محمد جاد الله يكتب: أول حوار مع الرئيس

الإثنين، 22 أكتوبر 2012 10:19 م
محمد جاد الله يكتب: أول حوار مع الرئيس صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء حين امتدت يده من تحت الأغطية الثقيلة لتعتصر المنبه كى يتوقف عن الرنين فى ميعاد استيقاظه اليومى.

بقى لدقائق محدقاً فى السقف المرتفع لغرفته الواسعة ذات الأثاث الكلاسيكى فى منزله المطل على نيل الزمالك، حيث ولد ويعيش فيه مع زوجته وطفليه.

تملل فى فراشه ثم جرى أمام عينيه وقائع الروتين اليومى الذى لم يتغير منذ أن أنهى دراسته فى الخارج وعاد إلى مصر قبل سنوات.

سيذهب إلى النافذة كى يستنشق بعض الهواء النقى ويستمتع بأضواء القاهرة الساحرة على الضفة المقابلة للنيل، فتزكم أنفه رائحة الدخان والعوادم، وتجرح أذنيه أصوات آلات التنبيه المرتفعة.

ستعد له زوجته كوب القهوة الأمريكية ويجلس وحيداً فى مكتبه يستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية وهو يطالع الجرائد اليومية لمدة ربع ساعة ثم يبدأ ولمدة ساعة ونصف فى تنقيح النسخة الأخيرة من رسالته الثانية للدكتوراه التى أعدها عن استقلالية الإعلام فى دول العالم الثالث ولم يناقشها بعد.

بعدها يرتدى ملابسه ويذهب إلى مبنى للتليفزيون، وذلك لكونه مذيع نشرات الأخبار الأشهر فى مصر، والمنتدب حديثاً فى الرئاسة لمحاورة الرئيس فى لقاء شهرى.

مر السيناريو للحظات أمام عينيه قبل أن يتذكر أنه قد عقد العزم على أمر حاسم اختمر فى رأسه فى الأيام السابقة، فقد كان هذا اليوم هو يوم أول حوار له مع الرئيس.

- القهوة..
قالتها زوجته ببرود وهى تناوله الكوب، فأمسك بيدها قائلاً بحب:
أعلم أنك غير راضية عنى لكن..

قاطعته قائلة: كونك تتبع طموحك لا يعنى بحال أن تسكت عن الحق، فكيف لأستاذ فى علمك ومواقفك وشهرتك أن يرضى بكونه مذيعاً للنشرات ومنتدباً فى الرئاسة لإجراء حوارات سابقة التجهيز مع الرئيس، أعلم أن العرض المقدم لك كان خيالياً، لكنى أعلم أيضاً أننا انتخبناه فقط نكاية فى حكم العسكر - ألم تسأل نفسك لماذا أنت الذى اختصوه بهذا العرض؟

أتتجاهل مسؤولية أن معظم المصريين من البسطاء لا يشاهدون إلا ما تقدمه قنواتكم الحكومية؟

أطرق برأسه صامتاً، فبادرته قائلة بشفقة:
أراك تتألم فى صمت، وقد زحفت التجاعيد على وجهك خلال شهور قليلة..
لقد أحببتك لأنك كنت حراً فى زمن قهر، والآن أرى لمعان الحرية قد بدأ فى الخفوت تحت وطأة الطموح..
..
دار الحوار مع زوجته فى رأسه، وهو فى طريقه إلى الرئاسة، فتحسس جيبه الذى يحمل مجموعة الأسئلة التى أعدت له مسبقاً، وتأملها بسأم، ثم حسم أمره..

أخرج قلمه وكتب على ظهر الورقة مجموعة أخرى من الأسئلة التى يحتاج هو شخصياً إجابة عنها:
سيادة الرئيس:
- متى تصدر إدارتك تقارير وافية عن إنجازات مساعديك ومستشاريك فى الفترة السابقة؟
- هل تسلم المساعدين مكاتبهم فى الاتحادية وبدأ عملهم؟ ولماذا لا نسمع منهم شيئاً عن إنجازاتهم؟
- ما آليات التواصل المباشر بينك وبينهم بصفتك رئيس دولة، كى تضعهم فى مسؤوليتهم التاريخية؟
- نريد أن نعرف تحديداً ما الذى بذله مساعدك لشؤون "التواصل المجتمعى"، الذى يتحمل مسؤولية عشرة ملفات ساخنة، لم يتم تحقيق تقدم بشأنهم على أى مستوى؟
- لماذا تثبت إدارتك فى معالجة الأزمات المتتابعة أنها إدارة أقل ما توصف به أنها تقليدية، ولا تمارس نوع من أنواع الإبداع فى إرضاء الرأى العام بموضوعية؟
- لماذا ترسلون رجال أمن وقانون وبيروقراطيين للتعامل مع الإضرابات والاعتصامات، ولا تأخذوا بأسباب العلم فى تكوين فرق إدارة الأزمات وشبكات الإنذار المجتمعى المبكر؟
- لماذا تفتقد إدارتك القدرة على المصارحة والشفافية اللائقة فى الإعلام مع الشعب مستخدمة نفس حجج النظام السابق: "أنتم لا تعلمون حجم وطبيعة المؤامرات المحاكة.. أنتم تستهلكون.. أنتم تحتجون.. أنتم.. أنتم.."، فماذا عن مسؤولية إدارتك؟
- هل هناك خطوة عملية واحدة قامت بها الإدارة لتفعيل المصالحة المجتمعية والسياسية والتعلم من فشل التجارب السابقة؟
..
وجد نفسه فى الاستوديو الرئاسى المعد للحوار قبل أن ينتهى من كتابة باقى أسئلته الهامة، فيما يتعلق بالمحليات والقضاء والسياسات الاقتصادية، فدس الورقة فى جيبه وهو يجلس.

وما أن دخل عليهم الرئيس حتى نظر إليه محيياً، وتبادل معه بعض الكلمات الودية.
ثم أشار المخرج له بالاستعداد لقرب موعد بدء الإرسال الحى..
..
جال بعينيه فى المكان، فرأى طيف زوجته يقف خلف الكاميرا المواجهة له وطفليه بجانبها..
نظر إلى الرئيس، فغامت عينيه وهو يرى أطياف شهداء الثورة والمحتجين أمام القصر تحيط بالرئيس متجهمة..
التفت إلى يساره، فرأى مشاهد لفقراء المصريين فى القرى والنجوع ساهمين وكأن على رؤسهم الطير أمام شاشات التلفاز.
فهرب بعينيه إلى وجه طفليه فوجدهما ينظران إليه بقلق وتجهم غير معتاد.
..
أخرج الورقة من جيبه وهو يقلبها على الوجهين بين يديه فى وجل، محاولاً حسم أمره، إلى أن جاءه صوت المخرج قائلاً:
بسم الله الرحمن الرحيم..
اتفضل يا دكتور..





مشاركة




التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

سؤال

مش هتبطلوا رخامة بقى .

عدد الردود 0

بواسطة:

نور الكويت

كلام خيالى

كل شىء اتضح وبان بطلو خيال

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل ابو الوفا

اتجاه رائع في المعالجة والتعبير

عدد الردود 0

بواسطة:

طارق فتحى

الى التعليقات 1 و 2

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة