حبة كرز هجينة طعم غصنها بإتقان فى شجرة الحرية، التى ارتوت بدماء الشهداء، وأثمرت ثمار دكتاتورية البلوريتاريا، التى تسقط بقوة على الأرض الطيبة بعد نضجها، ليفسد عطبها الأخضر واليابس وتفوح منها الرائحة النتنة، ليتنفس المجتمع الذل والاضطهاد على أرضه.
نعم عزيزى القارئ، حبة الكرز هى إسرائيل، وهى السبب الوحيد لمعاناة الشعوب العربية، التى تسلق على أكتفها الخونة الصغار لتعلمهم الولايات المتحدة كيف ينهلون من ثروات مجتمعاتهم بعدما تسللوا إلى شجرة الحرية، ليجيدوا عزف سيمفونية دمار شعوبهم، تحت قيادة مايسترو أمريكى، وألحان يهودية خالصة، يصفق عليها اللوبى فى نشوة واستمتاع.
حقا إنها حبة كرز لذيذة الطعم زاهية اللون، تزداد حلاوة كلما ارتوت بدماء الشعوب العربية، التى طحنت بدماء القهر والاضطهاد من أنظمتها المناوئة للولايات المتحدة، لتخبز منها كعكة محترقة ومتيبسة، مبطنة بحشوة معطوبة تحمل فى نهايتها حبة كرز، ضحى المواطن العربى بقوته ومستقبله، وبدمائه أحياناً لبقائها، بعد أن سقط فى براثن الجهل السياسى الذى تربى عليه كل من الأديب والعالم والمثقف فى شعوبنا العربية، ولا يعى الحقيقة سوى القلة القليلة التى تحررت من فكرة الفقر والأبوية الاجتماعية والسياسية المتخلفة، فمنذ الاستقلال توارثت الشعوب الأوروبية ثروات وفيرة بعدما سحبت جيوشها النظامية التى كلفتها الكثير، ومهدت لتبعية سياسية قذرة، نمت على استقطاب الطبقة الدنيا والعفنة فى المجتمع، لتطلق رحيقها فى عاصفة عاتية أطلق عليها "رياح التغيير"، ونجحوا بالفعل فى السيطرة على الجيوش العربية والقيادة السياسية، وبدأت أول فصول دراما تفتيت آمال الشعوب بعد تردى الوضع الاقتصادى والاجتماعى وحصر آمال الشعوب فى لقمة العيش.
* افتعال الأزمات
كونشرتو التجويع فى سيمفونية تفتيت الشعوب، هدفه تجميد العقول عن استيعاب مفردات الفكر السياسى فى المنطقة، فإذا أردت أن تذل شعباً فعليك باستهداف أخطر نقاط ضعفه، وهى معدته، التى تدفع الجسم إلى الانصياع إلى مظلات الذل والاضطهاد والعزلة السياسية، وتنهار دعائم المجتمع وتسود الوساطة وتمتلئ بطون الحاشية القذرة بأموال مالحة لا ترضى نهمهم، ليضيع الفرد العربى بين الوساطة والرشوة، وتهبط قيمته إلى قيمة العملة المحلية أو إلى غانية جميلة أو متواضعة الجمال تغرى زبائنها فى ملهى ليلى، أو حفنة من المخدرات أو عضو فى تشكى عصابى.
هكذا صارت الأمور وهبط ميزان الأخلاق، وتباعدت القيم، والفضل يعود لجهلنا السياسى، فمن بنزين إلى غاز إلى أزمة سكن إلى إرهاب بالشارع يا قلبى لا تحزن فقد يطلق الإعلام الشائعات التى تمس الشعوب دينياً أو ثقافياً أو عرقياً من أجل الإلهاء.
وقد يقتل القائد جنوده فى بانوراما الهلاك، أو يقتل الرئيس سفيره أو نائبه، أو حتى عالم أو رجل دين رفع رأسه بالعصيان، أو حتى بدون سبب واضح المعالم، كل ذلك لخدمة مسار إلهاء الشعوب، لكى تبتلعهم دوامة الأزمات والمشكلات.
فقد تعودنا على الفتاوى المارقة والفرقعات الإعلامية الشاذة التى تغرق الشعوب فى بحر التفكير وترضى عنهم الساسة والقادة أصحاب القلوب الضعيفة.
* انفلات
لكل نمط كيانه وأسلوب تفكير محدد، ولكن الحقيقة أن المدرسة الأمريكية، نجحت بامتياز فى غرس أنماط سياسية خارقة، خضعت لدراسة جيش من السياسيين والمؤرخين وعلماء النفس داخل الولايات المتحدة وولاياتها العربية المستهدفة، التى تمثل كعكة مترامية الأطراف تخطت حدودها الخليج العربى وإثيوبيا، وتوقفت تماماً عند ليبيا "بسكوتة أوروبا"، لكنها تخطت حدود سوريا ذات الهدف المشترك.
فتحيك حربا بانورامية هنا، وغارة مدبرة هناك، ضحاياها من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ويصفق الإعلام الفاسد ويظهر مفاتنها، كما يطلق الدعاة الشعارات ويساندون القضية، وتهب عدوى جمع التبرعات لإغاثة الشعوب المخدوعة لا المنكوبة، من وجهة نظرى.
ولكن قد يغيب عن عقل القوى الاستعمارية ونظمها المستبدة إرادة الشارع العربى، فتشتعل الثورات التى تحركها الولايات المتحدة فى نهاية المطاف، فهى تجيد ركوب الموجة الثورية على أى حال، فتفتعل الشائعات وترتكب الجرائم، وتخل بأمن البلاد وتطلق المجرمين من السجون إلى الطرقات، وتجند أجهزتها المدنية والعسكرية للقتل والسرقة واغتصاب النساء.
ويكشر النظام المستبد عن أنيابه ويمارس أقوى أشكال إرهاب الدولة على الإطلاق، والتى لم يعتاد عليها فى الماضى، وتنتهى كالمعتاد بالآلة العسكرية التى تحافظ على رموز النظام السابق من منشآت ومؤسسات القهر التابعة للولايات المتحدة، وحتى لا تبقى المستعمرة مضطربة ووحيدة بلا نظام، يتم خداع الشعب بحفنة من التابعين والموالين لانتخابهم كما ينبغى، وينعم الشعب بديمقراطية مزيفة، تطلق غباراً يحجب الرؤية سرعان ما تنقشع، بعدما يدرك الشعب استمرار سياسة التجويع والانفلات الأمنى، واضطهاد الرموز الجادة فى التغيير، والتى جذبتها الدولة الاستعمارية إلى السطح فى وقت الثورات.
* بلا وطن
عندما يتحول القائد إلى مصاص دماء يقتات على ثروات بلاده، يتحول إلى ديكتاتور من المرتذقة، تسانده قوى استعمارية بالعتاد والقوات المدربة، لكى يمارس أبشع صور الإرهاب ضد شعبه، فيتلاشى دافع الانتماء ويحل محله الطمع.
فالدبلوماسية الأمريكية، قد تعودت هذا النوع من الأشخاص، ومن لا يرضخ تخيفه بالقاعدة لتخريب ذلك وتدمير ذاك، أو اغتياله هو شخصياً إذا خرج تماماً عن المسار، فعلى القائد أن ينصاع حتى لا يقع فى هذا الفخ القاتل، مثلما وقع فيه الرئيس العراقى السابق صدام حسين، فالقاعدة هى نظم فارسية شيعية امتزجت بصبغة عربية قاتمة، وجهت لإفساد الحفلات السياسية، واغتصاب الثروات الثمينة.
ولا عجب أن تزدحم التحويلات الغربية الأثيرية إلى شعاب النظم المناوئة لتستقر فى بطون الساسة والمرتزقة، اللذين يشكلون ساعد الولايات المتحدة الأيمن فى الحفاظ على أجندة سياسية ثابتة فى المنطقة تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية على حد سواء.

لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة