بمحض الصدفة، دخلت مصر فى صراع الجمهوريين والديمقراطيين على مقعد الرئيس فى البيت الأبيض بالولايات المتحدة، فكانت الاحتجاجات الغاضبة على فيلم "براءة المسلمين" المسىء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتى انطلقت شرارتها من القاهرة، سبباً فى إشعال حرب كلمات وتصريحات بين المرشح الجمهورى ميت رومنى ومنافسة الديمقراطى الرئيس باراك أوباما.
ورغم أن السياسة الخارجية ليست عامة فى مقدمة القضايا التى تؤثر فى خيارات الناخب الأمريكى، إلا أن هذا الحدث دفع بها إلى القمة عندما انتقد رومنى سياسة أوباما فى التعامل مع الاحتجاجات التى زاد اشتعالها تسلق المحتجين لجدران السفارة فى القاهرة، وإنزال العلم الأمريكى، وفى ظل نتائج استطلاعات الرأى العام التى كانت تشير إلى تراجع شعبية رومنى قبل أسابيع قليلة من الانتخابات مقابل صعود أوباما، خاصة بعد المؤتمرين الذين أجراهما الحزب الديمقراطى وقبله الحزب الجمهورى لإعلان الترشيح الرسمى، وجد أن ما حدث فى السفارة الأمريكية فى القاهرة فرصة يستطيع أن يكسب بها نقطة على منافسه المتقدم عليه، لاسيما أن بيانها أشعل أزمة كبيرة بين أروقة الخارجية الأمريكية، التى كانت رافضة لنشر هذا البيان، لأن صيغته تحمل بين طياتها لهجة اعتذار و"تعاطف تجاه المهاجمين"، وطالبت واشنطن من السفارة إدخال بعض التعديلات على البيان، لكن السفارة نشرت البيان كما هو، وعندما أرسلت الخارجية بريدا إلكترونيا يقول "هذا البيان ليس جيدا ويحتاج إلى تعديل"، ردت السفارة الأمريكية فى القاهرة "لقد نشرناه للتو".
وتسبب البيان فى إحراج كبير للرئيس الأمريكى، باراك أوباما وجعله عرضه للانتقادات اللاذعة من جانب خصمه اللدود، المرشح الجمهورى، الذى ما لبث أن استغل الأزمة وأخذ ينتقد لهجة البيان الذى أصدرته السفارة واصفاً إياه بـ"المشين"، لأنه يعد بمثابة اعتذار عن القيم الأمريكية المتعلقة بحرية الرأى والتعبير، معتبراً أن هذا "دليل آخر على ميل باراك أوباما إلى الاعتذار عن أعمال الولايات المتحدة"، وأضاف أنه "من المعيب ألا يشمل رد الفعل الأولى لإدارة أوباما إدانة الهجمات على بعثاتنا، وأن تتعاطف مع منظميها".
وقالت السفارة فى بيان لها، إنها "تدين قيام بعض الأفراد المضللين بإيذاء مشاعر المسلمين، كما تدين أى إساءة إلى أبناء كل الديانات".. وتبع هذا البيان تصريحات من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون قالت فيها "إن الولايات المتحدة تندد بأية رغبة متعمدة للإساءة إلى المعتقدات الدينية لدى الآخر. والتزامنا بالتسامح الدينى ضارب فى جذور أمتنا، لكن لتكن الأشياء واضحة: لا شىء على الإطلاق يبرر أعمالا من هذا النوع".
وقبل الاحتجاجات ضد الفيلم المسىء، كان رومنى يركز هجماته على ضعف السياسة الأقتصادية لأوباما وليس على سياسته الخارجية، إلا أن أحداث القاهرة ثم الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى ومقتل السفير الأمريكى هناك كريستوفر ستيفينز، مثلت له فرصة لمحاولة إعادة زرع الشك فى أوساط المحافظين الأمريكيين بأن أوباما يسعى إلى إرضاء المسلمين والاعتذار من الرأى العام على بعض أوجه السياسة الخارجية الأمريكية.
وعلى الجانب الآخر، كاد رد الفعل الأولى من جانب الرئيس محمد مرسى أن يساعد رومنى فى توجيه لكمة قوية لأوباما، حسبما أشارت الصحف الأمريكية، عندما ركز على مهاجمة الفيلم المسىء دون أن ينتقد الاحتجاجات العنيفة، وهو ما دفع الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى إجراء مكالمة هاتفية، كشفت وسائل الإعلام الأمريكية بل ومطلعون على الأمر، عن أنها كانت حادة اللهجة من جانب أوباما، تبينت فى تصريح له أثار جدلاً كبيراً حينما قال إن مصر ليست عدوة ولا حليفة.
وكانت هذه المكالمة، التى يقول الكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان أن أوباما ألمح فيها بلا شك فيها بقطع المساعدات عن مصر، سببا فى تحول فى الموقف المصرى الرسمى، ومن جانب الإخوان المسلمين أيضا، فقالت صحيفة نيويورك تايمز إن القيادة المصرية، ممثلة فى الرئيس محمد مرسى، سارعت بعد المكالمة الحادة من الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بمحاولة لإصلاح تحالف القاهرة مع واشنطن، واعترفت ضمنيا بخطئها فى الرد على الهجمات على سفارة الولايات المتحدة، وبالسعى أولا إلى إرضاء الرأى العام المحلى المعادى لأمريكا دون تقديم إدانة قوية لأعمال العنف، كما بعث نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر رسالة إلى الصحيفة أدان فيها الاحتجاجات العنيف على الفيلم.
وأضافت الصحيفة، أن الاحتجاجات الغاضبة على الفيلم المسىء للرسول (صل الله عليه وسلم) وضعت مرسى والإخوان المسلمين بين مطرقة الحاجة إلى الوقوف مع واشنطن ضد المعتدين على منشآتها، وسندان مطالب الكثير من المصريين بتحدى واشنطن والدفاع عن الإسلام، وفقًا لاعتراف أحد كبار المسئولين بالجماعة.
وتحدثت الصحيفة عن مكالمة أوباما الهاتفية مع مرسى، وقالت إن الصدع المتزايد بين الولايات المتحدة ومصر يأتى فى وقت حاسم للبلدين الحليفين منذ فترة طويلة ،فبالنسبة لإدارة أوباما هى اختبار لمدى نجاحها فى جهودها لدعم النفوذ بعد الثورة، التى أطاحت بالرئيس السابق حسنى مبارك، وإيجاد أرضية مشتركة مع الإخوان المسلمين فى البلد الذى يعد محورًا للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط ، وبالنسبة للرئيس المصرى الجديد، فإن المعضلة أصبحت بشكل سريع اختبارًا مبكرًا لقدرة الإخوان على إحداث توازن بين الضغوط السياسية الداخلية والالتزامات الدولية وولايتها الدينية المحافظة، التى تحكم أيضًا بشكل فعال فى ديمقراطية جديد.
وعن شكل العلاقات الثنائية التى ستجمع بين مصر –بعد صعود التيار الإسلامى- والولايات المتحدة فى حال فوز المرشح الجمهورى الذى عكف على التلويح بورقة ميوعة سياسة أوباما الخارجية، قال السفير، سامح شكرى، سفير مصر السابق لدى الولايات المتحدة إنه من السابق لآونة معرفة إطار العلاقة التى قد تجمع بين القاهرة وواشنطن فى حال فوز رومنى.
وأضاف قائلا فى تصريحات لليوم السابع إنه ينبغى التعامل بتحفظ وحذر مع التصريحات التى يدلى بها المرشحون للرئاسة فى أى مكان فى العالم وحتى الرؤساء أنفسهم وقت الحملات الانتخابية، فهم يتبنوا توجها معينا قد يبدو صارما، ولكن عندما يتبوءون مقعد الرئاسة يختلف الأمر كثيرا وينظرون إلى مجريات الأمور من منطلق جديد يفرضه عليهم الواقع السياسى وكيفية إدارة الأمور فى مؤسسات الدولة.
ومضى شكرى يقول إن استغلال رومنى لسقطات الرئيس أوباما أمر طبيعى فى ظل ضراوة المنافسة بينهما، فالمرشح من خارج دائرة الرئاسة يعمد دائما إلى توجيه الانتقادات لخصمه لإضعاف موقفه أمام الناخبين، كما أنه يسعى جاهدا لدعم موقفه الانتخابى وحشد أكبر عدد من القاعدة الانتخابية، وذلك من خلال تأكيد اختلافه وقدرته على التغيير والوفاء بالمسؤوليات التى فشل فى تحملها غيره، وهذا ينطبق على استغلال رومنى لأحداث السفارة والاستفادة منها لصالحه.
وعلى ما يبدو يدرك المرشح الجمهورى أهمية المساعدات الخارجية للولايات المتحدة، فرغم تصريحاته الكثيرة شديدة الصرامة حيال إيران وسوريا والصين وروسيا، ورغم انتقاداته المستمرة لأوباما، اعترف فى خطابه خلال المبادرة العالمية التى يقودها الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، بقيمة المساعدات الخارجية وأهدافها وهى: تقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز الأمن، وتشجيع النمو الاقتصادى، كما أنه لم يدع إلى تخفيض المساعدات، كما يطالب كثير من أعضاء الحزب الجمهورى.. إلا أنه من غير المؤكد إذا كان رومنى سيحافظ بالفعل على الميزانية الحالية بعد انتخابه، حيث أنه أيد فى وقت سابق قطع المساعدات الخارجية عن الدول التى "تعارض المصالح الأمريكية" _وهو مصطلح غامض قد يشمل العديد من البلدان.
كما تضمنت الميزانية التى صاغها المرشح الجمهورى لمنصب نائب الرئيس، بول ريان، تخفيض إنفاقات الشؤون الخارجية بنسبة 10% فى عام 2013 وأكثر من ذلك فى عام 2016. ومع ذلك، فقد ركز رومنى معظم اهتمامه على إصلاح برامج المساعدات، وهو ما كانت إدارتى جورج دبليو بوش و باراك أوباما تعملان على تحقيقه طوال سنوات عديدة.
مصر تشعل صراع الانتخابات الأمريكية بين أوباما ورومنى
الأربعاء، 03 أكتوبر 2012 09:00 م
أوباما ورومنى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدى بيومى
اين الندية فى التعامل مع امريكا ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام
حقيقة
عدد الردود 0
بواسطة:
مشاهد
لاتوجد خبرة
عدد الردود 0
بواسطة:
المهندس محمد والى
مصر تستحق
مصر تستحق
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد عبد العزيز
lموضوع امريكا ومصر
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو القاسم
دول العالم الاول .. والثانى .. والثالث .. والرابع .. والمارشريه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد كمال
أوباما .. الرئيس الكارثة