أموات فوق الأرض هذا ما يمكننا أن نصف به سكان مقابر النصر بمنطقة الجمالية، التى قضى "اليوم السابع" فيها أكثر من سبع ساعات يستمع إلى آهات ويروى دموع البشر الذين سكنوا المقابر لعدم قدرتهم على شراء شقة تؤويهم شر الزمان، فهل هرب هؤلاء من ظلم الأحياء ليختاروا مرافقة الأموات؟، وهل هربوا من الفساد والظلم لينعموا براحة البال مع إخوانهم الأموات؟، هل يعانون الموت الاجتماعى أم ما زالت قلوبهم تعرف النبض والأمل فى حياة كريمة مع عصر الرئيس الجديد؟، وهل يستطيع الرئيس مرسى مساعدتهم ليهنئوا بالعيش فى شقة غرفتين وحماما بدلا من جردل يقضون فيه حاجاتهم.
فالتساؤل الذى كان يلح على أذهاننا متى وكيف تتحقق العدالة الاجتماعية وهم المهمشون فى الأرض كما تقول الأدبيات الاجتماعية، يعيشون حياة لا يذوقون فيها سوى طعم الموت مع أرواح وأشباح الموتى فى المقابر، يستيقظون على منظر القبور الصماء وينامون بأحلامها المرعبة، لا يسمعون سوى صمت الموتى أو صراخ أقاربهم، كل شىء فى حياتهم يعبر عن الموت الذى يحاصرهم، ابتسامة الأطفال اختفت أصبحت باهتة بأحلام مليئة بالرعب والخوف وسط رفات الموتى مع هموم عميقة أكبر من أعمارهم، هؤلاء الذين نسيتهم الحكومات المتعاقبة، ولم تصل أصوات ولا صرخات الثورة إلى قاطنى مقابر باب النصر الذين يعيشون على مساحة 24 فدانا ويعيش بداخلها أكثر من 2000 مواطن، وتقسم إلى 42 تجمعا سكنيا.
حجرة تشبه المقبرة مكانها فوق الأرض بها سرير ومرتبة وبوتوجاز وتليفزيون، ومصدر الكهرباء فيها سلك مسحوب من أحد أعمدة الإنارة، أما الحمام "جردل" يتم تفريغ محتواه بعيدا عن الحجرة حتى لا تتأذى الأسرة المكونة من 5 أفراد الأم والأب ولديهم ثلاثة أطفال من الرائحة التى لا تتحمل المزيد من الروائح الكريهة، نظرا لرائحة الموتى وسقف تلك الحجرة 5 ألواح خشبية مرصوصة بجوار بعضها يكاد ينقض على قاطنى الحجرة نظرا للأتربة التى تعلوه.
إنهم سكان المقابر فى القاهرة الذين تقدر إحصاءات غير رسمية عددهم بحوالى 2 مليون نسمة وتعداد سكان باب النصر يبلغ عددهم 2000 أسرة، توجه إليهم "اليوم السابع" فى مكانهم، واستمع لمآسيهم وأوجاعهم وهمومهم، وحتى أحلامهم التى وجدناها لا تتجاوز أربعة جدران خارج المدافن، أو جيران غير الموتى، أو قسط قليل من التعليم أو وظيفة فى أدنى درجات السلم الاجتماعى، أو حتى مجرد طبخة تحتوى على قطعة من اللحم ولو مرة كل شهر.
توجد مقابر "الغلابة"، لكنها على النقيض مختلفة عن المقابر الراقية فى الشكل والمضمون، شكلها عادى وغالبا يقتصر على الطوب دون أى دهانات، وداخلها غرف متراصة مبنية بأقل مواد البناء وأحيانا بالخوص والخشب، تعيش فيها أسر وعائلات لا دخل لهم ولا مأوى، حياة تشبه تقريبًا حياة الأموات الذين يرقدون بجوارهم، ويطلق عليها اسم "الحوش".
قال إسماعيل أبو غزالة، الذى تجول معنا داخل المقابر، إنه ولد هنا فى هذا المكان وعمره كله.
وعلى الرغم من أن وظيفته تدر عليه دخلاً كبيرًا يمكنه من إيجار شقة فى أحد الأحياء الراقية فى القاهرة، إلا أنه يتمسك بالمعيشة هنا.
سألته عن السبب فقال "أنا ولدت وتربيت هنا، ولذلك عندى انتماء للمكان، الإنسان يتمسك بمكان بسبب النشأة، وهناك عوامل أخرى أيضًا غير موجودة فى أماكن أخرى مثل الجيرة والترابط وتعاطف الناس مع بعضهم".
