د.عمرو محمد صلاح الدين يكتب: طبيب حائر

الثلاثاء، 02 أكتوبر 2012 04:37 م
د.عمرو محمد صلاح الدين يكتب: طبيب حائر صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذه الكلمات ، وبعد أن حذرنى زملائى بأننى سأدخل غمار تحد وإستعداء سأكون أنا - لامحالة - ضحيته والمتضرر الوحيد ، إلا أننى قد تملكتنى فى النهاية روح الفارس النبيل دون كيخوت بطل الرواية العالمية الشهيرة بنفس الاسم للأديب الأسبانى ميغيل دى ثورانتس ، ذلك الفارس النحيل ضعيف البنية الذى تملكه حب الفروسية، والرغبة فى محاربة الظلم ونصرة الضعفاء، وهو على فرسه النحيل، ومعه عدته الحربية الصدئة ، وانطلق مع مساعده الأمين ليحارب طواحين الهواء وجيش الأغنام ، فأنا - عزيزى القارىء لكلماتى - طبيب يعمل بوزارة الصحة ، أكمل عقده الثالث ، متزوج من طبيبة تحمل نفس الهموم ولى إبنة لم تتجاوز التسعة أشهر ، ومازلت أعانى من ضغوط الحياة وصعوبتها ، وكأننى لم يكفنى ماأعانيه أنا وأقرانى الأطباء الشباب من ضنك الحياة وقسوتها ، من عدم تقدير مادى ومعنوى ، بعد سنوات قاسية قضيناها فى سلم التعليم ، لنجد أنفسنا فى قاع الإهتمام من جانب الحكومات المتعاقبة ، وكان قدرنا المحتوم هو العمل بمستشفيات وزارة الصحة بلا إمكانيات وبلا أمن وبدون الشعور بالتقدير ، بل أجد نفسى محظوظا عن زملائى بأن وهبنى الله والدين عزيزين - والحمدلله - مقتدرين ساعدانى - بارك الله بهما - قبل زواجى وفيه وبعده ، مما جعلنى حتى الآن وأنا الطبيب الذى تجاوز الثلاثين متدثرا بكرمهما وعطفهما .

ثم حملنى قدرى كقدر كثير من الأطباء إلى التسجيل فى الدراسات العليا، وذلك بالأساس كروتين فرضته علينا الشروط الوزارية من أجل التخصص، ومن ثم الترقية للدرجة الأعلى فى السلم الوظيفى ، وكأنه لم يكفنى مافات من عمرى فى الدراسة ، لأصبح تحت رحمة طواحين الهواء من أساتذة كلية الطب ، تذبحنى نظرات زملائى ممن يصغروننى سنا وسبقونى فى الترقية بعد أن اختاروا الحصول على شهادة الدبلوم التخصصى المختصرة من إحدى الكليات والتى لا يستغرق الحصول عليها فى بعض الأحيان السنة فقط ، وأنا العالق منذ خمس سنوات ونصف فى دراستى التكميلية للحصول على الماجستير ، إجتزت منها أربع سنوات فى إجتياز إمتحانات الجزء الأول وأداء رسالة الماجستير بكل ماتحمله من مشقة ، وأنا الآن عالق منذ مايزيد على السنة ونصف فى امتحانات الجزء الثانى بعد تقدمى لدخولها لثلاث دورات متتالية. وفشلى - أو إفشالى - فى اجتيازها.

وخلال تلك الفترة الطويلة ، استطعت التعرف من خلال الكواليس على مايدور داخل أروقة الدراسات العليا بكلية الطب البشرى ، فمنها على سبيل المثال تلك المعاملة التفضيلية للمنتمين للكلية من أبنائها العاملين بالمستشفى الجامعى من مصاريف رمزية وتسهيلات فى التسجيل وتسهيلات فى الإمتحانات ، حيث تفاجأ بأنك وأنت الأكثر خبرة وفى كثير من الأحيان الأوفر علما قد يتخطاك منتسب الكلية الحديث التخرج ، لتجد من كان فى سنواته الأولى فى الكلية يستشيرك كيف يدبر خطواته الأولى فيها ؟ وأنت على وشك التخرج ، قد تخطاك فى درجته العلمية ليواصل مسلسل حياته ، أما من من الله عليهم من أقرانك فى الكلية فهم الآن من حملة الدكتوراة ، وأنت وكأنك من جنس غير آدمى ، تعامل معاملة دونية ، تدفع أضعاف أضعاف ما يدفعون ، بل ولسنوات ثم لسنوات ، لتفاجأ بأنك قد دفعت ثروة صغيرة إستقطعتها من حاجاتك الأساسية، ومن دمك وعرقك ، ليتوقف مستقبلك رهن هوى ورضا الأساتذة الكبار - قبل علمك وعملك - فاحذر من غضبتهم عليك ، لنصبح نحن ضحية ظروف قهرية جعلتنا تحت رحمة من لايرحم ، ولايجوز لك التذمر أو الشكوى ، فرقبتك تحت أياديهم ، فهم ليس عليهم سلطان؛ أو رقيب تستطيع اللجوء إليه عند شعورك بظلم أو غبن كما وقع على وعلى زملاء عديدين لي
ألم أقل لكم أنى ذلك الفارس النبيل ؛ أو أقل الأحمق الذى قرر محاربة طواحين الهواء معرضا نفسه للأذى ، فأنا أحمل مستقبلى كله مقابل نشر هذه الكلمات ليقرأها الجميع ، ولأفتح بابا يخشى الكثيرين من أقرانى فتحه إلا أننى أثق فى أن زمن الصمت قد ولى ، وعهد الخوف قد انتهى أرجو ألا أكون مخطئا. اللهم أنت حسبى ونعم الوكيل.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة