محمد الدسوقى رشدى

لأن «الذكرى» تطرق الباب بشدة

الأحد، 07 أكتوبر 2012 11:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعرف أنه لا علاقة تربطك بتلك الحدوتة، وأعرف أيضاً أنك ربما اطلعت على بعض تفاصيلها فى سطور سابقة كتبتها فى هذا المكان، وأعرف أيضاً أنك تريد كلاماً كثيراً يشرح ويفسر ألغاز الـ100 يوم ووعود النهضة، ويكشف الضباب عن مستقبل مصر، ولكنها الذكرى يا صديقى، حينما يحين وقتها أعجز عن تجاوزها.. فهل يمكن أن تشاركنى إياها وتتحملنى؟!
ننتهى من صلاة الجمعة، ويخرج كل منا من بابه المفضل، ونتجاوز ذلك الشبشب المتهالك وتلك الجزمة الغلبانة المدفونة أسفل أخواتها رغم أن صاحبها هو من حضر للمسجد مبكراً، وتتسلل نداءات الطماطم المجنونة، والمانجو الذى يقسم صاحب الصوت العالى بأنه إسمعيلاوى، وحبات العنب التى تنطق بأنها بناتى كما يقول بائعها، لتسيطر كل هذه الصرخات على عقولنا التى حاول الخطيب جاهداً أن يخضعها، ولكنه يرفع راية فشله غير مبالٍ. فى كل جمعة ننفّض من عقولنا كلام الخطيب، لأننا على يقين أننا سنسمعه الجمعة المقبل، ونلقى بنداءات الباعة خلف ظهورنا لأننا سنسمعها بما يستجد عليها من تطويرات الموسم القادم، وتعانق أقدامنا آثار خطواتها التى حفظت الطريق المعتاد إلى المقابر.

يذهب كل منا إلى قبره، أقرأ الفاتحة لأبى، ويقرؤها أحمد لوالدته، ويفعلها صديقنا الثالث أمام قبر عمه، ثم يجمعنا قبر واحد فى نفس التوقيت دون اتفاق مسبق، وأمام تلك اللوحة الحجرية التى تنطق بحداثتها وحيويتها بين اللوحات الأخرى التى تتحدث عن أزمنة كان الأبيض والأسود هما لغتها الرسمية، ترتكز عيوننا إلى ذلك السطر المكتوب باللون الأخضر ليحكى عن فقيد الشباب، ونتذكر تلك اللحظة التى خرجنا فيها من مدرستنا الإعدادية فى طوابير منتظمة تتصدرها أزهار مصنوعة على عجل، ولوحات تحملها عيون تبكى فى هدوء، وذلك المدرّس صاحب أغلظ «عصاية» فى المدرسة يبكى، ومدير المدرسة بجلالة قدره يختلس من الطوابير السائرة فى هدوء لحظات ليزيل ما تراكم من دموع خلف نظارته الطبية السميكة، وتلك المدرّسة الجميلة فتاة أحلام كل التلاميذ، وقد ازداد وجهها حلاوة من الحمرة التى يصنعها البكاء، تصل طليعة الصفوف إلى المقابر، وينهار نظامها حينما يظهر المحمل الأخضر وبه جسد زميلهم الذى قتله تشخيص طبى خاطئ، لطبيب غير مسؤول حصل على شهادته من كلية غير مسؤولة وغير مؤهلة برعاية نظام مبارك غير المسؤول الذى لم تكن تهتز له شعرة إذا ضاعت حياة مواطن أو ألف.

نقف أمام القبر الذى ظلت زهوره تتجدد لعدة سنوات، ونتذكر «عبده» الذى أصبحتُ أدور حول منزلى مرة ونصف حتى لا ترانى الدموع المحبوسة فى عيون أمه، فتنطلق وهى تعانقنى أو تدعو لى بحكم العادة الذى صنعتها الجيرة والعلاقات الأسرية، نقف أمام القبر ونرحل صامتين مع نظرات متباعدة تسأل فى خجل: هل يرافق أحد «عبده» قريباً؟ ويأتينا الجواب فى فراق صنعته الدولة التى فشلت فى توفير مؤسسات بعيداً عن العاصمة، وفى لقمة العيش التى جرجرتنا بعيداً عن أهالينا، وتلك المناطق التى شهدت مولدنا وأيام حياتنا الأولى.. لماذا تذكرت كل هذه الأشياء؟ لا أعرف.. ربما لأننا اجتمعنا صدفة بعد غياب أمام نفس القبر، وربما لأننا لم نجد الزهور المعتادة أمام اللوحة التى مازالت كلمة «فقيد الشباب» تميزها، أو ربما لأننا عدنا لنضحك معا بنفس الطريقة العيالية فى نفس الطريق الذى كنا نلتقى به منذ 10 سنوات، دون أن ننسى ضحكة من جمعنا أمام قبره.





مشاركة




التعليقات 9

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد التربى

أنت فى حالة الى الراحة ...

الأبدية ...

عدد الردود 0

بواسطة:

حمدان

ونعم ربنا يحفظك يا دسوقي " من شر نفسك "

دعوة تحملني يا كاتب افكارك

عدد الردود 0

بواسطة:

عبده مشتاق

الله يرحم عبده

عدد الردود 0

بواسطة:

الحانوتى

وحدوووووووووووه .... البرنس .... بيودع ...

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب

وماذا تقول عن امرأه فى ريعان الشباب دخلت غرفة العمليات وماتت بعد دقيقتين من حقنة البنج

عدد الردود 0

بواسطة:

hamada

الكتائب الالكترونيه

عدد الردود 0

بواسطة:

يحيي رسلان

شفاني الله واياك

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmad abdelaziz

الطب المصري

عدد الردود 0

بواسطة:

safaa

تعليق لأواسيك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة