حيث هناك حالة من الفخر تلمسها طوال الوقت حين تستمع إلى حديث رجل الشارع العادى عن جيش مصر، الذى يحمى الحدود، ويسهر رجاله لينام المصريون قريرى العين.. مؤخرا نالت لعنة السياسة المؤسسة العسكرية، وأصابت سهام طائشة من نشطاء فى عالم السياسة أو نشطاء على صفحات الفضاء الإلكترونى لتنشر الشائعات هنا وهناك عن الجيش وأدائه، حتى بدا وكأن هناك مخططا يدار بليل للنيل من مكانة الجيش فى قلوب أبناء الشعب المصرى.
الشائعات تحدثت تارة عن اختراق طائرات إسرائيلية لسماء مصر، وأخرى عن فشل العمليات العسكرية لتطهير سيناء من الخلايا الإرهابية، من دون أى إحساس بالمسؤولية الوطنية لدى من يديرون آلة الشائعات، فيما يجمع خبراء على أن تأخر التعامل مع مثل هذه الشائعات يفتح الباب واسعا أمام التخمينات والتوقعات، ويعطى الفرصة لمن يرغبون فى النيل من المؤسسة العسكرية ما يستدعى –فى نظر الخبراء– العمل بشكل عاجل على إتاحة حرية تداول المعلومات أمام الإعلاميين لنشر الحقائق، ما من شأنه أن يجهض فى المقابل أية محاولات لنشر الأكاذيب وبث الشائعات.
لا يخفى الخبراء أيضا أن مختلف مؤسسات الدولة وفى القلب منها المؤسسة العسكرية التى تصدت لإدارة شؤون البلاد عقب نجاح ثورة يناير فى الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك قد دفعت ثمنا فادحا لأخطاء نحو 18 شهرا هى عمر المرحلة الانتقالية، خاصة مع ما يراه البعض من أن المؤسسة ممثلة فى المجلس العسكرى أخطأت فى التعامل مع كثير من استحقاقات تلك المرحلة، معتبرين أن القوات المسلحة تحتاج فى المرحلة الراهنة إلى الرد بشكل عاجل على كل ما ينتشر على الساحة من شائعات والتصدى لها بحقائق تعلنها للرأى العام لتفويت الفرصة على من يرغبون فى إنهاء أسطورة «الجيش والشعب.. إيد واحدة» التى يرى كثيرون أنها كانت واحدة من أهم أسباب نجاح ثورة يناير.
أكد اللواء عادل سليمان الخبير الاستراتيجى ومدير «المركز المصرى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية» أن هناك من يسعى إلى خلخلة الثقة فى القوات المسلحة وزيادة الفجوة بينها وبين الشعب، لافتا إلى أن أخطر شىء فى الشائعات التى تتناول القوات المسلحة، هو تأخر التعامل معها، وعدم خروج بيانات عاجلة توضح حقيقة الأمور بشفافية ووضوح.
وأكد سليمان أن تأخر التعامل مع مثل هذه الشائعات يترك وقتا ومساحات كافية للتخمينات والتوقعات، المبنية على أسس غير سليمة، مشيرا إلى أنه من الصعوبة بما كان خلال الفترة الراهنة السيطرة على الشائعات أو المعلومات فى ظل التقدم التكنولوجى الرهيب الذى تشهده وسائل الاتصال المختلفة، بداية من التليفون المحمول وحتى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى.
وأشار الخبير الاستراتيجى إلى أن القوات المسلحة يجب أن تفطن إلى آلية الرد السريع على أى معلومات أو بيانات تظهر، وذلك من خلال متحدثها الرسمى، الذى من المفترض أن تكون لديه طوال الوقت كل المعلومات والبيانات عن كل ما يحدث داخل القوات المسلحة، وتكون لديه ردود جاهزة لكل ما قد يرد من أسئلة أو استفسارات حول أى موقف يخص الجيش.
وأكد اللواء سليمان أن عصر إخفاء المعلومات قد انتهى، قائلا: «العصر بتاع إن ماحدش يعرف حاجة عن القوات المسلحة، عصر خلص من العالم كله، ومش ممكن نعيش بنفس الأساليب القديمة التى تتحدث طيلة الوقت عن عنصر السرية وماشابه».
وكشف الخبير الاستراتيجى أن السبب الرئيسى الذى يجعل أخبار القوات المسلحة تحظى بمقروئية عالية دون غيرها من الأخبار والموضوعات هو أن موضوعاتها كان مسكوتا عنها طيلة الفترة الماضية، مما يجعل كل ما هو متعلق بالجيش مثيرا للرأى العام، ويثير لدى الناس حب استطلاع، خاصة بعدما احتك الجيش بالحياة العامة، وتحولت أخباره إلى أمور محل اهتمام الناس وتساؤلاتهم ونقدهم واعتراضهم أيضا.
وأضاف سليمان أن سلبيات تعامل الجيش مع الحياة العامة يدفع فاتورتها الآن، لأن هذا لم يكن دوره على الإطلاق، حيث إن دوره الرئيسى يكتسب مكانته من تفرغه واحترافه للدفاع عن الوطن، قائلا: «الجيش بلا شك يدفع ثمن الأخطاء التى وقعت خلال إدارة المرحلة الانتقالية، وطوال هذه الفترة من عدمه، يعتمد على مدى الشفافية والمحاسبة والتعامل الواعى مع الرأى العام سريعا».
على صعيد متصل أكد اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجى أن البعض يرغب فى أن تكون القوات المسلحة دائما فى مهب الريح، بهدف زعزعة الثقة وإثارة الرأى العام ضدها وعناصرها، وأوضح أن هناك بعض العناصر تردد أن القوات المسلحة قد تجاوزت دورها المكلفة به فى بعض الأحيان خلال الفترة التى كانت موجودة فيها فى الشارع، ولا تزال بعض الأحزاب والتيارات والائتلافات، تقوم بعمل بلاغات قيادات القوات المسلحة السابقة أمام النيابات المختلفة العسكرية والمدنية.
وتوقع الخبير الاستراتيجى أن تستمر تلك الروح التى وصفها «بغير الطيبة» لفترات مقبلة، مشددا على ضرورة تعميق التواصل بين الجيش والشعب خلال الفترة المقبلة، ويجب أن يستمر وتزداد كثافته، فى إطار إظهار الحقائق وعرضها على الرأى العام فى الموضوعات التى تكلف بها القوات المسلحة على سبيل المثال تأمين سيناء، وغيرها من المهام الأخرى إذا كلفت بها.
ورجح سيف اليزل أن تكون العناصر التى تحاول استهداف القوات المسلحة من خلال بث الشائعات والمعلومات المغلوطة جهات داخلية فى الغالب، ودعا الرأى العام إلى ضرورة اتخاذ الحيطة الواجبة من الصفحات غير الرسمية التى تحمل صفات عسكريين، مؤكدا أن تلك الصفحات يقوم بها أشخاص قد لا يكون لهم أى صلة بالقوات المسلحة على الإطلاق، ويحاولون إضفاء الصفة العسكرية على تلك الصفحات، مشيرا إلى أن من يرغب فى الحصول على أى معلومة أو توجيه استفسار للقوات المسلحة، فعليه أن يتابع الصفحة الرسمية للقوات المسلحة، التى يمثلها المتحدث العسكرى الرسمى. وأشار اليزل إلى أن فكرة المتحدث العسكرى الرسمى للقوات المسلحة أمر صائب تماما، ولكنه تأخر كثيرا خلال الفترة الماضية، وكان يجب أن يتم تفعيلها منذ بداية الثورة، من أجل التفاعل المباشر مع الرأى العام والتواصل معه لعرض الحقائق المجردة، بهدف مواجهة الشائعات وقتلها فى مهدها قبل أن تظهر.
الشائعات .. الحرب الخبيثة ضد الجيش.. اللواء عادل سليمان: هناك من يسعى إلى خلخلة الثقة فى القوات المسلحة.. وعلى قياداتها الرد السريع.. وسيف اليزل: من يستهدفون الجيش ببث الشائعات عناصر داخلية فى الغالب
الخميس، 01 نوفمبر 2012 02:51 ص
اللواء عبد الفتاح السيسى