طفل صغير ملفوف فى ملاءة بيضاء، ملقى أمام بيت، أو مسجد، أو فى صندوق قمامة، هل شاهدت هذا المشهد فى أكثر من فيلم عربى؟ لا تتخيل إذن أن هذا المشهد مقتصر على الدراما والسينما فقط، فهناك الآلاف من الأطفال "اللقطاء" أو "مجهولى النسب" فى مصر لأسباب متعددة، أطفال صغار مجنى عليهم، يعاملهم المجتمع كمذنبين بعد أن ورثوا ذنبا لم يقترفوه، فى حين يتعامل الجميع مع أبائهم بكل احترام وتقدير رغم أنهم مجرمون من وراء الستار. اللقيط ضحية ظروف ومجتمع كامل، يعانى من نظرات من حوله، رغم أنه يعيش حالة من الضعف الشديد، يحمل وزر أبويه، ويكتم أحاسيس النبذ من المجتمع داخله، ورغماً عنه يتكون لديه العنف والكراهية لكل أفراد المجتمع كرد فعل طبيعى لمن هو متهم من الجميع رغم طفولته البريئة. "اليوم السابع" تفتح هذا الملف الخطير حتى يتحول اللقطاء إلى مواطنين طبيعيين، بدلاً من تحويلهم إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر فى وجه المجتمع فى أى لحظة.
يعيشون فى أقسام الشرطة وسيارات الإسعاف و"الشؤون الاجتماعية" ودور الإيواء.. مجهولو النسب يُستخدمون فى التسول تحت إشراف "الشؤون الاجتماعية".. ومعرفة اللقيط بحقيقته تجعله مقاوماً لنظرات المجتمع
شارع، أو صندوق قمامة، أو قسم شرطة، أو سيارة إسعاف، أو الشؤون الاجتماعية، أو دار إيواء فى أفضل الأحوال.. هذه هى الأماكن التى يمر عليها الطفل اللقيط تباعا منذ لحظة ميلاده، وإن كانت تلك الإجراءات ضرورية لإثبات حالة الطفل، والكشف عليه صحيا، ثم إيداعه أيا من دور الرعاية، فإنها كلها مراحل صعبة يظل الرضيع فيها يبحث عن شربة لبن لا يجدها إلا عندما يكون فردا من أفراد "الملجأ" الذى سيقيم فيه، أو إذا تم تسليمه إلى مرضعة.. هذا ما يذكره جمال الدين عطية، رئيس مجلس إدارة مؤسسة السيدة نفيسة الخيرية للأيتام وفاقدات البصر بحلوان، حيث يشير إلى أن أول شىء يتم عمله للطفل هو كتابة محضر بمواصفاته، وتدوين شكل ولون ملابسه، وأى علامات مميزة فى جسده، ثم تاتى عربة الإسعاف لنقله إلى المستشفى لتوقيع الكشف الطبى عليه، ويتم إخطار إدارة الأسرة والطفولة التابعة للشؤون الاجتماعية التى تعمل على تسليم الطفل إلى مرضعة بالتعاون مع وزارة الصحة، وإن كان من المفترض أن تقوم المرضعة على رعاية الطفل إلى أن يبلغ عمره العامين، وتسلمه مرة أخرى إلى الشؤون الاجتماعية، فإن ما يحدث فى كثير من الأحيان أن المبلغ الذى تصرفه الشؤون للمرضعة لكفالة هذا الطفل كل شهر على مدى العامين يدخل أدراج بعض الموظفين ليتغاضوا عن التدقيق والتمحيص فى شؤون المرضعة، وظروفها المعيشية والاجتماعية، مما يجعل كثيرات منهن يلجأن إلى الشؤون لتسليمهن أطفالا لاستخدامهم فى أعمال التسول. ويشير عطية إلى أن المرضعات يكنّ من الطبقات الدنيا فى المجتمع، ويمتهن الرضاعة كمهنة تجلب عائدا، حيث تصرف الشؤون الاجتماعية راتبا شهريا لهن، وألبانا صناعية لإطعام الأطفال، وهذا شىء غريب لأن أهم شىء فى وظيفة المرضعة أنها تقوم على إرضاع الطفل طبيعيا، كما أنه فى حالات كثيرة لا يتم فيها تسليم الطفل مرة أخرى للشؤون الاجتماعية، ويصبح الصغير منسيا عند أناس يستغلون براءته فى أعمال التسول، واستخدامه كخادم لديهم.
