معصوم مرزوق

وإيه يعنى؟؟

السبت، 13 أكتوبر 2012 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أدرى من هو العبقرى الذى أشار على المرشح الرئاسى بأن يتعهد بتنفيذ بعض المهام خلال المائة يوم الأولى للرئاسة، كى تصبح تلك الوعود سيفاً مسلطاً على الرئيس واختباراً لمصداقيته.. موضوع المائة يوم يرتبط بالانتخابات الأمريكية، حيث تعتبر فترة شهر العسل بين الناخبين والرئيس الجديد، وبعدها يبدأ الحساب.. ولكن.. ولكن.. ربما من أشار بذلك قد استعار ذلك بشكل عكسى من النظام الأمريكى.. ولكنه بلا شك أحرج الرئيس.. تنقطع الكهرباء.. إيه يعنى؟!، تنقطع المياه.. إيه يعنى؟!.. كله يهون فى سبيل مشروع النهضة.. تكدس مرورى.. إيه يعنى؟! انفلات أمنى.. إيه يعنى؟!.. توقف إنتاج وبلطجة وجليطة وقلة ذوق.. إيه يعنى؟!.
ألا ينبغى لهذا الشعب الأبى أن يتقشف فى سبيل أن يبنى النهضة؟ ما هذا الترف والدلع الذى يتمرغ فيه الفلول وأشباه الفلول؟.. إن الفقراء لا تنقطع عنهم الكهرباء والمياه فقط، بل تنقطع عنهم الحياة ذاتها، وهم صابرون محتسبون، لا يبالون بهذه التفاهات.. ألم يعش أجدادنا الميامين فى الصحراء بلا كهرباء أو ماء؟ لماذا لا تصبح الناقة هى الحل الناجع لتكدس المرور وتلوث البيئة؟ ألم يعدنا الحكام الجدد بحلول غير تقليدية لمشاكل الوطن؟ أما الزبالة فهى عبق الماضى الذى لا يجوز التنازل عنه، بعد أن تحولت إلى معلم من معالم مصر المحروسة مثل الأهرامات وبرج الجزيرة والسد العالى، ونستطيع أن ندرجها ضمن البرامج السياحية، كى يتفرج عليها السياح ويشموا رائحة التاريخ.
وقبل أن يسارع فرسان النهضة بوصم هذه السطور بالفلولية، أحيلهم إلى سطور أخرى كتبها نفس القلم على مدى ثلاثين عاماً حملت كلماتها نفس الأسلوب فى زمن كانت الكلمات فيه مباخر لمشروع نهضة آخر، ندفع وسيدفع أحفادنا ثمنه فى قابل الأيام.
أتصور أن الرئيس قد شق على نفسه بوعود تتجاوز إمكانيات الواقع، ووضع نفسه فى قفص المائة يوم على غرار أدبيات الانتخابات الأمريكية، فهتف الناس فى الميدان بحماس وجموح وارتفعت أصواتهم إلى عنان السماء، وعندما ذهبت السكرة جاءت الفكرة، وبدأ التعلل بطرف ثالث أو رابع يعرقل مسير قاطرة النهضة، دون أن يشرح أحد كيف لهذه القاطرة أن تتحرك دون سائق أو قضبان.
بدأت المائة يوم بمعركة لا داعى لها حول عودة مجلس الشعب، ومعارك أخرى جانبية فى أروقة المحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية، وتناثرت طيور الفضائيات من كل لون وجنس كى تزقزق فى المساء وتضيف للرأى العام مساحة جديدة من الحيرة والكآبة واليأس، وتزاحم الألوف بحسن نية حول قصر الاتحادية كى يظفروا بجلسة استماع فى الديوانية، ليشرحوا مظالمهم وفقاً للعرض السخى من الرئيس بأن بابه سيكون مفتوحاً لكل فرد من أفراد أهله وعشيرته، وتواصلت الإضرابات الفئوية التى تطالب بالحقوق دون أن تتذكر الواجبات، وأصبح دور المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية هو تكذيب ما يصدر منسوباً إلى أطراف الجماعة الحاكمة الممتدة.
استغرق تشكيل الحكومة الجديدة ما يزيد على شهر كامل.. وإيه يعنى؟!.. لا بد من التدقيق والتمحيص حتى تكون الوزارة الجديدة على مستوى مشروع النهضة، وبعد انتظار وصبر، وشائعات وتحليلات عن اسم كل مرشح يبزغ فى ظلام القاهرة، تمخض الجبل فى النهاية.. تكنوقراط، نصفهم أو أكثر من بعض علامات الزمن البائد، ولكن برضه.. وإيه يعنى؟؟.
ما أغفله الكافة هو أن قاطرة النهضة فى أمس الحاجة لسائق فى مركبة القيادة، وقضبان واضحة تمشى عليها، وهذا ليس تشكيكا فى أحد، لا سمح الله، ولكن محاولة للتفكير فى ذلك الواقع المأزوم وتشخيصه، فلا يمكن الطعن فى أمانة وإخلاص القائمين على الأمر، إنهم يريدون فعلاً تحقيق مشروعهم النظرى للنهضة، وبالمناسبة هو مشروع طموح ولا غبار عليه فى إطاره النظرى، ولكن من المهم أن نتذكر أن أمريكا لم تنزل على القمر فى أحلام اليقظة أو بصياغة دواوين شعر فى جمال القمر، وإنما بالمنهج العلمى الذى يقارب ما بين الطرح النظرى ومعطيات الواقع فى إطار جدول أسبقيات زمنى عملى.
إن التنازع حول دفة القيادة يجب أن يحسم، حتى لو تقرر أن يكون السائق هو المرشد بشكل صريح وواضح ودون التفاف، فلا يجوز أن يصبح الوطن ويمسى على شائعات وتصريحات يتم نفيها فى اليوم التالى، ويجب أن يكف مكتب الإرشاد عن لعب دور المكتب السياسى، الحزب الشيوعى فى الاتحاد السوفييتى السابق، أو أمانة السياسات فى الحزب الوطنى، ثم يجب أن يرى الناس القضبان، وأعنى بها الوسائل والإمكانيات المتاحة والاتجاه العام، وأن تتم مصارحتهم بحجم المشاكل، وهى ضخمة، بدلاً من دغدغة مشاعرهم بأحلام يقظة لا يمكن لمعطيات الواقع أن تحققها فى المستقبل القريب.
أتصور أنه حينما يرى الناس بوضوح معالم الطريق، وأن هناك مساواة حقيقية فى تحمل الأعباء، فإنهم سيكونون على استعداد لتحمل المشاق، بل والتضحية من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة، وعندذاك، إذا أظلمت مصر شهوراً متعاقبة من أجل خطة حقيقية وعملية لإنارة المستقبل، فسوف يهز الناس أكتافهم ويقولون بثقة: «وإيه يعنى؟»، وحتى إذا قرر القائد الحازم إعادة استخدام الناقة لحمل الركاب، فسوف يسارعون إلى سوق إمبابة لشراء أحدث أنواع النوق والجمال والبغال، مرددين بسعادة: «وإيه يعنى».. أما إذا استمرت حالة الغموض مقترنة بذلك الظلام الدامس، واشتد ظمأ الناس إلى حركة إيجابية للأمام مع استمرار انقطاع المياه، إذا استمر التردد وحالة الإنكار، والتردد فى الأقوال والأفعال، فإن ملايين الشعب لن تعبأ إذا تجددت الثورة غداً، واندفعت الجموع كتيار جارف كى تزيح النهضة المزعومة وجماعتها، ولسان حالها يقول: «وإيه يعنى!».





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد

رااااااااائع

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

تصفية حسابات

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

من هو ؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة