«أتعرض لمحاولات اغتيال معنوى واستهداف لشخصى منذ أكثر من 3 شهور، وأتلقى تهديدات عبر رسائل الموبايل، تحذرنى من تعريض حياتى للخطر بسبب مواقفى السياسية، ولم أبلغ أى جهة رسمية أو غير رسمية، وكنت أنساها مباشرة فأنا لا أريد أن أكثر هموم الناس، وأرى أن هناك أمورا أهم نهتم بها، وأعلم أن الله هو الحارس ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأن الله يدافع عن الذين آمنوا»، بهذه الكلمات بدأت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، حوارها لـ«اليوم السابع» بعد تعرضها لمحاولة اقتحام منزلها الكائن بحى جاردن سيتى، فجر السبت الماضي، حيث حاول اثنان من الملثمين كسر باب شقتها، وحطموا الزجاج الخاص بالمنزل ما دفع حفيدها إلى إطفاء الأنوار بصورة سريعة، واتجه إلى المطبخ وأحضر سكينا، ثم ذهب إلى غرفتها ليوقظها، مشيرة إلى أنها أغلقت الأبواب واتصلت بالنجدة للاستغاثة لكن المعتدين لاذوا بالفرار بعد اتصالها بالشرطة، وعلى الفور وصل رئيس مباحث قصر النيل النقيب محمد إسماعيل، والمأمور وبعض ضباط مباحث القسم قاموا بمعاينة الشقة ورفعوا البصمات، وتحرر محضر بالواقعة وجار التحقيق.
وأكدت تهانى أنها تتعرض لعملية ترهيب واستهداف شخصى عبر أدوات غير شريفة وهذا مؤشر خطير على عدم احترام اختلاف الآراء فى المجتمع، مشيرة إلى واقعة تصريحاتها لجريدة «نيويورك تايمز» التى تم توظيفها سياسيا للتشكيك فى أن المحكمة الدستورية أصدرت حكما قضائيا بحل البرلمان، بالاتفاق مع المجلس العسكرى, وتابعت تهانى أن حملة التشويه المنظمة والممنهجة، وصلت لتزوير توكيل رسمى لسوزان مبارك، وإدعاء أنى كنت محاميتها، ولذلك تقدم ببلاغ للتحقيق فى هذه الواقعة ونجحت الجهات الرسمية فى إحضار ربة منزل هى من زورت هذا التوكيل، وتمت إحالتها للمحاكمة، وأثبت للرأى العام أنى بريئة من هذه الإدعاءات التى تستهدف تشوية صورتى وتاريخى.
وانتقدت تهانى اتهامها بأنها تنتمى للنظام السابق قائلة: كنت أحد رموز المعارضة لنظامى مبارك والسادات، ومواقفى معلنة للجميع، وتاريخى معروف حينما كنت عضوا فى نقابة المحامين، وأشغل منصبا قياديا فى حزب معارض، مشيرة إلى أن ترشحها للمحكمة الدستورية جاء بترشيح من الجمعية العمومية بالإجماع، واختيارى من 250 سيدة مرشحة للمنصب، وبعد اختيارى للمنصب كنت مسار للتساؤل بسبب مواقفى المعارضة لنظام مبارك.
وحول علاقة هذه الأحداث المتعاقبة من موقفها وإصرارها على حلف الرئيس محمد مرسى لليمين أمام المحكمة الدستورية، أوضحت تهانى أن الأمر لم يكن موقفا شخصيا بقدر ما كان قرارا من الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، وأنا كنت جزءا من هذه المؤسسة القضائية، وإصرارنا على حلف اليمين أمامنا جاء احتراما للقانون، مضيفة إن موقعى لا يسمح أن أصنف كمعارضة أو مؤيدة للنظام الحاكم والإخوان المسلمين فهذا يندرج تحت العمل السياسى المباشر، وأنا أحترم موقعى كقاضية فى المحكمة الدستورية أبدى رأيى فى الشأن العام حينما تنتهك دولة القانون أو تتعرض المعايير الدستورية للخطأ.
وتعليقا على الأزمة الأخيرة بين القضاء ومؤسسة الرئاسة حول إقالة «النائب العام» قالت تهانى إن محاولات إقالة المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه محاولة لتصفيات حسابات شخصية بين النائب العام الإخوان للانتقام من إحالة بعض قياداتهم للمحاكمة، حينما كانوا يعملون خارج إطار القانون، مؤكدا أن تعبيرات قيادات الجماعة حملت فى طياتها فكرة «الثأر»، وليس الانحياز لدولة القانون، وعلينا أن نحتكم للقضاء والقانون ومن يريد أن يحاسب أحدا فليحاسبه بالمسار القانونى، وليس بالصوت العالى والإدعاء بالتحدث باسم الشعب المصرى.
وأوضحت نائب رئيس المحكمة الدستورية، أن هناك أسسا قانونية لإدارة الدولة، ولابد من احترام السلطات واختصاصات مؤسسة الرئاسة ومؤسسة القضاء، فهو أمر يحدده الدستور والقانون، ولا يجوز تغول إحدى السلطات على الأخرى «فإن انهارت الدولة القانونية، انهارت معها الدولة بالكامل» مشيرة إلى أن الأمر لا يتصل بشخص «النائب العام» بقدر ما هو انتصار للمبادئ الدستورية، واحترام لدولة القانون والدستور, وأكدت تهانى أنه طالما بنينا مؤسسات الدولة عبر مسار دستورى وقانونى، فالشرعية الثورية تمارس من خلال النظام الدستورى، فالشرعية الثورية هى تغيير لنظام حكم ومجتمع وليس تغيير للأشخاص، ومن أفسد فلنحاسبه بالأساليب القانونية ومن يحمل أى دليل للإدانة فليقدمه للمحكمة، مشيرة إلى أن هناك فارقا بين من يعمل لدى الدولة وليس لدى النظام الحاكم.
وحول تضارب قرارات مؤسسة الرئاسة وكيف يتم إصدار قرارات تخالف القانون مع وجود قضاة مخضرمين قادوا معركة استقلال القضاء بمؤسسة الرئاسة، قالت تهانى إن مواقف الأشخاص متغيرة بعد انتقالهم من صفوف المعارضة لموقع السلطة والأفعال هى من تحدد صدق مبادئ ومواقف الآخرين مؤكدة أن من يصنع الديكتاتور هو حزب «التبرير القانونى» وخطورتهم على صانع القرار فى أنهم ينحرفون بالرأى المستقيم لصالح مصالح النظام الحاكم، مشيرة إلى أن هناك خللا فى مؤسسة الرئاسة أدى إصدار قرارات خاطئة، أدت لصدام مع دولة القانون ومؤسسة القضاء, وحول تهديدات الدكتور عصام العريان رئيس حزب الحرية والعدالة للنائب العام بقبول المنصب والإقالة، قالت تهانى: «علينا أن نحدد من يحكم مصر الآن هل يحكمها الرئيس ومؤسسة الرئاسة أم جماعة الإخوان التى تخرج على الرأى العام بقرارات متسائلة.. من أعطى لهؤلاء حق التحدث باسم الرئيس والدولة، فأسس إدارة الدولة أن تأتى القرارات الرسمية من مؤسسة الرئاسة ومؤسسات الدولة التنفيذية، ولابد أن يعمل الرئيس بشكل مستقل لتقدير الموقف القانونى والدستورى، محذرة من إهدار قيمة مؤسسة الرئاسة عبر إقحامها فى صراعات مع دولة القانون.
وتابعت تهانى قائلة: «لا يمكن أن يتحكم أحد فى منصب هام وخطير كالنائب العام من خلال فصيل سياسى، لا يريده فى منصبه، فلا يمكن أن تدار الأمور بمن يستطيع التعبئة الجماهيرية لصالح المطالبة بإصدار قرار ما، وعلينا أن نختار بين الفوضى ودولة القانون»، مؤكدة أن دولة القانون ضمانة للجميع، والسلطة غير قائمة لأحد والشرعية الحقيقية تأتى بالالتزام بالقانون، وعلى من فى السلطة الاحتكام للمسار القانونى، فالأمر يتغير حينما نكون فى صفوف المعارضة، ثم نأتى فى صفوف المعارضة محذرا من أن الثورات التى خرجت عن المسار القانونى ظلمت الأخرين ثم خلدهم بعدها التاريخ, ورفضت تهانى تحميل النائب العام مسؤولية براءة المتهمين بموقعة الجمل، موضحة أن الدولة كانت فى حالة من الانهيار الأمنى وتقاعست مؤسسات الدولة عن تقديم أدلة حقيقية، وبعض الجهات قامت بطمس أدلة الإدانة بالإضافة إلى مسؤولية النيابة وقضاة التحقيق، وفى النهاية القضاء ينظر للمتهمين معصوب العينين، ويحتكم للأدلة الموضوعية المقدمة للمحكمة، مؤكدة أنه لو حكم القاضى بالأهواء الشخصية والضغط الشعبى، سينهار القضاء.. فالحكم فى النهاية هو عنوان الحقيقة.
وطالبت الجبالى بوضع آليات للعدالة الانتقالية المحاسبة السياسية وتحديد المسؤولية، والفصل بين المحاكمة السياسية والمحاكمة الجنائية، مشيرة إلى أن مصر لها تجربة مسبقة قبل إقرار مبادئ العدالة الانتقالية فى الأمم المتحدة عبر المحاكمة السياسية بقانون الغدر فى أعقاب ثورة يوليو عن جرائم استغلال السلطات والنفوذ وكانت لها أحكام مدنية تبدأ من العزل السياسى والحرمان من المناصب ومصادرة الأموال وحتى الإحالة للمحكمة الجنائية. وقالت «حملنا القضاء المصرى ما لا طاقة له مما كان سببا فى الاحتقان بعد إصدار القضاء أى حكم بالبراءة».
وحول أزمة «الدستور» قالت تهانى إن الدستور هو عنوان التوافق الوطنى ولابد أن يبنى على أسس موضوعية وقانونية ولا يملكه فصيل سياسى معين فالسلامة الوطنية مرهونة بالتوافق الوطنى لأن الدستور ملك للوطن بأكمله، وإن لم نتوافق نضع بذرة للخلافات وفكرة المغالبة السياسية جزء من الاختلال فى الواقع المصرى.
تهانى الجبالى: أتعرض للاغتيال المعنوى.. وتلقيت رسائل تهديد قبل اقتحام منزلى.. محاولة إقالة «النائب العام» كانت بغرض الثأر وتصفية حسابات مع الإخوان.. الخلل فى مؤسسة الرئاسة أدى لصدامهم مع دولة القانون
الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012 03:26 ص