ويؤكد عطية أن اللقيط طفل يتيم مرتين، فهو يتيم مجتمعى، ويتيم أسرى، ويقول إن أطفال الدار، وهن بنات يفطن إلى حقيقتهن عندما يبلغن 5 أو 6 سنوات، ويقال لهن إن الأم أنجبت وهربت، وإنه ليس من حق أحد فى المجتمع أن يسأل أيا منهن عن أبيها أو أمها، إنما يمكن فقط للمجتمع أن يسأل عن مدى نفع هذا الشخص وقيمته فيه، لذا فمن الضرورى أن تهتم كل فتاة بتعليمها، والحصول على أعلى مستوى من التعليم، ليكون لها سلاحا بدلا من أن تعمل خادمة فى البيوت. و يشير عطية إلى أنه فى السابق كان يكتب فى شهادة ميلاد هؤلاء الأطفال لفظ "لقيط"، أما الآن فإنه لم تعد تسجل هذه الصفة، وتتم كتابة اسم الحى والشارع الذى وجد فيه الطفل، ويتم اختيار اسم رباعى له، ويتم أيضا تدوين اسم رباعى للأم، وهذا ما يحدث حتى مع الأطفال الذين تتسلمهم الدار فى سن كبيرة، مادام ليست لديهم شهادات ميلاد، فيتم أخذ المحضر والذهاب به إلى السجل المدنى لاستصدار الشهادة، وتتولى الدار رعاية من تتسلمهن من بنات، ويظللن بها حتى يتزوجن، ويتم اختيار العريس بحيث يكون مناسبا للفتاة فى مؤهله الدراسى والسن، ولا توجد فوارق اجتماعية يبدو معها أن الزواج سوف يفشل فى مستقبل الأيام، مع الاهتمام بالسؤال عن عائلة العريس التى يجب أن تتعرف جميعها على الفتاة، وتوافق عليها حتى لا تحدث أى مشكلات فى المستقبل بسبب أنها "مجهولة النسب"، كما تحافظ الدار على حقوق فتياتها، وتأتى لكل واحدة منهن بشقة تكتب باسمها، بعدما يتم توفير مبلغ فى دفتر التوفير طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال التبرعات التى ترد إلى الدار.
4 أسباب وراء انتشار الأطفال مجهولى النسب.. و11 طريقة للحد من الظاهرة
إن الطفل مجهول النسب هو مواطن من الدرجة الأولى فى كثير من دول العالم، وقد كفلت له القوانين كل حقوقه، أما فى المجتمعات العربية فالصورة تختلف، حيث لا يوجد قوانين واضحة تحمى هؤلاء الأطفال من المجتمع وتدافع عن حقوقهم وتقدم لهم يد العون والمساعدة وتوفر لهم المعيشة الكريمة، هذا ما يوضحه مجدى ناصر خبير الاستشارات التربوية والأسرية.
ويشير ناصر إلى أن هناك 4 أسباب وراء انتشار الأطفال مجهولى النسب فى مجتمعنا، منها:
1 - الفقر، ويعتبر من العوامل والأسباب الرئيسية لوجود تلك الفئة فى المجتمع.
2 - العلاقات غير الشرعية التى ينتج عنها أطفال يحاول أطراف العلاقة التخلص منهم خشية العار أو الفضيحة.
3 - العادات الجاهلية لدى بعض الناس والنظرة المتخلفة لعدم الاعتراف بالإناث والتخلص منهن.
4 - الجهل بمسائل النكاح والتبنى، وانتشار الزواج العرفى وغيره من أشخاص يتبنون مثلا طفلا ثم يفاجأوا بمعرفة حكم شرعى فيما بعد فيتركوا الطفل بجهل أيضاً للتخلص منه.
ويمكن الحد من أعداد الأطفال مجهولى النسب من خلال 11 طريقة وهى:
1 - عمل برامج وحملات توعية للفتيات بعدم الانخداع بشعارات الحب.
2 - توعية الأسر بضرورة تحمل مسؤولية التوجيه والرقابة والتقرب من الأبناء ومراقبة سلوكياتهم.
3 - الاهتمام بالمجتمعات الفقيرة حيث إن هذه الفئة تظهر فى هذه المجتمعات بصورة كبيرة، لأن المجتمعات الغنية تستطيع أن تعالج هذه الأوضاع بسهولة ودون معاناة.
4 - الاهتمام بالتوعية الدينية للشباب لتجنب الوقوع فى هذا الخطأ.
كما أن هناك دورا للمجتمع فى رعاية هؤلاء الأطفال، وتتمثل فى:
5 - تدريب العاملين فى دور الرعاية وإخضاعهم لاختبارات نفسية توضح مدى قدرتهم على التعامل مع هذه الفئة التى تحتاج إلى الأم الحاضنة، ومن الضرورى وجودها فى دار الرعاية لتكون بمثابة الأم البديلة.
6 - توفير الجانب المادى لهذه الدور لرعاية الأطفال بالتوازى مع الجوانب العاطفية والنفسية لتعويضهم عن الحرمان ومعالجة المشاكل النفسية ودفعهم إلى التواصل مع الآخرين.
7 - صناع القرار فى هذا المجال يجب أن يكونوا من المختصين فى الصحة النفسية والاجتماعية حتى يتمكنوا من تطوير الخدمات والرعاية وبرامج التأهيل.
8 - أن ننظر للقيط نظرة شاملة كجسد وعقل وروح، وهذا ما تنادى به منظمة الصحة العالمية دائماً
.
9 - الاهتمام بدراسة هذه الفئة مع وجود الضمانات الكافية لعدم تعرضهم لهزات نفسية من وجودهم واندماجهم بالمدارس العامة.
10 - الإقامة فى دور صغيرة داخل الأحياء، دون أن يشعر بأنه لقيط.
11 - تجنيب اللقيط الإهانة والضغوط التى تجعله مهيئاً للاضطرابات النفسية والعقلية.
تفشل الأم فى قتله وهو جنين فيواجه رحلة حياته بـ 5 مخاطر
الطفل اللقيط رغم أنه برىء، فإنه متهم، فهو طفل غير مرغوب فيه من المجتمع، ولذلك فهو يتعرض فى أغلب الأحوال لظروف عديدة من الإهمال الصحى، والنفسى، والتربوى، والاجتماعى، والثقافى.. هذا ما يؤكده الدكتور جمال شفيق أحمد، أستاذ علم النفس الإكلينيكى، رئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة، جامعة عين شمس.
ويشير شفيق إلى أن هناك العديد من المخاطر التى تواجه الأطفال اللقطاء، تتمثل فى:
1 - تناول الأم بعض العقاقير التى تؤذى الجنين وتقتله، أو تحاول الانتحار والتخلص من حياتها.
2 - الظروف النفسية السيئة، والضغوط الانفعالية التى تواجهها الأم، وحالة الخوف والهلع التى تعيشها إذا اكتشف أحد أمرها، تؤثر على حالتها الصحية وتغير التركيبات الكيميائية للدم الذى يتغذى منه الجنين، فيكون الجنين عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض.
3 - عند ذهاب الأم لولادة ابنها فإنها تدلى بمعلوماتها عن نفسها، وتهرب بطفلها مباشرة عقب الولادة أو قد تتركه.
4 - قد تترك الأم رضيعها على باب أحد المساجد أو البيوت، أو حتى فى صناديق القمامة، وهنا يتعرض الطفل للعديد من المخاطر المهلكة، منها التعرض لصعوبات الجو، والحرمان من التغذية، والتعرض للإصابة بالتلوث، وفى كثير من الأحيان التعرض لنهش الحيوانات الضالة، مما قد يودى بحياته مباشرة.
5 - عند ترك الوليد فى المستشفى وهروب الأم، فإن الطفل يتعرض للكثير من الإجراءات الإدارية بالمستشفى والشرطة والنيابة، حتى يتم تسليمه إلى إحدى دور الرعاية الخاصة بالأطفال اللقطاء، وهنا يحرم الطفل الوليد من أبسط أنواع الرعاية والتغذية والحماية المناسبة فى مثل هذه الظروف.
الفحص الطبى والنفسى للأسرة البديلة شرط أساسى لضمها طفلاً لقيطاً
يوضح جمال الدين عطية، رئيس مجلس إدارة مؤسسة السيدة نفيسة الخيرية للأيتام ولفاقدات البصر بحلوان، أن هناك مجموعة من المعايير لابد أن تتوافر فى الأم والأب اللذين يتسلمان طفلا لقطيا لضمه إليهما، وهو ألا يقل دخل الأسرة البديلة عن 3 آلاف جنيه شهريا، لضمان مستوى معيشى مناسب للطفل وللأسرة، كما يجب أن يكون سن الزوجة التى سوف تشغل مكانة الأم البديلة لا يزيد على 40 سنة، وسن الزوج أى الأب البديل فى حدود 45 سنة.
ويشترط أيضا توقيع الكشف الطبى، وعمل التحاليل اللازمة التى تؤكد خلو الأبوين البديلين من الفيروسات المدمرة للصحة والأموال، وأيضاً عرضهما على أطباء نفسيين لضمانة أنهما يتمتعان بسواء نفسى.
كما يجب أن تتوافر فى البيئة الاجتماعية بعض الضمانات، حيث يراعى أن يكون المسكن ملائما وليس عشوائيا، وأن يكون لدى العائلة قدر مناسب من التعليم، وأن يكون الأب والأم على الأقل حاصلين على مؤهل متوسط، ويجب مراعاة المستوى العلمى لأشقاء الأم وأشقاء الأب، وأن يكون كل أفراد الأسرة يتمتعون بسمعة طيبة وحسن السير والسلوك، إلى جانب أحقية الطفل فى معاش الأب البديل حتى تستمر الحياة، وضمان الأمان للصغير حتى بلوغه السن القانونية لانقطاع المعاش، سواء للولد أو البنت، وإذا أرادت الأسرة البديلة فسخ العقد، وإعادة الطفل للرعاية بالمؤسسة مرة أخرى، يجب أن يطلب منها حقوق هذا الطفل الذى يطرد من الأسرة، ويتغير مصيره بلا ذنب، وفى حالة وفاة أحد أفراد الأسرة البديلة سواء الأب أو الأم يكون هناك عقد هبة، ويكتب للطفل كنوع من تأمين مستقبله، واستمرار حياته بشكل مناسب.
وفى حالة إيذاء الطفل بدنيا فى الأسرة البديلة، أو تشغيله فى سن صغيرة، يجب سحب الطفل وإيداعه دور الرعاية، وتوقيع عقوبة على هذه الأسرة مثل الغرامة بمبلغ مالى يقدر تقريبا بعشرين ألف جنيه على الأقل، أو توقيع عقوبة جنائية.
اللقطاء.. سلاح البرا ة فى وجه المجتمع..تجدهم فى ملاءة ملفوفة أمام مسجد أو فى صندوق قمامة.. ويعاملهم المجتمع كمذنبين بعد أن ورثوا ذنبا لم يقترفوه
الإثنين، 29 أكتوبر 2012 01:21 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صبرى عبدالعال ـ الأتصالات سابقا
فضفضة