النساء يشكون صمت الأزواج، والرجال يشتكون افتراء الزوجات، النساء يرثن نبل المشاعر وحرارة الأشواق وعذوبة الأحلام، والرجال يطالبونهن أن يفيقن ويتخلين عن الأوهام وبين شد وجذب تتقطع خيوط الحب والتفاهم والوئام.
هذا الزوج كان يوماً حبيباً وخطيباً يحلق بحبيبته بين ربوع الأحلام، بكلمات عذبة رقيقة ونظرات حانية رفيقة يملؤها الشوق والعنفوان، فلماذا يسود الصمت المكان؟ لماذا خبا شوق العيون وانخرس اللسان عن عذوبة الألحان؟، لماذا صمتت الأحلام وأطل الواقع مريراً مخيفاً تعلوه الكآبة والصمت والحرمان.
هل بالفعل كما يردد الرجال أن العمل، والمسئوليات، والضغوط، والمنغصات، ودوامة الحياة، التى تطحن الأحلام وتذيب روعة الأحاسيس ونضارة الوجدان، لا وقت معها للأحاسيس وعذب الكلام، لا وقت للمشاعر والأحلام والمهم أن يكون بداخلهم الإخلاص وليس المهم التعبير والكلام.
ولكى نخرج من تلك الدائرة المفرغة من الحيرة والجدل فلنتذكر قوله تعالى (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر).
فماذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهو القائد العسكرى والمعلم التربوى والداعية العظيم الأخلاق، وهو الأب لكل المسلمين، المفتوح بابه للقاصى والدانى، من كل مكان، وهو المشغول بالدعوة لدين الله والعبادة والغزوات، وكل ما يرسى دعائم الدين من مشارقها لمغاربها، كيف كان إذن مع زوجاته (صلى الله عليه وسلم)؟.
كان أفكه الناس مع نسائه، أبش الناس معهن، يخصف نعله ويخيط ثوبه، ويكون فى خدمة أهله ومهنتهن ما داموا فيها، برغم أن عنده النساء الكثير والخدم، وكل المسلمين يرتهنون بإشارته ويتمنون خدمته، كان يصونهن ولا يؤذى إحداهن بكلمة ولا يهملها أو يتجاهلها، تشعر إذا حكت إحداهن عن حياتها معه أنه لم يكن يشغله غيرها، من شدة رقته وحنانه وكرمه معهن (صلى الله عليه وسلم)، وكان يقول (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، لم يكن يطالب بحقوقه لديهن بل يرى أن إكرامهن وإعفافهن واجب عليه هو، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى).
وكان يوصى أصحابه (رفقاً بالقوارير)، وصفهن بالقوارير من شدة ضعفهن وشفقته عليهن، فكان الصحابة من بعده ينتهجون بنهجه ويمشون على سنته، فهذا عمر بن الخطاب، يحتمل عصبية زوجته، فهى التى احتملته وجاءته بالولد، وآخر يعينه عمر واليا فلا يخرج للناس حتى يطحن ويعجن، وينتظر حتى يختمر العجين ثم يخبز لزوجته لأنها ليس لديها خادم يعينها.
أين هؤلاء من الرجال الذين يطالبون زوجاتهم بحقوقهم على الدوام، ولا يشغل بالهم ما عليهم نحو الزوجات، ليس المطلوب هو الكسوة والماء والطعام وكفى، ليس المطلوب هو المال الوفير ورغد العيش، بل حسن العشرة وكرم الأخلاق والحنان، لماذا لا نعى الدروس ونتعلم مما نراه حولنا، ونحمى بيوتنا من الفتن والمعاصى وقسوة الحرمان، لماذا ننتظر، لماذا نتأخر، وقد يفوت الأوان.
