تتفق أو تختلف حول شخصية راشد الغنوشى، مؤسس حركة النهضة الإسلامية التونسية، قبل أن تتحول إلى حزب حاكم هناك، إلا أنك مجبر على احترام هذا الرجل وأفكاره وآرائه التى تساير الواقع دون أى تعالٍٍ أو خروج عن المألوف، الرجل لم يفعل كما فعل أقرانه فى دول الربيع العربى، لم يله بريق السلطة عن كشف المنغصات التى يعانى منها المجتمع التونسى، لم يصاب بداء السلطة كما أصيب الآخرون فى مصر وغيرها من دول العربى.. لم يرد على منتقديه بجملة «موتوا بغيظكم»، وإنما فعل كما تفعل أحزاب السلطة فى الديمقراطيات العريقة.. اعترف بتراجع شعبية حزبه، واصفا السلطة بأنها عامل «تهرئة».
الغنوشى يثبت كل يوم أن الإسلام السياسى ليس فكرا جامدا، وإنما مرن ليتعاطى مع كل المتغيرات.. الديمقراطية لديه ليست كفرا، وإنما هى وسيلة مثلى لحياة كريمة يعيشها مواطنو الدولة، فهو يؤمن بفكرة الحوار والاندماج مع الآخر، لم يهادن السلفيين فى تونس، بل هاجم أخطاءهم ودعاهم للحوار مع حزب النهضة وبقية الأحزاب التونسية حول المواد الدستورية التى عليها خلاف، هو يؤمن بأن السلفيين يجب أن يأخذوا فرصتهم فى العمل السياسى لأنهم حديثو العهد به، ويطالب بعدم التسرع فى الحكم عليهم، لكن فى المقابل توجيه النقد البناء لهم جعلهم يسيرون فى الطريق الصحيح.
منذ اندلاع الثورة التونسية على نظام الرئيس الهارب، زين العابدين بن على، وعودة الغنوشى لتونس، وأنا متتبع لخطوات هذا الرجل وتصريحاته، وكل يوم يثبت أنه بالفعل رجل سياسة وليس مرشدا أو واعظا دينيا، والفارق بين الاثنين كبير جدا، فهو على يقين بأن بحار السياسة واسعة، فاستعد للغوص فيها متسلحا بأدواتها، حتى عندما زار الغنوشى مصر قبل عدة أشهر والتقى قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم المرشد العام للجماعة، محمد بديع، جاء حاملا معه رسالة لإخوانه فى القاهرة، وهى ضرورة الحرص على التوافق الوطنى الحقيقى، والحصول وإعطاء كل الضمانات التى تؤسس لإعادة بناء مصر ديمقراطية، وأن يتنازل كل طرف عما يستطيع أن يتنازل عنه بهدف تكوين جبهة قوية من جميع الأطراف، حرصا على منع عودة النظام القديم أو أى من أنصاره لضمان نجاح الثورة المصرية.
الغنوشى حذر إخوانه فى مصر أيضاً إلى ضرورة لم الشمل للمصريين باختلاف توجهاتهم حتى لا تتسبب الأمور بمصر فى نكسة لدول الربيع العربى، وكأنه يقرأ المستقبل، وكأنه كان يعلم أن الإخوان فى مصر سيسيطرون على الجمعية التأسيسية للدستور، وأنهم بالتحالف مع السلفيين لن يتركوا للقوى المدنية الأخرى موطئ قدم.. الغنوشى كان يحذرهم من الاستقواء بالسلطة حتى لا تتحول إلى نقمة وينالوا غضب المصريين.. ياليتهم استمعوا لنصيحته بدلا من أن يتعالوا عليها.
عدد الردود 0
بواسطة:
متولي إبراهيم صالح
تحية للغنوشي
كثر الله في المسلمين من أمثاله