لقد قمنا بثورة عظيمة وجليلة، سطرت صفحة جديدة من صفحات التاريخ المصرى الحديث، تلك الثورة التى أبهرت العالم بأسره لكونها ثورة سلمية خالصة استطاعت إسقاط النظام فى غضون ثمانية عشر يوماً فقط.
كما أنها كانت بمثابة عنق الزجاجة لكثير من أبناء الشعب المصرى للتنفيس عما بداخلهم من آلام نتيجة القمع والظلم البيًن وانتهاك الحقوق والحريات العامة.
لقد أصبحت الثورة المصرية نموذجاً يحتذى به فى كافة أرجاء العالم وتأثر بها العديد والعديد من الشعوب التى خرجت للمطالبة بحقوقها المسلوبة منها. وبعد نجاحها أيقنا وقتها أننا سوف نبدأ مرحلة جديدة خالية من الشوائب ومن نواقض الفترة الماضية، وعشنا على ذلك الأمل فترة طويلة، فعلى الرغم مما حققته ثورتنا المجيدة من تهيئة وإرساء دعائم الحكم الديمقراطى والتى ظهرت مؤشراته فى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وإقرار مبدأ التداول السلمى للسلطة والأخذ بتعددية حزبية حقيقية مع الامتثال لحكم القانون والعمل على وضع دستور جديد للبلاد. كل تلك الأمور من الأهمية بمكان لشعب يريد أن يحيا حياة نقية لا شائبة فيها، إلا أننا مازال ينقصنا جانب هام جداً لم يكتمل بعد لأنه يحتاج لإعادة تأهيل وتشكيل لكل ما هو قائم من مصادر السلوك وهو الجانب الأخلاقى لدى الشعب المصرى الذى نفتقده الآن وبشدة. فلقد انتشرت بشكل خطير عدد من الظاهر السلبية التى أثرت على الوازع القيمى لدينا، وعلى رأسها ظاهرة التحرش الجنسى؛ التى انتشرت قبل الثورة وذاع صيتها، وفى الميدان فى ظل الحماسة الثورية أضحت طوائف الشعب المصرى يداً واحدة واختلط الجميع بالجميع من رجال ونساء، وعلى الرغم من ذلك لم تحدث حالة تحرش واحدة حيث كان الكل على قلب رجل واحد وهدفهم واحد وهو إسقاط النظام، ولكن بعد مرور الثمانية عشر يوماً وبدء المرحلة الانتقالية عادت تلك الظاهرة مرة أخرى وبشكل أوسع انتشاراً لتثير مجموعة من علامات الاستفهام بعد النجاح الباهر الذى حققته ثورتنا الأبية، فلقد أشارت مدير مكتب الأمم المتحدة للمرأة بالقاهرة أن الدراسات كشفت عن أن 98% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش بعد الثورة، فهذا الرقم صعب وخطير للغاية مما يدل على حالة التردى الأخلاقى التى وصلنا إليها. وبالإضافة إلى ظاهرة التحرش الجنسى زادت ظاهرة السرقة بشكل ملحوظ بعد الثورة خاصة فى ظل حالة الانفلات الأمنى وما تبعها من مهاترات أمنية ضخمة أفقدت الشارع توازنه وتناغمه، حتى أضحت السرقة كالفعل المباح أمام شريحة واسعة من أبناء المجتمع دون عقاب أو تحرى للمعلومات عن من يقومون بها. ولم نكتف بالتحرش والسرقة وأصبح لدينا ظاهرة ثالثة كانت ومازالت الأكثر وضوحاً وخطورة وهى البلطجة والتى عجزت الأجهزة الأمنية على التصدى لها، حيث يشتكى منها الكثير والكثير وكأننا نعيش فى ظل اللادولة، فعلى سبيل المثال توجد هذه الظاهرة فى المواقف العامة وتحت الكبارى حيث يفرض البلطجية إتاوات على السائقين فى كل يوم. ومن هذا القبيل يمكن القول أن كل تلك السلبيات أدت إلى شئ فى غاية الخطورة وهو فقدان رأس المال الاجتماعى؛ وهو مجموعة العلاقات الحميمية والتعاونية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية بين أفراد المجتمع، وذلك كنتيجة لفقدان الثقة المتبادلة بين المواطنين وبعضهم البعض لانتشار عمليات النصب واتساع مداها. ولهذا فإن كل تلك الأمور فى ظل الاستمرار على وتيرتها وتراكم مخرجاتها فإنها قد تطيح بالمجتمع بأسره فى ظل التراجع الشديد للمخزون الاستراتيجى الأخلاقى.
ولذلك فإننا فى حاجة إلى ثورة السلوك للقضاء قضاء مبرماً على كل مظاهر التحلل الأخلاقى والعودة مرة أخرى إلى الفضائل، والانتقال لكل ما هو روحى وقيمى وأخلاقى والعمل على تجديد كل ما يتصل بقواعد السلوك بما يتماشى مع مجتمعنا الشرقى العربى الإسلامى، فهيا بنا يا أبناء الوطن إلى ثورة السلوك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة