لأنها زيارات رسمية، تأتى كل أخبارها المنشورة فى الصحف والمذاعة على الفضائيات بشكل رسمى روتينى على طريق تحرك سيادته، واستقبل وأدار وأجرى مباحثات ثنائية لتعميق العلاقات بين البلدين، والاتفاق على نقاط التعاون المشتركة..
النموذج أو «الإسطنبة» السابقة عشنا معها وقرأناها آلاف المرات مع كل زيارة لوزير أو رئيس وزراء أو رئيس دولة، قبل السفر نسمع عن زيادة مستوى التعاون المشترك، وبعد العودة من السفر نقرأ عن الحفاوة البالغة، والنجاح المنقطع النظير للزيارة الرسمية.. لا تفاصيل واضحة، ولا أهداف معلنة ومنطقية، ولا نتائج مجدولة يتم الإعلان عنها فى بيان رسميى بعد العودة.
هكذا كنا وهكذا «مازال» على رأى الإخوة الجزائريين الذين استضافوا على مدى اليومين الماضيين 22 و23 أكتوبر وفدا مصريا رسميا برئاسة الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة المصرية، برفقة كل من محمد كامل عمرو وزير الخارجية، والمهندس أسامة كمال وزير البترول، وأشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى، بالإضافة إلى وفد يضم حوالى 20 رجل أعمال، وعددا من الإعلاميين والكتاب.
ولأن الوضع بعد 25 يناير وفى ظل وجود رئيس منتخب ونظام سياسى جديد، كان من المفترض أن يختلف عما كان يحدث فى عهد مبارك، ولأن الحكومة لم تفعل ذلك بنفسها عن طريق إصدار بيانات واضحة وصريحة ومفصلة بعيدا عن عبارات التعميم والتصريحات الوردية، فاسمح لى أن أفعل ذلك نيابة، وأن أستغل مشاركتى فى تلك الزيارة الرسمية التى استمرت حوالى 36 ساعة، لكى أنقل لك الجانب الآخر مما حدث على أرض الواقع فى نقاط سريعة:
- شهادة الحق تدفعنى للقول بأن الدكتور هشام قنديل يبذل جهدا خرافيا، ولا يعرف طعم الراحة، خلال 36 ساعة هى مدة الزيارة الرسمية للجزائر، عمل الرجل 36 ساعة بدون توقف، ودون أن يبدو على وجهه ملامح تعب أو ملل أو إرهاق، ومنذ اللحظة التى تحركت فيها الطائرة وقرر أن يترك مقعده ويتحرك بين المقاعد ليفتح باب النقاش مع الإعلاميين تارة، ومع رجال الأعمال تارة أخرى، كان واضحا على ملامح الرجل إخلاصه ورغبته فى الإنجاز، والتى تمثلت فى كمية اللقاءات والمؤتمرات التى حضرها الرجل منذ ساعات صباح الاثنين مع المسؤولين الجزائريين دون فواصل للراحة أو التقاط الأنفاس.
الشهادة بالجهد المبذول من الدكتور هشام قنديل لا يمكن أبدا أن تبرر استخدام نفس الطريقة القديمة فى التخطيط لزيارات المسؤولين المصريين الخارجية، لأن عدم وجود جدول واضح أو أهداف معلنة للزيارة حتى للوفد المرافق لرئيس الوزراء فتح الباب للعديد من التكهنات الخاصة بالهدف الرئيسى لها، ما بين كونها زيارة لاقتراض 2 مليار دولار كوديعة، وهو الأمر الذى رد عليه الدكتور قنديل بإجابة عائمة حينما سألناه على متن الطائرة متعجبا من إصرار الإعلام على ترويج الأمر وكأنه تسول، ثم تطرق إلى أن وسائل الإعلام وبعض رموز المعارضة يتركون كل شىء ويركزون على أشياء غريبة، مثلما حدث وركز الإعلام تصريحه الخاص بالحياة فى «شقة أوضتين وصالة مع خمس بنات»، ثم عاد ونفى فكرة الاقتراض من الجزائر خلال مؤتمر صحفى عقده مع وسائل الإعلام الجزائرية، وقال إن الهدف الرئيسى من الرحلة هو عودة العلاقات إلى طبيعتها الأولى بين الدولتين الشقيقتين، وإجراء العديد من الاتفاقيات بخصوص حاجة مصر إلى الغاز الطبيعى، ورفع مستوى التعاون التجارى والاستثمارى.
- كان غريبا أن يعلن رئيس الوزراء أن هدفه من هذه الزيارة هو إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل المباراة الشهيرة فى أم درمان، وهو الأمر الذى أثار استغراب عدد كبير من الصحفيين الجزائريين الذين أكدوا أن الجزائر تجاوزت هذه الأزمة، وكان أولى برئيس الوزراء المصرى ألا يعود إليها مرة أخرى، خاصة أن رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف قام بهذه المبادرة من قبل، وقدم اعتذارا واضحا وصريحا، وبالتالى أصبحت العودة إلى نفس النقطة مجرد تضييع واضح للوقت، ولجوء إلى خطاب عاطفى كرره الدكتور قنديل مع كل لقاء، ومع كل تصريح للصحف ووسائل الإعلام حول علاقات الود ومساعدة مصر للجزائر بشكل بدا مع كثرة تكراره أن رئيس الحكومة المصرية يستعطف ويطلب ود دولة الجزائر التى تملك احتياطيا نقديا وصل إلى ما هو أكثر من 188.8 مليار دولار مع توقعات بوصولها إلى 210.8 مليار دولار العام المقبل.
مكانة مصر وحجمها كانت تستدعى أن يكون خطاب رئيس الحكومة سياسيا واقتصاديا، ومدعما بالأرقام قبل أن يكون عاطفيا وتاريخيا، حتى لا يؤكد على ما تم تداوله بخصوص كونها زيارة للاقتراض وطلب المساعدة.
- لم يكن مفهوما – بالنسبة لى على الأقل - لماذا يصطحب رئيس الوزراء فى زيارة رسمية اقتصادية شاعرا وعوادا.. الشاعر هو الكبير إبراهيم أبو سنة الذى وقف أمام عبدالمالك سلال، الوزير الأول للجزائر، ليلقى قصيدة عن نضال الشعب الجزائرى أثناء الثورة، ثم أتبعه عازف عود مصرى قدم أغنية للفنان محمد عبدالوهاب، ثم تطرف وغير فى كلمات أغنية سيد مكاوى «الغالى علينا غالى» وقدمها على طريقة مطربى الأفراح الباحثين عن «نقطة» أو لإرضاء الشخصيات المهمة حينما تلاعب فى «الكوبليه» الأخير للأغنية قائلا: «الغالى علينا غالى.. سلال علينا غالى وقنديل مايتنسى»، ثم أصبح الأمر أكثر ابتذالا حينما أعاد تكرار نفس الأغنية أثناء العشاء مع رئيس مجلس الأمة، قائلا: «بوتفليقة علينا غالى.. ومرسى مايتنسى»، بالإضافة إلى حشر اسم الجزائر فى الأغنية بشكل أكمل منظومة التعاطف والاستجداء بطريقة بلدى جدا، خاصة فى ظل اكتفاء الجزائريين بتقديم مقطوعات موسيقية أندلسية.
- على الطائرة الرئاسية كانت تركيبة رجال الأعمال مفهومة وواضحة بخصوص ضمها العديد من المهتمين بالاستثمار فى الجزائر، أو هؤلاء الذين يمتلكون مشاريع معطلة هناك بالفعل، وكانت حالة التودد التى يبديها البعض لرئيس الوزراء واضحة وأحيانا «فجة»، غير أن الحوار الأشهر على الطائرة دار بين الدكتور قنديل ورجل الأعمال أحمد هيكل الذى ناقش مع رئيس الوزراء أزمة الطاقة، وأسعار المازوت وتوليد الطاقة، وأزمة مصانع الأسمنت فى الجزائر، وكانت أزمة الكهرباء حاضرة بقوة، ودار حولها العديد من الاقتراحات من رجال الأعمال بخصوص دخول القطاع الخاص كشريك فى إنتاج وتوليد الكهرباء، وتحفظ الدكتور قنديل على ذلك بسبب المخاطر التى ستقع على الحكومة، أو بخصوص الدعوة إلى خصخصة محطات توزيع الكهرباء، وهو ما رد عليه الدكتور قنديل بأن الأمور تحتاج إلى دراسة، مؤكدا أن حكومته لن تكون أبدا ضد القطاع الخاص. وبعيدا عن الحوارات كان طبيعيا جدا أن تلمح تمثيلا غير قليل لرجال الأعمال الإخوان، بعضهم يعمل فى قطاع النسيج وآخرون فى المدابغ والاستشارات على متن طائرة رئيس الوزراء، والذين خصصوا أغلب وقتهم للتأكيد على أن الخير قادم، وعلى أن الوضع الاقتصادى أفضل، وأن ما حدث خلال الأشهر الثلاثة الماضية أعظم بكثير مما حدث طوال السنوات الطويلة الماضية.
- أغرب مافى الزيارة يتعلق بلقاء صباح الثلاثاء الذى تم فى مقر إقامة السفير المصرى فى الجزائر، والذى كان مقررا أن يكون مع أعضاء الجالية المصرية فى الجزائر، ولكننا فوجئنا بأن الحضور هم فقط مجموعة من رجال الأعمال، الحوار الذى دار فى مقر إقامة السفير بين رجال الأعمال المستثمرين فى الجزائر ورئيس الوزراء أقل ما يوصف به أنه عبثى لأن الجزء الأكبر منه ضاع فى الحديث عن تصورات هؤلاء للوضع المصرى الداخلى لدرجة أن أحدهم تحدث أكثر من ربع ساعة عن فساد محليات مدينة نصر، دون أن يدور أى حديث جدى عن مشاكل المستثمرين المصريين مع الحكومة الجزائرية إلا فى كلمة مدير شركة السويدى للكابلات الذى قال رئيس الوزراء إنهم شهدوا زيارات كثيرة قبل الثورة وبعدها دون أن تقدم هذه الزيارات أى جديد، وطلب من الدكتور قنديل أن يخبره بشكل واضح بما يمكن أن تقدمه الحكومة المصرية كدعم لرجال الأعمال المصريين فى الجزائر من أجل حل مشاكلهم وزيادة مساحة تعاون دولة الجزائر معهم، ورئيس الوزراء المصرى تهرب من طرح إجابة واضحة مكتفيا بالحديث على أن هذه الزيارات هدفها الاتفاق على إجراءات محددة لتسهيل الأمور، وانتهى اللقاء بمحاضرة للدكتور قنديل عن فوائد وجود استثمارات مصرية فى الجزائر تضمنت كل ما هو عام ومطاط من الكلام دون خطط واضحة.
- لقاء الدكتور قنديل بوسائل الإعلام الجزائرية الذى استمر قرابة 25 دقيقة كان مثيرا وساخنا تلقى خلاله عددا من الأسئلة حول حقيقة الاقتراض من الجزائر، وأمام سؤالين أتوقف.. أولهما خاص بتسوية الملفات القديمة خاصة المتعلقة بشركة جيزى التى يملكها ساويرس وكان الصحفى الجزائرى واضحا حينما سأل قنديل كيف تطمع فى تطوير العلاقات التجارية وزيادة الاستثمار دون حل بعض الملفات العالقة مثل أزمة جيزى، وبدلا من أن يتحدث رئيس الوزراء عن أى تدخل أو تفاوض لحماية مستثمر مصرى وحل أزمة عالقة قال إن الأمر بيد القضاء والتحكيم الدولى، السؤال الثانى كان من صحفى بجريدة الشروق حول تبرير رئيس الوزراء المصرى لخطاب الدكتور مرسى لبيريز والذى بدا صادما لجموع والعرب وهو السؤال الذى تجاهل رئيس الوزراء المصرى الإجابة عليه وأنهى المؤتمر الصحفى ورحل سريعا.
- كل الجهد المبذول من الدكتور قنديل لم يمنعه من أن يحرك موكبه قبل صلاة فجر الثلاثاء بنصف ساعة للبحث عن مسجد لأداء صلاة الفجر حاضرا، ولم يمنعه من أن يتحرك عائدا للقاهرة فجرا بدلا من موعد العودة المحدد فى الثامنة صباحا من أجل زيارة أمير قطر للقاهرة وبعض الاجتماعات الوزارية دون فواصل راحة.
36 ساعة مع رئيس الوزراء فى الجزائر قنديل اعتمد على الخطاب العاطفى واصطحب شاعرا..وعازف عود تلاعب فى كلمات أغنية «الغالى علينا غالى» وحولها إلى أغنية أفراح قائلاً: «بوتفليقة علينا غالى ومرسى مايتنسى»
الخميس، 25 أكتوبر 2012 09:21 ص
هشام قنديل
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
فضل محمد
يعنى انتا رايح علشان تجيب وتركز الميكروسكوب على السلبيات
شكرا جدا لليوم السابع
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
اقالة هشام قنديل مطلب شعبى فهو فاشل فى كل الملفات فى عهدة تخرب البلد اكثر بكل سبيل وكل طري
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
اللهم انى صايم
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدابراهيم ابوشنب
سذاجه وافكار ضحله ونفاق لالزوم له
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مفروس
لك الله يا مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابوشادوف الاصلي
الفجر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابن الشهيد الجزائري
يامصريين
عدد الردود 0
بواسطة:
Mohamed
حتاخد ايه من مهندس و سياسي كمان
حتاخد ايه من مهندس و سياسي كمان
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد دوي
اللهم وفقه
عدد الردود 0
بواسطة:
انتبه من فضلك مصر ترجع الي الخلف
الي اي عصر سنرجع