معصوم مرزوق

بترول سيناء المفقود!!

السبت، 06 أكتوبر 2012 08:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من سخرية الأقدار أن نتابع هذه الأيام ما يتردد داخل بعض الأوساط فى إسرائيل حول ما يسمى «اللاجئون اليهود من الدول العربية»، وهو هزل لا يجيده سوى الصهاينة الذين احترفوا اختراع الأكاذيب ثم تكرارها لفرضها كحقائق.. رغم أنه معروف وموثق كيف كانت عصابات الوكالة اليهودية تقوم بعمليات سرية لدفع اليهود للهجرة إلى فلسطين، بل إن المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم كتبوا عن ذلك بغزارة، ووصلت بعض هذه العمليات إلى حد تفجير أماكن وجود الجاليات اليهودية لإيقاع الرعب فى قلوبهم وإرغامهم على الهجرة إلى فلسطين.

وإذا كانت إسرائيل- مثل اليهودى المفلس- تفتش فى دفاترها القديمة كى تنتزع، زورا وبهتانا، حقوقا مزعومة، فمن المهم أن نواصل بحث كيفية استعادة حقوقنا الثابتة والمشروعة، ومن ذلك مثلاً استغلال إسرائيل لحقول البترول خلال احتلالها لسيناء فى الفترة من يونيو 67 إلى أكتوبر 73، حتى ما بعد توقيع اتفاقية السلام، لأن ما بنى على باطل فلن يكون إلا باطلاً.

نظم القانون الدولى علاقة المحتل بثروات الدول المحتلة، خاصة معاهدة لاهاى لعام 1907 الخاصة بتنظيم قوانين وأعراف الحرب البرية، وهو ما سوف نحاول تبيانه فيما يتعلق بالثروة البترولية فى سيناء زمن احتلالها، فتقضى المادة 55 من هذه المعاهدة بأن الدولة المحتلة سوف تعتبر فقط مجرد مدير ومستفيد من المبانى العامة والعقارات والغابات والمزارع التى تخص الدولة المعادية، ويجب على المحتل أن يحافظ على الأموال الخاصة بهذه العقارات وإدارتها بما يتمشى مع الاستخدام الأمثل.

وتثير هذه المسألة مجموعة من القضايا مثل حق المحتل فى تطوير حقول البترول القائمة وزيادة إنتاجها باستخدام وسائل تكنولوجية جديدة، وكذلك جواز قيامه بالتنقيب عن آبار بترول أخرى، ثم علاقته مع ملكية تلك الحقوق ومسؤوليته تجاه النظام القانونى المطبق حيالها الذى كان موجودا قبل الاحتلال، وكذلك مسؤوليته تجاه العقود وحقوق الامتياز القائمة، وتلك التى تم الاتفاق عليها قبل الاحتلال الفعلى، وهى مسائل شديدة التعقيد وتتعارض فيها الآراء الفقهية.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن المحتل طبقا لحقه فى الاستخدام الأمثل المشار إليه فى معاهدة لاهاى، فإن لديه الحق فقط فى استغلال تلك الآبار التى كانت مستغلة قبل الاحتلال، بينما ذهب البعض الآخر إلى أن المحظور فقط هو عدم الاستغلال السيئ أو تدمير الموارد البترولية، وبالتالى فمن حق المحتل أن يقوم باكتشافات جديدة مادام يتوخى هذا الحظر، حيث إن قواعد الاستخدام الأمثل تقتضى زيادة قيمة هذه الثروة، وذلك يتحقق فعلاً من خلال الاكتشافات الجديدة.

وفى تقديرى أن المادة 55 السابق الإشارة إليها، إذا نظرنا إلى جوهرها والغرض منها، إنما تدور فى إطار حماية الثروات الطبيعية فى الأراضى المحتلة لصالح سكان تلك الأرض الأصليين، على اعتبار الطبيعة المؤقتة المفترضة للاحتلال، ولا بد هنا من الإشارة إلى الفارق بين البترول كثروة غير متجددة، وبين الغابات وغيرها من مصادر الثروة المتجددة، فالاحتياطيات البترولية فى سيناء لم تكن ملكا للجيل الحاضر من المصريين فقط، وإنما هى ثروة تخص الأجيال المقبلة منهم، ويجب استغلالها بالشكل الذى يحقق ديمومة الاستفادة منها فى المستقبل، لذلك فإن الغموض الذى يحاول بعض فقهاء القانون فى الغرب أن يرموا به المادة 55 من المعاهدة المذكورة، هو غموض مختلق، لأن أحد أهم قواعد التفسير هو عدم مخالفة التفسير للغرض الأساسى للمعاهدة، فإذا سلمنا بأن الغرض الأساسى هو توفير أكبر قدر من الحماية للسكان المحليين تحت الاحتلال، وكذلك لثرواتهم الوطنية، فإن ذلك يعنى تطبيق أكبر قدر من التفسير الضيق الذى لا يتعارض مع هذا الغرض.

فى محاكمات نورمبرج الخاصة بجرائم الحرب، أشارت الأحكام إلى أنه ليس للمحتل استخدام الموارد الاقتصادية الموجودة فى الأراضى المحتلة إلا لمواجهة «نفقات الاحتلال»، وبالتالى فإن ألمانيا مثلاً لم تعد منتهكة لالتزاماتها فى الأراضى الروسية المحتلة حين استولت على مصانع الأسلحة والذخيرة والقطارات فى الأراضى الروسية لأهمية هذه المصانع فى المجهود الحربى، ولكن نفس المحكمة رأت أن استيلاء ألمانيا على مصانع الحديد فى فرنسا تعد انتهاكاً لهذه الالتزامات.

وتبقى كلمة أخيرة لا بد أن نذكرها فى الختام، فقد أشرت فى البداية إلى التحفظ المستند على أنه يبطل كل ما بنى على باطل، وبالتالى فإن كل ما ورد فى هذا المقال حول حقوق المحتل وواجباته لا ينطبق على حالة الاحتلال غير الشرعى المترتب على جريمة العدوان، لأنه فى هذه الحالة يكون أى استخدام أو استغلال لثروة مصر البترولية له تكييف واحد لا ثانى له ولا يختلف فيه التفسير، حيث إنه يكون عملية قرصنة دولية وفعلا فاضحا فى الطريق الدولى العام، ويبقى تعويض مصر عن هذا النهب غير المشروع مع الفوائد المستحقة عليه التزاما دوليا على إسرائيل لا يجوز التسامح فيه، وهو التزام يضاف إلى التزامات أخرى قد أتناولها تفصيلاً فى مقالات أخرى بإذن الله، خاصة مسؤوليتها الدولية عن جريمة قتل الأسرى المصريين، وحقوق الملكية المصرية الثابتة فى فلسطين وأبرزها «دير السلطان».

إن إسرائيل التى اغتصبت وطناً، وانتهكت العديد من مبادئ وقواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، لا يمكن لها أن تواصل عربدتها وادعاءاتها دون مواجهة حقيقية وجادة، وعلى الأقل يجب تعقبها قانونيا فى المحاكم الوطنية والدولية وتسليط الضوء على جرائمها القديمة والمستمرة بلا توقف حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً، وهو قريب بإذن الله.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

تحية الى أبطال حرب أكتوبر

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود

تعويض قناة السويس

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

بترول سيناء وأرض العلمين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة