أحمد عبد العليم قاسم يكتب: دستور لكل مواطن

السبت، 20 أكتوبر 2012 09:37 ص
أحمد عبد العليم قاسم يكتب: دستور لكل مواطن صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
* عندما يستعد الركاب لاستقلال الطائرة المتجهة بهم إلى المكان الذى اتفقوا جميعا على الذهاب إليه علينا أن نكون متأكدين أنهم وضعوا دستورا لهذه الرحلة دون أن يتلفظوا به صراحة، فبمجرد انطلاق الطائرة تكون قد اكتملت أركان عملية الاتفاق والتى بدأت بتحديدهم لنفس المكان ثم الحصول على تأشيرة الدخول ثم شراء تذكرة السفر بسعر موحد واستثناءات لفئات معينة وافق عليها الباقون ضمنا، ثم حضروا قبيل الرحلة بحد أدنى ساعتين، وقاموا بنفس الإجراءات إلى أن هبطت بهم الطائرة فى المكان المقصود وحينها يكون كل منهم قد حقق الهدف المرجو لينطلق كل فرد إلى هدفه الشخصى، فيما بعد.

* ما نعيشه هذه الأيام حقا هو استعداد لرحلة يراها البعض رحلة إلى عالم أكثر تطورا ويراها البعض رحلة إلى الله لكن المؤكد أن الرحلة لا يتعارض فيها الهدفان لو أمعنا التفكير فى فلسفة أوامر الخالق عز وجل فهى رحلة بدولة توقفت كثيرا بل عادت إلى الوراء فى حين تقدم المتأخرون عنها ومن هنا فأهم قواعد تحقيق الرحلة لهدفها بالوصول إلى المكان المنشود هو الاتفاق على نفس المكان وقواعد الوصول إليه.

* وربما يكون وضع دستور هذه المرحلة هو أهم مقومات النجاح يراه البعض سببا فى تأخر دوران عجلة الإنتاج ويراه البعض الآخر محددا رئيسيا لحركة العجلة أو توقفها من هنا فإن التمعن فى صياغة دستور يرى فيه كل مواطن نفسه أمر ليس هينا ويستحق إعطاءه الوقت والجهد ليكون بحق دستور لكل مواطن علما بأن المواطن هو تعريف شامل يضم المسلم والمسيحى واليهودى والبهائى بل والملحد أيضا، فالله سبحانه وتعالى ذكرها دون مواربة (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وطالما كان تنوع العقيدة أساسا للمواطنة فان الاختلاف فى أمور أخرى يجب ألا ينال من المواطنة شيئا.

* ورغم ما سببته تلك الحالة من الجدل المنظم فى الجمعية الـتأسيسية والمجتمع فى وسائل الإعلام والمحافل الثقافية بل وفى المقاهى والشوارع، إلا أن كل هذا فى النهاية هام جدا قبيل انطلاق الرحلة فالديمقراطية تظل سيد الموقف قبل انطلاق الرحلة فما إن انطلقت إلا وأصبح الدستور هو ديكتاتور الموقف وصاحب كلمة الفصل الأولى والأخيرة.

* وكما تقول العبارة الشهيرة، إن اختلافنا صحى لكن خلافنا هو المشكلة فإن رغبة كل منا فى الاختلاف دون خلاف هو علاج لتلك الحالة الراهنه فكما أن الحياة ليس بها شىء مطلق لا يختلف عليه اثنان سوى الموت فإن الدستور لا يمكن أن يأتى مرضيا لكل إنسان بنسبة 100%، فالكمال لله وحده وهكذا فإن رضا كل مواطن عن الدستور، يجب أن يحمل شق رضائه عن الحد الأدنى من قناعاته فى وجود مساحة جيدة لقناعات الآخرين التى يجب بالضرورة أن تختلف عن قناعات الشخص نفسه.

* وهكذا تتلخص حدوته الدستور الذى ظهرت مسودته للنقاش المجتمعى أننا يجب أن نراعى ضمائرنا فى قراءته بتأن يسمح بحكم موضوعى وليس انطباعيا متأثرا بتحليلات الآخرين فقط ومن جهة أخرى تكون لدينا قناعة بضرورة أن تكون فى التنازل من أجل التكاتف فكرة الإنقاذ من الجدل الذى لن ينتهى طالما أصر كل منا على موقفه دون احترام لاختلافه مع الآخر.

ورغم أن الجمعية التأسيسية جمعت بين النقيضين وهى شرعيتها المستمدة من وصولها للتركيبة الأخيرة بعد عدة مراحل وفى ذات الوقت غياب عشرات الأسماء التى كان يجب ألا تغيب عنها، إلا أن الأمر الآن تخطى مسألة الأسماء وبقى له ثلاثة أبعاد فقط:
الأول: هو أن يتم تعديل المسودة بدقة وموضوعية وفقا لما يرد من ملاحظات مجتمعية لخبراء القانون الدستورى والهيئات المذكورة فى الدستور.

الثانى: ضرورة أن يكون الدستور قليل الكلام سهل الفهم على الشعب حتى لا تصعب مسألة فهمه فيضطر البسطاء إلى عدم إنهاك عقولهم وتسليمها لآخرين ليحددوا لهم الخيار، ونقع فى نفس معضلة استفتاء مارس 2011.

الثالث: ضرورة أن يتم الاستفتاء على الدستور مجزأ وليس بالجملة، ويتم وضع نصاب معين لإقرار المادة أو حتى (باب باب) مهما تكلف هذا الأمر من جهد فلا يمكن أن يكون الفيصل فى أمر مصيرى مثل هذا فقط بنعم أو لا.

والحقيقة أن هناك دستورا آخر بعيدا عن أبو القوانين وهو دستور لا يفكر فيه المسئولون وبخاصة مسئولو الحكومة وهو معيار العمل ففى الوقت الذى لا ينتهى فيه إضراب لفئة ما إلا ويظهر إضراب فى مكان آخر لفئة أخرى نجد أن السبب الرئيسى هو المطالبات التى لا تحددها معايير أو أسس رغم أنها حقوق لا يختلف عليها لكنها غير دقيقة وتحتاج إلى دستور هى الأخرى.

والدستور هنا هو المعايير التى تحكم المنتج الذى يحققه العامل فى أى مجال، ويكون معيارا لمستحقاته وهو أيضا المعيار الغائب الذى يجب أن يعود ليضع كل عامل فى مكانه المناسب وفقا (لدراسته وإنجازاته وقدراته وغيرها من محددات تفضيل كل شخص عن آخر، بدءا من معايير اختيار أصغر عامل وحتى معايير تصعيد أكبر درجة وظيفية.

وأخيرا وليس آخر.. عندما تكون المعايير هى الحاكم وتغيب شخصنه الأمور فإن الشفافية حينها تكون حقيقية ويأخذ كل ذى حق حقه فهل يمكن أن ينعم المصرى فى بلده بمعايير واضحة يدركها طوال حياته مهما تغير الأشخاص هل هو حلم أم أنه من الممكن أن يتبناه بعض الكبار فيتحقق ذلك الحلم؟ الإجابة ترونها فى الشهور القادمة وساعتها سيشعر كل مواطن أن له دستوره الشخصى الذى هو فى نفس الوقت دستور لكل المواطنين.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة