صدر مؤخرًا عن دار الشروق للنشر، كتاب بعنوان "من أوراق ثورة 25 يناير" للمستشار والفقيه والدستورى طارق البشرى، ويقع الكتاب فى 246 صفحة من الحجم المتوسط، متضمنًا ثلاثة أجزاء تناقش الملامح العامة لثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، والمرحلة الانتقالية، وذلك من خلال الخطوط العامة لأحداث الثورة، والتعديلات الدستورية إبان المرحلة الانتقالية.
ويرى "البشرى" أن الوضع الثورى الذى أنتجته أحداث الثورة لم يكتمل بعد ولم يتبلور أوضاعه، وأن قواه السياسية والاجتماعية لا تزال تتجمع وتتنادى وتتعارف عناصرها على بعضها بعضًا، كما أنها فى أى من تنوعاتها لم تتشكل بعد ولم تهتد بعد إلى بلورة واضحة لجماعاتها وأهدافها، ولم تتأكد من حجم قواتها وموازينها إزاء غيرها.
ويقول "البشرى" الغريب أن فريقًا عالى الصوت فى الإعلام المرئى والمسموع والمقروء ظل يصر على سرعة إعداد الدستور بحسبانه الخطوة الأولى لتشكيل المجتمع المصرى فى ظروف ما بعد الثورة، وهو ذات الفريق الذى كان يتصور أن علاج أحوال مصر المتدنية فى عهد حسنى مبارك كان مفتاح علاجها لا حركة شعبية ولا حراك شعبى يهدم النظام القائم وقتها، ولكن إعداد دستور جديد، كأن الدستور عندهم هو المهدى المنتظر، والذى سيملأ الأرض عدلاً ونورًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا. ومن المفارقات أن هذه الفكرة "المهدوية" تظهر لدى التيار العلمانى والليبرالى بأكثر مما تظهر لدى التيار الإسلامى.
ويوضح "البشرى" أن الفعل الثورى فى 25 يناير الذى جاء من حركة شعبية لا تحكمها بحجمها الحاصل قيادة محددة ولا تنظيم أو تنظيمات بعينها، فقدمت نحو 846 شهيدًا ونحو 6500 مصاب، وقدمت هذه الضحايا فى خمسة أيام فقط، منها أيام من 25 إلى 28 يناير قبل أن تنسحب الشرطة من المدن، وتترك مصر بلا أمن وقبل أن تتولى القوات المسلحة حفظ الأمن بدلاً من الشرطة منذ يوم 28 يناير، ومنها اليوم الخامس الشهير المسمى بموقعة الجمل، ورقم الضحايا فى هذه الأيام القليلة جدًا والمعدودة ليس قليلاً، إذا قورن مثلا بحجم الضحايا فى سوريا خلال شهرين من بدء الثورة هناك فى الخامس عشر من مارس، فلم يصل إلا إلى 800 قتيل وبلغ 1100 قتيل فى الشهر الثالث، برغم أن الحكومة هناك استخدمت الجيش وأسلحته فى قمع المظاهرات، مضيفًا، إن تقدير حجم الضحايا حسب عدد أيام العنف ومقارنته بسوريا مثلاً يظهر مبلغ القسوة الشديدة التى مارسها نظام حسنى مبارك فى معركته الأخيرة، كما يظهر روعة موقف القوات المسلحة المصرية فى حماية شعب مصر وحركته وتجاوبها معه، بما منع من تصاعد القتال بعد 28 يناير وبما عجل بسقوط مبارك.
ويشير "البشرى" فى حديثه عن التعديلات الدستورية واللجنة التى كُلفت بهذا العمل إلى حجم الهجوم التى تعرضت له بسبب أحد أعضائها المنتسب لجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدًا أن هذا الهجوم الإعلامى دلَّ على روح الإقصاء التى اتصف بها المهاجمون، الذين يرفضون أى مشاركة فى عمل عام يأتى من جانب من يتصف بعضوية جماعة إسلامية، ودل على حجم التعصب الكبير الذى يكنه لغيرهم بعض ممن يسمون أنفسهم بأنهم ليبراليون أو علمانيون، لافتًا إلى أن حكومة الدكتور عصام شرف، كانت تضم وزيرًا من حزب التجمع ثم ضمت نائب رئيس وزراء لحزب مصر الاجتماعى الديمقراطى، كما ضمت ثلاثة وزراء منهم من حزب الوفد، وأحدهم كان نائب رئيس الوزراء، وكان قبل ذلك يسمى داخل حزب الوفد: رئيس وزارة الظل. ومع ذلك لم يطلق على هذه الوزارة فى أى وقت أنها وزارة منحازة إلى حزب التجمع، ولا أنها منحازة إلى حزب مصر الاجتماعى، ولا أنها منحازة إلى حزب الوفد، ولا أطلق عليها وزارة حزبية ولا أنها منحازة إلى أحزاب بعينها متحالفة، ولكن عضوًا واحدًا بلجنة تعديل الدستور المهنية كان من جماعة الإخوان المسلمين وفيها ستة من أعضاء المحكمة الدستورية ومن علماء القانون وقيل: إنها إخوانية.
ويوضح الفقيه الدستورى أن من عارضوا التعديلات الدستورية قد أسرفوا فى القول بأن دستور 1971 قد سقط، فالواقع أن هذه التعديلات بنص المادة 189 مكرر (1) تكون قد حكمت بسقوط دستور 1971، ولكنها قررت ذلك بطريقة دستورية تشريعية رصينة، وليس بمجرد الخطابة المنبرية. كما أن هذه المادة هى ما تحول به الفعل السياسى للثورة إلى فعل تشريعى، وألزمت المجتمع حكامًا ومحكومين بمجرد الاستفتاء عليها مع غيرها، وقد وضعت هذه المادة ضمن مواد دستور 1971 لأننا كنا لا نزال فى وضع دستورى تشريعى حددته قرارات وبيانات المجلس العسكرى بأن دستور 1971 معطل ويعدل فجرت الصياغة داخل نطاق أحكام هذا الدستور بأرقام مواده، ولكنها دخلت فيه لتنسفه بعد ذلك، وأن كثيرًا ممن اعترضوا على هذه الصياغة، إنما أظهروا عدم قدرتهم على فهم أصول الصياغات التشريعية، وعدم استيعابهم وعدم خبرتهم بالعمل القانونى والتطبيقى فى صياغة النصوص وضبطها وإعمالها من بعد.
وحول أزمة "الدستور أولاً" يقول "البشرى" أن هذا الاتجاه الذى كان يطالب به كان يفتقد المنطق، وجاء ذلك ليس عن عدم معرفة بقدر ما جاء بسبب التخوف من الديمقراطية، لأنهم ليسوا بذوى تأييد شعبى وهم يفرقون دائمًا من مسألة الرجوع إلى الشعب، لأنهم يعرفون مقدمًا أنهم ليسوا بذوى تأييد لديه، كشأن الليبراليين القدامى المسمين "الأحرار الدستوريين" فى السياسة المصرية وموقفهم ضد حزب الوفد القديم من 1922 حتى 1952.
ويتضمن الجزء الثانى من الكتاب أوراق لجنة التعديلات والاستفتاء، والتى تتناول نص المشروع الذى قدمه "البشرى"، من خلال التعديلات المقترحة على المواد المطلوب تعديلها، وكذلك التعديلات المقترحة للمواد التى رأت اللجنة لزوم تعديلها، ومشروع المرسوم بقانون بتنظيم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بالإضافة إلى ملحق كامل متضمن مشروع تعديل قانون (الأحزاب، تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، مجلس الشعب، مجلس الشورى، انتخابات الرئاسة)، ثم ما كتبه تباعًا فيما بعد ذلك ونشر بالصحف حول رأيه فى تطور الأحداث خلال الفترة الانتقالية، دفاعًا – كما يقول - عن العمل المؤدى ومحاولة للوصول به إلى غايته من خلال تحقق ديمقراطى قامت الثورة من أجله إنفاذه.
طارق البشرى قاضٍ متقاعد ومفكر مصرى، شغل منصب النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة المصرى ورئيس للجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، تم تعينه من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة كرئيس لجنة تعديل الدستور المصرى.