وأشار إسماعيل إلى أن هناك أناسا عاشوا فى المقابر لفترات طويلة وأتيحت لهم فرص للمعيشة فى شقق وأماكن طبيعية لكنهم لم يتكيفوا وعادوا إلى المقابر مرة أخرى، وأعرف أناسا يتولون مناصب رفيعة فى البلد وسكنوا بهذه المنطقة بسبب الانتماء والحب.
تبدو الغرفة منقسمة الى قسمين بستارة قماش، قسم يوجد فيه خزانة الملابس وسرير ينام عليه الأب والأم، والقسم الآخر يوجد فيه كنبه أنتريه متهالكة ينام عليها الابن الأكبر، وكرسيين، وشانون يوجد فوقه تليفزيون أبيض وأسود ماركة قديمة.
أما البنات الثلاثة فينمن فى سندرة على فرشة بطانية"، وبجوار الغرفة توجد دورة مياه فيها غسالة عادية كانت السبب فى وفاة أحد الأبناء وبوتاجاز، وطرقة من دون سقف يوجد فيها موقد الطبخ، تقول أم محمد "أنا أطبخ هنا فى هذا المكان، لكن التراب ينزل فى الطعام لعدم وجود سقف ثم تابعت بقلب حزين على حالها "لا يوجد شىء فى هذا المكان لا نعانى منه اليوم يبدأ عندنا بمآس وينتهى بمآس، أنا كنت أعمل لأساعد زوجى لكننى تعبت، رزق زوجى على باب الله، متمنية أن تقوم الحكومة بمساعدة أولادها فى الحصول على شقق تـؤويهم
وقال على حسين عبد اللطيف طالب بالصف الثانى الابتدائى، إن المستوى الذى نعيشه لا يؤهل أن يتعلم أبناء المنطقة فى المدرسة فالتعليم يحتاج إلى مصاريف ونفقات، لا نقدر عليها، أنا بحاجة للجنيه الذى يعمل به أبى أكثر من تعليمى، قائلا أنا لا آخد دروسا خصوصية والمدرسون يطردوننى لا يريدوننى أن أذهب إلى المدرسة، يعطوننى المقشة ويطلبون منى أن أكنس وأنظف الفصول حتى يجعلونى أكره المدرسة، بالإضافة إلى أن الأطفال مش بيعرفوا فى المقابر فى فصل الشتا علشان المطر بينزل علينا بالليل.
وقال محمد مصطفى السيد، أرزقى: ليست العشوائيات فقط هى انعكاس لأزمة السكن فى مصر، لكن يوجد عالم آخر يعانى نفس معاناة العشوائيات لكن بصورة أشد أنهم سكان المقابر، متمنيا من الرئيس مرسى أن يقوم بزيارة سكان المقابر، وبناء عليه أطالبه كما وعد حين قام بالترشيح لمقعد الرئاسة لأنه أصبح واجب عليك بأنه يجب أن تسارع إلى محاربة الفقر فى كل صوره ومساندة الفقراء والمحتاجين ورعاية المرضى والعناية بكبار السن وانتشال العجزة والضائعين وكفاهم ما عانوه، ونحن ننتظر أن نسمع قريبا جدا بإنهاء مشكلة سكان المقابر وإغلاق هذا الملف وإيجاد حياة كريمة لهم فلا يوجد فى الدنيا كلها أحياء يسكنون مع الأموات إلا فى مصر" ومن الآخر هو باعنا يا أستاذ".
وقال رمضان موسى عطية، 62 عاما، تربى بالمنطقة، لم يعد مشهد سكان المقابر فى القاهرة يثير انتباه أحد من المسئولين أو الحكام و غالبا يثير انتباه أحد من المواطنين فقد أصبح هذا المشهد اليومى عاديا وديكورا مكملا لسيناريو البؤس والفقر الذى يعيشه أغلب القاهريين ربما فقط تثير تلك المشاهد كاميرات السائحين الأجانب وذاكرة الإخوة العرب الذين تصعقهم صور الذاكرة أو الكاميرا بسبب هذا المشهد البائس والغريب وربما الشاذ عن مفهوم الحضارة الحديثة.
وأضافت دعاء عزازى، زوجى يعمل ليل نهار ليجمع لنا الأكل آخر النهار ولدى ثلاثة أولاد ولا أحد يعطف علينا لكننا نسمع من التليفزيون وما تنشره الجرائد اليومية أن أصحاب النفوذ يقولون «مش هنخلى واحد فى مصر ينام من غير عشاء» وهذا طبعاً كلام فاضى وفرقعة إعلامية ساذجة، وحالنا السيئ هو دليل قاطع عن مدى الكذب الذى يسلكه هؤلاء الأشخاص المرشحون للرئاسة، وذلك ليس إلا من أجل الحصول على كراسى الحكم برضاء الجميع، بخلاف المنح والمزايا من وراء التربع على كراسيهم فقط.
وقالت زينب على محمد قاسم، نسمع أصوات تبادل إطلاق النار يوميا وهذا ما يعانى منه أهالى المنطقة يوميا تحت مرأى ومسمع من الجميع ومن الشرطة بالتحديد حيث أكدت أن صوت الرصاص يكون بعد الثالثة فجرا بسبب تبادل عدم التراضى بين بائعى المخدرات للزبائن، حيث يكون ناتجا عن عدم توافق الطرفين للبيع والشراء ينتج عنها تبادل بالألفاظ النابية ويصل الأمر إلى تبادل طلقات الرصاص.
وأضافت زينب، أن دورات المياه داخل المدافن لا وجود لها إطلاقا، وهو ما يدفع البعض إلى الخروج فى مناطق بعيدة لقضاء حاجتهم، أو الذهاب إلى المساجد للقيام بذلك، غير أن هناك من يقوم بقضاء حاجته داخل المدفن ومن ثم كنس فضلاته بنفسه ورميها فى أماكن بعيدة عن المقابر احتراما لحرمة الأموات الموجودين بها.
وفيما يتعلق بمياه الشرب، أفادت بأنها تذهب صباح كل يوم لتعبئة الماء من خارج المقابر عبر رحلة وصفتها بـالشاقة نتيجة بعد المكان، إلى جانب عدم قدرتها على حمل الأوعية بعد امتلائها والمشى بها لمسافات طويلة.
وأوضحت مديحة على، إحدى الساكنات فى مدفن عائلتها بمقابر باب النصر، قدمت إلى المدفن منذ الستينيات بعد أن عجزت عائلتها عن إكمال حياتها فى شقة كانت تحوى أفرادها بعد أن ضاقت بهم الحياة، لافتة إلى أنها فى ذلك الحين كانت ما زالت فى المرحلة الابتدائية من مسيرتها التعليمية التى لم تكتمل.
وقالت، كأى طفلة كنت فى بداية الأمر أشعر بخوف رهيب ينتابنى كلما طرق المساء أبواب السماء، ولم أكن أتوقف عن البكاء إلا عند بزوغ الفجر، غير أننى اعتدت على الوضع تلقائيا مع مرور السنوات، مؤكدة أنها حتى الآن بعد أن تجاوز عمرها الخمسين عاما ما زالت ترى أحلاما وكوابيس مزعجة فى نومها، إلا أنها، وبحسب قولها، لم تعد تهتم فى ظل وجود أفراد عائلتها المتوفين تحت أرض منزلها المكون من غرفة وصالة ومطبخ لا يتسع إلا لفرد واحد.
وتضيف، تزوجت وانتقلت للعيش مع زوجى خارج المدفن، وأنجبت منه ولدا بلغ الآن من عمره الثالثة والعشرين، غير أن القدر شاء لى أن أنفصل عن زوجى لأعود مجددا مع ابنى إلى مدفن عائلتى التى بات أفرادها يرقدون تحت أرضه، مشيرة إلى أنها تعيش حاليا مع ابنها الوحيد وشقيقه.
بالصور.. سكان مقابر باب النصر " أموات فوق الأرض".. المنطقة وكر للمخدرات والهاربين من الأحكام القضائية.. 24 فدانًا يعيش عليها 2000 مواطن.. والأطفال "مش بنعرف ننام فى المطر"
الأحد، 07 أكتوبر 2012 11:28 ص
مقابر باب النصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
معتز
ماذا تريدون من دولة مدمرة / ماذا تريدون من رئيس لايعمل معه الشعب كله يطلب حتى المضيفين
عدد الردود 0
بواسطة:
amr.m.a
ارحمو من فى الأرض يرحمكم من فى السماء
عدد الردود 0
بواسطة:
امير
اول قرار
عدد الردود 0
بواسطة:
سيدة المزرعة
متى تتحل المشكلة الهجرة الداخلية وانشاء العشوائيات شكرا للمحرران الجادان احمد وفهيم
عدد الردود 0
بواسطة:
هدى عبد الفتاح
اذ عبد الغفار عندى مافيش صوت للفيديو اكتب مافى الصورة ارى مساكن لمن وبكام اقرا الابيات الت
عدد الردود 0
بواسطة:
هدى عبد الفتاح اسكندرية غرب شاعرة اتمنى اكون صاحبةو سيدة المزرعة
اعتبرهم نجمة يهود وسكنوهم فى مساكن كماوى مؤقتا على مايبقى مايليق بدخلهم