أحاول فى هذا المقال المختصر أن أحدد مفاهيم ثلاثة مصطلحات هامة بدأت تجرى على ألسنة المصريين منذ ثورة يناير المجيدة، التى فجرها شباب رائع، ولحقت بها بعض الأحزاب السياسية والجماعات الدينية ثم باركها معظم الشعب المصرى. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا من ينكر وجود الشمس وهى طالعة فى عرض السماء.
وقد كنت طوال عهد مبارك، وحتى فى عهدى: السادات وعبد الناصر أنشر كتبا وقصائد ومقالات صحفية تدور حول كل من الإصلاح والتقدم: والإصلاح يعنى مواجهة الفساد مع محاولة إيقاف مصادره من خلال التنبيه على المخاطر التى تترتب عليه، وتنتج منه. أما التقدم فهو البحث عن العوامل التى يمكنها أن تدفع مصر للأمام فى كل المجالات، وأن تحقق لها طفرة كبرى تلحقها بركب الدول المتقدمة، التى تستحق مصر بكل إمكانياتها الظاهرة والمطمورة أن تكون عضوا فاعلا فيه. ثم ها هى النهضة التى يرفع شعارها الآن حزب الحرية والعدالة ويبشر بها رئيس الجمهورية الحالى. ومعنى النهضة البسيط جدا: إقامة مصر من كبوتها الحالية، والتى استمرت تحت حكم العسكر ستين سنة كاملة، لم يكن للديمقراطية فيها صوت، ولا للمعارضة فيها نصيب.
وإذا شئنا ترتيب هذه المصطلحات الثلاثة كان الأجدر أن تكون على النحو التالى: الإصلاح فالنهضة فالتقدم.. فإذا شبهنا الأمر بسيارة عطلانة كان من اللازم أولا استبدال القطع الفاسدة فيها، وإزالة الصدأ منها، وتعديل المعوج فيها، ثم تأتى المرحلة الثانية التى تتطلب نفخ عجلاتها، وإعادة أضوائها، وتزييت محركها، وتنظيف مقاعدها.. أما المرحلة الثالثة التى تتمثل فى التقدم فإنها تعنى هنا إطلاق طاقة السيارة لكى تصل سرعتها إلى أقصى درجة ممكنة، وهكذا فإن مشروع النهضة الذى يتبناه نظام الحكم الحالى يهدف إلى الأخذ بيد مصر لكى تقوم فقط من رقدتها، وتقف فحسب على قدميها – وهذا هو ما يمثل المرحلة الثانية بعد الإصلاح. أما أن تنطلق مصر بسرعة إلى الأمام فهذا هو التقدم الذى يمثل المرحلة الثالثة التى لا تشغل بال أحد فى المرحلة الراهنة..
وهنا علينا أن نسأل: هل انتهينا بالفعل من مرحلة الإصلاح لكى نبدأ مرحلة النهضة ؟ كلا بالطبع. فمازال الفساد ضاربا بجذوره فى مختلف مؤسسات الدولة، ومجالات النشاط بها وهو كامن وأحيانا ظاهر للعيان فى الكثير من الأفراد، والعديد من القوانين واللوائح التى يستغلها الفاسدون. ومثال على ذلك أن (معظم) إن لم يكن (كل) أصحاب امتيازات مستودعات أنابيب الغاز، وأصحاب محطات البنزين والسولار، وأصحاب المخابز يعدون من أنصار الحزب الوطنى المنحل، ولم يكن يسمح لغيرهم أن يحصل على هذا الامتياز إلا بولائه الكامل له، وانخراطه فيه، وتبرعه له.. وذلك فى مقابل أن يفعل بالمواطنين ما يشاء ! فإذا أضفنا لهؤلاء أصحاب المحاجر والمناجم الذين يتحكمون فى ثورة مصر الطبيعية والمعدنية وجدناهم يمثلون شركات محلية وأجنبية، كان من اللازم أن تدفع إتاواتها للمسئولين الفاسدين الذين كانوا يحصلون على الرشوة فى مقابل إهدار ثروة غالية لمصر.. أما الأهم من ذلك كله فهم الموظفون الكبار الذين أسميهم القطط السمان الذين تضخمت ثرواتهم الشخصية من خلال الحصول على مكاسب هائلة من وظائفهم، وفى مقدمتهم رؤساء مجالس إدارة الصحف القومية، الذين أخرجوها عن وظيفتها الأصلية وراحوا يتكسبون باسمها من الحصول على توكيلات سيارات.. حتى وصل بهم الحال إلى إنشاء جامعات خاصة، حين وجدوا أنها تدر أرباحا فاحشة.. وأخيرا لن يتحقق الإصلاح إلا بتحديد الحد الأدنى للأجور بألف ومائتى جنيه والأعلى بعشرة أضعاف هذا المبلغ فقط.. وهذا ما تفرضه الحالة الاقتصادية المزرية لمصر فى الوقت الحاضر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي علي السعدي
استاذ دكتور حامد طاهر
عدد الردود 0
بواسطة:
علي
بارك الله فيك يا أستاذنا