حذر مركز "كارنيجى" الأمريكى للسلام الدولى من أن المخاطر الدستورية فى مصر مرتفعة للغاية، وأن الدستور سيثير ما أسماه بحرب الخنادق بين وحول وداخل مؤسسات الدولة فى صراع سيستمر لسنوات عديدة، مشيرا إلى أن النقاش حول المسودة المقترحة للدستور أصبح عاطفيا ومشحونا.
وقال المركز فى تقرير لناثان براون، الخبير به وأستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون الأمريكية، إن الخطاب الخاص بالدستور شديد الاستقطاب مع ادعاء غير الإسلاميين أن الإسلاميين استولوا على عملية صياغة الدستور، فى حين يقول الإسلاميون إن التغييرات الخاصة بهم صغيرة، ويضيفون أن معارضيهم لا يستطيعون أن يقبلوا نتائج الانتخابات التى تشير إلى تأييد قوى للإخوان المسلمين والسلفيين.
ويرى التقرير أن كلا الطرفين على حق، فالإسلاميون محقون عندما يقولون إنهم يعملون مع ضبط النفس، فالوثيقة التى يعملون عليها لن تؤوى إلا إلى تغيير نصى خفيف ومحدود فى علاقة الدولة بالدين مقارنة بدستور 1971، لكن معارضيهم أيضا على حق فى أن الإسلاميين يهيمنون على العملية، ومن المحتمل أن يؤدى الأمر إلى دستور يعكس مصالحها.
ويتابع التقرير قائلا: هذا لا يرجع بشكل كبير إلى الأدوات التى يصوغون بها، بل يرجع أكثر لمن سيستخدم هذه الأدوات لو كانت نتائج أى انتخابات مستقبلية فى مصر مثل الانتخابات الأخيرة، ويشير إلى أن دستور 2012 سيعمل فى سياق سياسى مختلف للغاية، ولذلك فإن أى خطوة تبنى لغة الماضى سوف تفرز على الأرجح نتائج مختلفة جدا.
وبهذه الطريقة، فإن دستور مصر الجديد لن يحل كثيرا كل الخلافات كما أنه سيؤسس فترة طويلة من حرب الخنادق داخل وبين وحول سلسلة من المؤسسات، وستتقدم القوى الإسلامية إلى الأمام على الأرجح بشكل تدريجى بدلا من استيلاء مفاجئ على الدولة، وهذا الصراع سيحدث على مدار سنوات عديدة وستحدد النتيجة ما تعنيه لغة الدستور الغامضة فى حياة المصريين العاديين.
ويوضح التقرير، أن التأثير الأعظم للدستور ربما يكون الطريقة التى سيعيد بها تصميم نظام الحكم المصرى والعلاقات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وقد أثارت تلك المواد جدلا أقل إلا أنها تبدو مصممة بشكل أكثر صرامة، ويبدو أن واضعيها يحاولون إقامة نظام شبه رئاسى مع آليات للرقابة البرلمانية، لكن هذا عمل لم ينته بعد، والأحكام الدينية معروفة بشكل أكثر وضوحا إلى حد ما، وتستحق المزيد من الاهتمام الآن.
ويقول براون، إن عملية صياغة الدستور فى مصر من الصعب متابعتها بالتأكيد، فالجمعية التأسيسية للدستور تتعرض لانتقادات لكونها تعمل بطريقة غير شفافة وغير توافقية، إلا أن جزءا من المشكلة هو أن العملية شفافة واجماعية للغاية.
وعلى الرغم من الطبيعة الفوضوية إلى حد ما لعملية كتابة الدستور، إلا أن النقاش حوله فى مصر كان فى بعض الأحيان مفصلا ومتطورا بشكل لافت، فالمميزات السابقة الغامضة لم تعد موضع النقاشات الدراسية، بل أصبح محلها الخطاب السياسى العام.
وتوقع كارنيجى، أنه فى حال اكتمال دستور 2012 والتصديق عليه، فمن المرجح أن يوضح المخاطر ويشكل مجالات صراع سياسى طويل حول العلاقة بين الدين والدولة فى مصر، وستكون المجالات الرئيسية للصراع مؤسسات الدولة نفسها، حيث إنها مكلفة بتنفيذ اللغة العامة للوثيقة الدستورية، ولجعل الأمور أكثر تعقيدا، فإن الكثير من هذه المؤسسات لن تكون مجرد مجال صراع لرؤى عديدة متنافسة، فلديها إحساس قوى بالمصالح المؤسسية، فهى جوائز فى حد ذاتها يمكن الفوز بها، وجهات فاعلة فى الوقت نفسه.
وضرب التقرير مثالا على ذلك بالأزهر، وقال إنه كان يناضل من أجل تأكيد تفوقه فى الشئون الدينية مع تجنب سلطة دستورية رسمية، وجاءت خطوة إعطاء الأزهر سلطة فى تفسير المادة الثانية على سبيل المثال من الخارج المؤسسة، وسرعان من أكد شيخ الأزهر أنه لا يرغب فى مثل هذا الدور.
ومن المؤسسات الأخرى أيضا المحكمة الدستورية العليا التى كانت محل جدل كبير، وهناك أيضا الأجهزة المدنية إلى جانب أجهزة الأمن والجيش والفرع التنفيذى والبرلمان، كلها مؤسسات سيكون عليها الصراع فى السنوات القادمة.
وختم كارنيجى تقريره بالقول، إن السياق السياسى ربما يحدد معنى الدستور، وحزب الحرية والعدالة الذى يعرف ذلك ربما يستعد لتنازلات قصيرة المدة حول الصياغة من أجل تأمين نظام سياسى يسمح له بمواصلة رويته على المدى الطويل.
كارنيجى: الدستور الجديد يثير حرب "خنادق" بين وداخل وحول مؤسسات الدولة.. الصراع سيستمر لسنوات عديدة.. والإخوان مستعدون لتنازلات فى الصياغة مقابل تأمين نظام سياسى يخدم مصالحهم
الخميس، 25 أكتوبر 2012 12:39 م