تعد جولة إقالة النائب العام الجولة الثانية أو الورطة الثانية التى تحدث لمؤسسة الرئاسة منذ تولى الرئيس مرسى مقاليد الحكم فى البلاد بعد عدة قرارات كان منها الصائب ومنها ما احتاج مراجعة أو إعادة وإن كان أهمها على الإطلاق والذى يمكن أن يشفع لمؤسسة الرئاسة حتى الآن هو تخليص مصر من الحكم العسكرى وتحويلها إلى دولة مدنية بعد حكم العسكر الذى دام لأكثر من ستين عاماً، حيث حالف التوفيق كل جوانبه خاصة العامل الزمنى والذى لم يتوقعه أحد من الساسة أو المحللين وإن ساعده فى ذلك المؤسسة العسكرية نفسها حتى لا نغفل حقها أو دورها فى تلك النقلة التاريخية.
كانت الورطة الأولى عندما اتخذ الرئيس قراراً بعودة مجلس الشعب المنحل بعد قرار الدستورية العليا والذى اُعتبر تغولاً على السلطة القضائية وخلطاً للسلطات، وهو ما دفعها الى التأكيد على قرارها بقرار بعد القرار الرئاسى فدخلنا فى ورطة سياسية كانت ستتسبب فى أزمة قد تدخل البلاد فى نفق مظلم فخرج منه الرئيس بذكاء بتجميده للقرار وعدم الإصرار عليه وهو ما يحسب له.
أما الورطة الثانية وهو ماحدث بالأمس القريب من محاولة تحريك أو إزاحة فى صورة إقالة دبلوماسية للنائب العام المُحاط بحصانة وأهمية كبيرة لدى القانون والقضاء وغير المرغوب فيه ثورياً حيث تسببت إحالاته لقضايا قتل الثوار غير كاملة الأركان إلى مهرجان البراءات الذى لم تشهد مصر مثيله طوال تاريخها وهو ما اعتبره الكثيرون تقصيراً منه فى أدائه لمهمته وأن السبب الحقيقى فى رفع القضايا ليس إنصافاً للثورة والثوار بل لتهدئة الرأى العام وفقط، كما أنه اعتبر جزء أصيل من ماضى أسود للنظام البائد الذى ثارت عليه البلاد والذى قاد الكثير من الشرفاء إلى السجون والمعتقلات فى الوقت الذى كان فيه الفاسدون يملكون ويحكمون ولا يجرؤ أحد على مسائلتهم برغم من انتشار رائحة الفساد بطول مصر وعرضها والذى زكمت منه الأنوف وهو ما اعتبر حماية ومساندة صريحة لهم.
هذه الإزاحة اعتبرتها الهيئة القضائية ليس تحريكاً بل عزلاً صريحاً وهو ما يصطدم مع الأعراف القضائية التى تلزم الدولة بعدم إقالة القاضى أو النائب العام إلا بعد موافقته أو إثبات إدانته من المجلس القضائى الأعلى، خاصة بعد تصريحات برجوع النائب العام عن موافقته الشفهية لمؤسسة الرئاسة وهو ما أكده نائب الرئيس فى إجراءات اتخاذ القرار، فكان الصدام الذى استمر لساعات ظل الجميع فيها فى حالة ترقب وحذر إلى أن انتهى الأمر بحفظ ماء الوجه للجميع بتقديم التماس ببقاء النائب العام وموافقة الرئيس أو عدوله عن قراره.
والواقعتان تؤكدان حقيقة هامة هى أن المطبخ الرئاسى تنقصه بعضاً من الأدوات الضرورية لإتمام العملية السياسية وحكم البلاد دون الوقوع فى محاذير أو مطبات أو دخول البلاد فى أزمات قد تعصف بالمجتمع المهزوز ثقته فى قياداته ومؤسساته وأحوال البلاد التى قد تعصف بها أزمات من هذا الحجم.
وأهم هذه الأدوات هى الخبرة القانونية والحنكة السياسية حيث إن الأولى ليست كافية لإدارة الأمور، فقد يكون القرار صائباً قانونياً ولكن توقيته قد يفقده مصداقيته أو أهميته أو الإجماع عليه كما أن فقدان القرار للاثنين هو الكارثة بعينها، كما أن الحنكة السياسية ستكون حماية وحصناً من الوقوع فى مكر ودهاء وأحياناً كذب القابعين فى دهاليز السياسية.
كما أنها ستحول دون الوقوع فى أخطاءٍ قد يكون سببها الرئيسى حسن النية حيث إن حسن النيات لا تكفى لبناء أو إدارة الأوطان وهو ما ظهر جلياً بأخذ موافقة النائب العام شفهياً دون أن يكون كتابة صريحة وهو ما يعتبر فى عرف القضاء شيئاً معيباً بينما المعيب نفسه هو تعرض أو تعريض المؤسسة الرئاسية للحرج حتى إن كان بغير قصد فما بالك لو كان عن عمد وقصد وإصرار.
كما أن كثرة تصريحات مستشارى الرئيس تسبب فى تضارب الآراء واختلاف التفاسير وصفة المتحدث عن نفسه أم مؤسسة الرئاسة، وإن كنت أحسبه توريطاً واستدراجاً إعلامياً لهم بسبب مداخلات أو لقاءات فضائية هو ما ينصب فى خانة الحنكة السياسية.
ومن الإيجابيات هو ظهور شخصية نائب الرئيس بصورة مقنعة محافظاً على هيبة ومكانة المؤسسة الرئاسية بأدائه الراقى دون انفعال أو تكلف وهو ما يدعو إلى مزيد من الطمأنينة فى الرجل الثانى بالدولة.
أثمن بشدة موقف الرئيس فى عدوله عن قراره وعدم إصراره على رأيه دون خجل أو كبر أو تعنت وهو من شيم الكبار العقلاء كما أكد ذلك فى حرصه على عدم استغلال حق التشريع الذى يملكه لحين انتخاب مجلس الشعب ولكنه صدق ما وعد به من تقبله ورغبته التقويم إن أخطأ وهو ما افتقدناه فى الرؤساء السابقين وخاصة المخلوع الذى اعتبر كل قراراته إلهاماً من السماء وما دون ذلك هو السفه نفسه فكان ما كان.
الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سلامة
صحفى ذكى ومحترم ومهذب
عدد الردود 0
بواسطة:
اخناتون المصرى
نعم لك و لكن عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
رضا
فعلا ليس ضعفا
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الحمد لله مصر بخير