من العجب أن نرى معظم دساتير العالم، ، بل وجميع المواثيق والمعاهدات الدولية، مُسرفة إلى حد بعيد فى منح العديد من الحقوق للمواطنين، فى ذات الوقت، الذى تمنح فيه حق الإضراب عن العمل للعاملين، على تنوعهم واختلافهم، كأحد وسائل الدفاع عن مصالحهم المهنية، أو المادية فى مواجهة رب العمل.
أليس فى هذا تعارض مصالح بين مُتلقى الخدمة ومُقدمها، وجميعهم أولاً وأخيراً مواطنين ؟!
وإذا كان الدستور المصرى، شأنه شأن دساتير العالم الأول والثالث، على حد سواء، قد توسع فى منح المواطنين العديد من الحقوق، كالحق فى العلاج، وفى التنقل والتعلم والأمن، وفوق كل هذه الحقوق حق إبداء الرأى، وحق حرية التعبير والعقيدة .. إلخ، من الحقوق، فكيف لذات الدستور، أن يمنح المواطن الحق فى العلاج، ثم يقتنص منه هذا الحق، بنص آخر، يمنح الأطباء ( مثلاً ) حق الإضراب عن العمل، لتحقيق مصالح مهنية، أو مادية ولو كانت مشروعة ؟!
وكيف له أن يمنح المواطن الحق فى التعليم، ثم يسلبه منه بمنح المُدرسين (كأحد الأعمال)، حق الإضراب عن العمل، وعن التدريس حتى حصولهم على مستحقاتهم، ولو رأوها، ورأيناها معهم مشروعة ؟!
وكيف يُمنح المواطن الحق فى حياة آمنة، فى الوقت الذى نمنح فيه أفراد وضباط الأمن حق الإضراب، وهو الحق الذى تنتشر بعده الجريمة، وتعُم فى أعقابه الفوضى، ثم تضيع بعدها كل الحقوق ؟!
ومن نفس هذه المنطلقات، كيف للدستور أن يمنح حق التنقل للمواطنين، وعلى جانب آخر، يقف عاجزاً أمام تعطيل مصالح نفس هؤلاء المواطنين، عند قيام سائقين النقل العام بالإضراب مرة ، وسائقين النقل الخاص مرة أخرى !؟
وهكذا الحال، بالنسبة لجميع الحقوق الممنوحة للمواطنين فى الدستور، فى مقابل منح حق الإضراب لجميع الأعمال، وهو الأمر الذى يؤكد وجود تعارض تام بين الحقوق الممنوحة !!
وأنى إذ أرى أنه، وإن كان الدستور المصرى، الذى تنعقد لوضعه الجمعية التأسيسية الحالية، سوف ينُص فى مواده على مشروعية حق الإضراب لجميع العاملين بالدولة، كوسيلة للدفاع عن مصالحهم المهنية والمالية فى مواجهة رب العمل، فأن ما يجب أن يكون، والحال كذلك ألا يغفل الدستور (تجريم) هذا الحق، إذا أضرب المُضربون، قبل اتخاذهم الوسائل الواجب إتباعها، لحصولهم على حقوقهم قبل إضرابهم، وللدستور كذلك أن ينُص على التدرج الإدارى المناسب، لبدء الإضراب بداية من شكوى الشاكين لرئيسهم المُباشر، ثم مظاهرة، ثم اعتصام، ثم رفع دعاوى أمام القضاء، ثم تدخل الوزير المسئول لحل المشكلة، وإذا عجز الوزير فلهُم عرض الأمر على رئيس الوزراء، ثم رئيس الجمهورية، ثم يأتى الإضراب فى حالة فشل الجميع، فى إيجاد الحلول المناسبة فى التوقيتات المناسبة، ووفقاً للميزانيات المتاحة !!
وهكذا نضمن، عدم تعارض حقوق المواطنين فى تأديتهم لمصالحهم الإدارية والعلاجية والتعليمية والأمنية وغيرها من الأعمال، خاصة الأعمال، التى لا تندرج تحت وصف (عمل)، فحسب بل هى رسالة يؤديها القائمين بها، حماية للأمن القومى المصرى، كالأطباء والمُدرسين، وأساتذة الجامعات، والضباط وأفراد الأمن، والطيارين .. إلخ ، إلخ ... من هذه النوعيات من الأعمال !!
فليس من الحقوق فى شئ أيها السادة، وليس من المنطق والعقل، بل ليس مُستساغاً ذهاب مريض إلى مستشفى، ليجد الطبيب مُضرب عن العمل، لخلاف بينه وبين رب العمل سواء أكان هذا الرب حكومى أو قطاع خاص !! أو ذهاب تلميذ إلى مدرسته، ليجد المُدرسين وقوفاً فى حوش المدرسة، أو خارجها مُضربين عن العمل، بحثاً عن تحقيق مصالحهم المهنية، أو حقوقهم المالية، دون أى حسابات لحقوق التلاميذ، أو حقوق المرضى !!
وكذلك أن تعُم الفوضى فى البلاد، وتنتشر البلطجة، لمجرد خلاف مهنى أو مادى أو أخلاقى يشعر به الضباط، أو أفراد الأمن القائمين على أمن البلاد !!
وأخيرا، فما أريد أن أقوله هو أنه، وإذا نص الدستور الجديد على حق الإضراب، كحق مشروع بين الحقوق، دون تحصين حقوق المواطنين الناص عليها ذات الدستور، فتباً له دستور تتعارض فيه الحقوق بين المواطنين، وبين القائمين على خدمتهم، وهُم – فى الأول وفى الأخر - مواطنين مثلهم !!
أيها السادة أعضاء الجمعية التأسيسة للدستور / .....
أيها السادة من أهل النُخبة المصرية / ......
إن المشاكل، التى تعانى منها مصر الآن، هى بالدرجة الأولى مشاكل ليست تقليدية، ولا يفيد معها إلا الحلول غير التقليدية، ومن الحلول غير التقليدية فى هذا الشأن – دسترة تجريم الإضراب – ولو مؤقتاً مع التوسع فى منح الحقوق السابقة له وعليه !!
فهل أنتم لها فاعلين ؟!
أتمنى ذلك ... والله الموفق ....
إضراب عمال - صورة أرشيفية