أكرم القصاص - علا الشافعي

إبراهيم داود

حكايات الإجازة

الإثنين، 29 أكتوبر 2012 02:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
1
التقيت رجلا على مشارف السبعين، وأنا أشترى بعض الأغراض من سوبر ماركت قريب من بيتى، اتجه نحوى بحماس شديد وعلى وجهه ابتسامة رائقة، لم تسعفنى الذاكرة ولم أتمكن من تذكره، مد يده وهو مندفع، وقال «إزيك يا دكتور؟»، تأكدت أنه «يشبّه على»، وقلت له وأنا أسحب يدى من يده «حضرتك.. أنا مش دكتور».. وقبل أن أكمل قال «أنا مريض عندك.. واتكلمنا كتير فى السياسة وأمريكا»، حاولت حسم الموضوع بنبرة أعلى قليلا، ولكنه لم يمنحنى الفرصة، وأخذ يشرح لى كيف تمكن ـ بفضل الله والعلاج الطبيعى والعلاج الذى كتبته له ـ من تفادى آلام العمود الفقرى التى يعالج منها منذ عشرين عاما، الرجل يلبس ملابس كاجوال بسيطة، وتشير إلى أنه شخص صافٍ وصاحب ذوق، اضطررت إلى القسم له بصوت عال بأننى لست الشخص الذى يظن، وأخرجت له بطاقتى الشخصية، ولكنه لم ينظر إليها، وانصرفت وبدأت فى الاهتمام بقراءة أسعار الأشياء على الأرفف، والتى لم يسبق لى الاهتمام بها، وابتعدت عنه، وكأنى لا أعرفه، بعد دقائق جاءنى مرة أخرى وأمسك ذراعى وقال لى «على فكرة الوضع بقى صعب، وأنا قررت أسافر، وأقعد مع الأولاد فى أمريكا»، ابتسمت له وقلت «بإذن الله الأمور هتبقى أحسن»، نظر إلى وقال بغضب «أحسن إزاى يا دكتور؟»، قلت «تانى؟ قلتلك أنا مش دكتور ولا نيلة أنا اسمى فلان، وباشتغل فى الحتة الفلانية»، ارتسمت على وجهه ابتسامة عنيفة وغاضبة، وتركنى وهو يشعر بأننى دكتوره وأننى أقصد إهانته.
2
المتسولون المحترفون أكثر الناس ضجرا من مليونيات التحرير، لأنه لا أحد يحفل بهم، ويقل عددهم بشكل ملحوظ، متسولو وسط المدينة معروفون لرواد المقاهى الأساسيين، وبعضهم يعرف الزبائن بالاسم، فى إحدى «الجمع» الرائعة والتى كانت تنادى بأهداف الثورة بعيدا عن عبيد السلطة، جلست إحداهن على رصيف فى شارع هدى شعراوى تبكى بحرقة حقيقية، هى متسولة قديمة، ومعروف عنها غلظتها مع من يتجاهلها، اقتربت منها.. «عبير» التى نعرفها ونعطف عليها فى الأيام غير المليونية، وسألتها بإخلاص وحماس ومحبة «مالك ياستى؟».. فأجابت بصوت ملىء بالحسرة والغضب، وهى تمسك رقبتها بأصابعها «الشعب.. خنقنى».
3
يمتلك الفنان الجميل لطفى لبيب قدرة مذهلة تؤهله لاكتشاف النصابين، يأخذهم على كفوف الراحة، ويعرفهم على أصدقائه بجدية تجعل النصاب منهم فخورا بنفسه، تعرف على أحدهم، وعرف من سياق الكلام أنه يتاجر فى الأخشاب أيضا بجوار الأشياء الكثيرة الأخرى، هو يركب مرسيدس «أنتيك»، ويدخن السيجار، قليل الكلام، يبدو مهموما بتفاصيل (تبدو كبيرة)، اقترب منه الفنان فى إحدى الليالى الشتوية وقال له إن أحد أقاربه يتاجر فى الخشب، ويريد أن «ياكل عيش» بالعمل معك، فرحب الرجل وسأل دون أن ينظر للسائل «واحد ولا أكثر؟»، وقبل أن يستفسر لطفى قال الرجل بحسم مليون متر ولا أكتر؟، واستطرد «خليه يروح الغابات فى استراليا ويقطع اللى هو عايزه وبعدين نتكلم»، ومر الموضوع مع كثير من التعليقات الجانبية التى لم يلحظها رجل الأعمال الكبير، بعد يومين شاهد لطفى فى الأخبار حرائق فى الغابات الاسترالية، اتصل بالرجل، واعتذر له أنه يتصل به فى وقت متأخر، لأن الموضوع لا يحتمل، وقال له قلبى معك ويعوض عليك ربنا، وأخبره عن الحرائق التى شاهدها بعينيه، فتنهد الرجل وقال له بأسى وهدوء وبنبرة تمثيلية «دى بقى لها 3 أيام شغالة يا لطفى»، وشكره على اهتمامه، وانتهت المكالمة، بعد قليل طلبه الفنان الجميل، فرد الرجل «خير؟»، فقال له «أنا عندى تاجر فحم كبير.. ممكن يشيل»!!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة