بعد أن هدأت عاصفة الفيلم المسىء للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) نسبيا، بدأت الصورة تظهر وتصبح أكثر وضوحا حول ذلك الفيلم مثل مصادر تمويله، وتوقيت عرضه فى ذكرى هجمات الحادى عشر من سبتمبر (مع العلم أن الفيلم لم يُنتج ليعرض فى 11 سبتمبر كما أشيع ولكن الفقرات الخاصة بالفيلم واللى انتشرت مؤخرا تم عرضها فى يوليو الماضى)، وكيف انتشر بتلك السرعة، رغم أن مخرجه رجل مغمور، وما الهدف من إشعال تلك الأزمة، خصوصا وان الولايات المتحدة على وشك انتخابات رئاسية؟ وكيف انتشر ذلك الفيلم بين ليلة وضحاها فى الوقت الذى لم يشاهد العرب والمسلمين القاطنين بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها هذا الفيلم.
أزعم أنه تم نشر ذلك الفيلم واستخدامه، ليكون ورقة فى لعبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبصورة أكثر دقة، سيكون الدين الإسلامى هو الورقة التى سيلعب عليها المرشحون فى الانتخابات من خلال تخويف وإرهاب الشعب الامريكى منه ومن المسلمين والعرب، ليعلن كل مرشح بأنه هو القــادر على حمايتهم وتأمينهم، وطبيعى أن ذلك سيأتى فى سباق لتوجيه ضربات قاسية، وربما حملة منظمة ضد الدول الإسلامية والعربية، وتشويه الإسلام، وإظهاره بدين العنف والكراهية والعنصرية.
فمن المعروف أن ورقة السياسة الخارجية تعتبر من أهم الورقات التى يستخدمها الرؤساء الأمريكيون قبل الانتخابات الرئاسية، مثل ما قام به الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بضرب العراق وأفغانستان قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية فى عام 2004، وقبله الرئيس بيل كلينتون من حصار ليبيا والعراق قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية فى عام 1996.
ومن المعروف أيضا أن الأحداث الكبرى التى تقع قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد يكون من شأنها قلب نتيجة الانتخابات رأسا على عقب، ففى عام 1979 مثلا أدت أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين فى مبنى سفارة بلادهم بطهران إلى خسارة الرئيس الأمريكى آنذاك جيمى كارتر للانتخابات الأمريكية التى جرت السنة التالية، وصعود المرشح الجمهورى رونالد ريجان إلى سدة الحكم.
لا أؤمن كثيرا بنظرية المؤامرة، ولكن ما حدث فى هذه الأزمة تجعل لدينا شك وريبة على توقيت عرض الفيلم، وانتشاره بصورة رهيبة على مواقع الإنترنت، رغم أن ما تم بثه هو جزء صغير من الفيلم (حوالى 14 دقيقة).
توقيت عرض الفيلم يأتى قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بحوالى شهرين، والذى يتنافس فيها كل من الرئيس باراك أوباما (الرئيس الحالى للولايات المتحدة الأمريكية مرشح الحزب الديمقراطى) وميت رومنى (مرشح الحزب الجمهورى).
الرئيس الأمريكى باراك أوباما – ذو الجذور المسلمة - مرفوض من قطاعات كبيرة جدا من اليمين المسيحى الأمريكى المعروف بصلته الوثيقة بالصهيوينة العالمية، وفى ذات الوقت يعتبر اليمين المسيحى الأمريكى من أكبر الداعمين للحزب الجمهورى ومرشحه اليمينى المتطرف ميت رومنى الذى يعد المستفيد الأكبر من الأزمة، وله يد فى هذه المهزلة من أجل كسب ود الأمريكيين من خلال الترويج لفكرة أن "أوباما" يتساهل مع المسلمين الإرهابيين الذين يكرهونهم كى يفوز برئاسة الولايات المتحدة.
وهذا واضح فى تصريحات رومنى بعد الاعتداءات على السفارة الأمريكية والقنصلية الأمريكية فى كل من القاهرة وبنغازى ومقتل السفير الأمريكى فى ليبيا، حيت انتقد تعامل أوباما مع القضية وقال: "إنه لشىء مخز أن أول رد فعل لإدارة أوباما لم يكن إدانة الهجمات على بعثاتنا الدبلوماسية، بل التعاطف مع أولئك الذين شنوا الهجمات".
هذا إلى جانب أن إسرائيل التى يسيطر عليها أيضا حزب الليكود المتطرف غير متحمسة للتجديد لباراك أوباما لفترة رئاسية ثانية وتفضيلها لفوز ميت رومنى، وهذا واضح فى العلاقة المتوترة الواضحة بين الإدارة الأمريكية الحالية وبين إسرائيل فى الفترة الأخيرة، ويتجلى هذا فى رفض الرئيس الأمريكى باراك أوباما عقد لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو خلال تواجد الأخير فى نيويورك للمشاركة فى أعمال الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة، على خلفية التصريحات الإسرائيلية حول هجوم محتمل قريب ضد المنشآت النووية الإيرانية.
أيضا الخطاب الذى يستخدمه ميت رومنى هو خطاب تغازلى لإسرائيل، وهذا واضح فى الكثير من تصريحاته حول هذا الموضوع، أبرزها "أن الفلسطينيين ليس لديهم أى رغبة فى إقامة سلام، وأن الطريق إلى السلام يكاد يكون مستحيلا، وأن فكرة دفع الإسرائيليين للتنازل عن شىء ما لدفع الفلسطينيين للتحرك هى أسوأ فكرة فى العالم"، مشككا فى إمكانية ظهور حدود لدولة فلسطينية مستقلة.
وواضح أيضا فى تصريحاته ضد إيران وضد برنامجها النووى، واستمرار ما وصفه بـ"تهديد الإرهاب الإسلامى".
يأتى هذا فى ظل الحديث عن ضربة إسرائيلية لإيران، ربما تكون قبل نهاية العام الحالى، أو بدايات العام القادم على أكثر تقدير.. وإسرائيل لا تستطيع أن تقوم بضربة عسكرية بمفردها، لأن ذلك بالتأكيد أكبر من إمكانيتها فلابد من مساعدة من الحليف الأمريكى، خاصة فى ظل قوة عسكرية وربما نووية فى المستقبل لإيران، ومساعدة حلفاء إقليميين ودوليين كروسيا وسوريا وحزب الله وحماس.
ولا يمكن أن تأتى هذه الضربة فى ظل أجواء متوترة ومشحونة بين الإدارة الأمريكية الحالية وبين إسرائيل، إذن فالحل هو إسقاط أوباما وفوز ميت رومنى، لتنفيذ هذا المخطط الإسرائيلى ضد إيران.
على الجانب الآخر نجد أن موريس صادق – وهو أحد أقباط المهجر – والقس الأمريكى المتطرف تيرى جونز، وهم صناع الفيلم المسىء، بالإضافة إلى منتج هذا الفيلم وهو يهودى إسرائيلى الجنسية مرتبطون بعلاقات وثيقة الصلة بأعضاء جماعات الضغط داخل الحزب الجمهورى والمناصرة لإسرائيل، وهذا ربما يفسر تحيز إسرائيل للمرشح الجمهورى ميت رومنى وتفضيلها لفوزه، وقيام جماعات المصالح فى الولايات المتحدة ـ وخاصة داخل الحزب الجمهورى ـ المؤيدة للدولة العبرية بإنتاج فيلم مسىء للإسلام وللرسول الكريم، لتهييج مشاعر المسلمين حول العالم ضد أوباما، وبالتالى ضرب المصالح الأمريكية فى كل مكان احتجاجا على هذا الفيلم المسىء تمهيدا لإسقاط أوباما.
فهل سيُـعيد التاريخ نفسه، ويعصف الفيلم المسىء للإسلام وما تبعه من تداعيات من اقتحام السفارات والقنصليات الأمريكية فى عدد من العواصم العربية والإسلامية ومقتل السفير الأمريكى فى ليبيا، بالرئيس الديمقراطى باراك أوباما، ومواجهته لنفس مصير الرئيس الأمريكى الأسبق والديمقراطى أيضا جيمى كارتر، أم أن الناخبين الأمريكيين سيكون لهم رأى آخر، وستشكل موجة الغضب التى انتابت العالم الإسلامى رد فعل إيجابى لباراك أوباما وحملته الانتخابية، ويفوز أوباما بولاية رئاسية ثانية، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار ظروف الزمان والمكان، وعوامل أخرى تؤثر على قرار الناخبين الأمريكيين فى اختيارهم لرئيسهم القادم مثل تحسين الاقتصاد وخفض عجز الموازنة، وتخفيض معدل البطالة، ودعم الأمن القومى وحمايته ومحاربة الإرهاب.
