الفيلم المسىء للرسول عليه الصلاة والسلام الذى تم إنتاجه فى الولايات المتحدة الأمريكية يكاد يكون قد حقق النتائج المرجوة من إنتاجه حين يحظى فيلم مغمور ما كان ليراه أحد أو يهتم به أحد، بكل هذه الضجة الإعلامية التى جعلت له قيمة ودفعت الكثيرين على مستوى العالم لرؤيته، وبالطبع ردود الأفعال العنيفة عند بعض الشعوب الإسلامية كانت من أهم النتائج المثمرة لدى من أرادوا إظهار المسلمين بصورة همجية أمام الغرب ليؤكدوا فكرة يروجوا لها منذ زمن بعيد.
وبنظرة فاحصة للأحداث وما يدور خلفها ومحاولة الوصول لحكم أكثر عمقاً بعيداً عن ظاهر الأمور نجد أنه ربما يكون الهدف وراء الفيلم كان سياسياً ربما كان الغرض منه إحراج أوباما قبل الانتخابات الرئاسية وإظهار فشل سياسته وعلاقاته بالدول الإسلامية وربما هو اختبار لمدى قدرة المسلمين على الاتحاد لهدف واحد فى مواجهة خطر عام بعد ربيع الثورات العربية وربما لإظهار مدى ضعف الرؤساء الجدد فى البلاد التى نجحت بها هذه الثورات وإظهار عدم قدرتهم على السيطرة على زمام الأمور خاصة وأن أغلبهم ينتمون للإسلاميين ربما قاربت هذه التكهنات جزءاً من الحقيقة الكامنة خلف الأستار وقد آن الأوان ألا نعيش كالعرائس يلعب بنا الغرب دون أن ندرى ليظهرنا فى أسوأ صورة وتبع الفيلم رسومات كاريكاتيرية مسئية للرسول أيضا فى مجلة شارل أبدو الفرنسية الأمر الذى بدا عجيبا ومفاجئا وغير مبرر فى وقت شديد الحساسية عبر عنه إمام الجامع الكبير فى باريس حين قال إن المجلة تحاول سكب الزيت على النار خاصة فى دولة كفرنسا بها الملايين من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين أغلبهم مسلمين ويقال عن هذه المجلة أنها كانت على وشك الإفلاس فحاولت أن تستعيد توازنها وتروج لنفسها بهذه الرسومات ودافعت عن موقفها بدعوى حرية الرأى والتعبير.
تأتى هذه الرسومات موازية للمشهد السياسى الفرنسى ففى الوقت الذى يحاول فيه الرئيس أولاند إصدار قرارات بإعطاء المهاجرين الشرعيين غير الحاصلين على جنسية فرنسية حق التصويت فى الانتخابات المحلية وسط رفض شعبى فرنسى يزيد عن ستين بالمئة ويعيدنا هذا إلى المناظرة الشهيرة التى دارت منذ شهور بين رئيس فرنسا السابق ساركوزى والرئيس الحالى أولاند حين صعدا معا للإعادة وحصلت وقتها مارى لوبين مرشحة اليمين المتطرف على عشرين بالمائة فى سابقة هى الأولى من نوعها فى فرنسا لم يحصل عليها اليمين المتطرف من قبل، وكانت نسبة ساركوزى وأولاند متقاربة فحاول ساكوزى الراغب بالتأكيد فى الاحتفاظ بكرسى الرئاسة أن يلعب آخر كارت له ويستقطب أصوات اليمين المتطرف فى المناظرة حين تحدث عن مشكلة المهاجرين فى فرنسا وعن المسلمين وكأنهم المسئولون عن الأزمة الاقتصادية التى تجتاحها وكأن مشاكل فرنسا اختزلت فى وضع الحجاب واللحم الحلال فى المدارس فأوقفه أولاند بأن هذا غير حقيقى، وأن هذا لم يكن رأيه فى سنة 2007 إبان حكم جاك شيراك وأنه يغير مواقفه بتغير الظروف وأن المسلمين ككل الشعوب بهم متعصبون ومعتدلون وأن الفرنسيين الآن أمام خيارين إما أن يستمروا معه ويبقى الحال على ما هو عليه وإما أن يختاروا التغيير وبالفعل رغم مخاوف الفرنسيين من صعود اشتراكى متعاطف مع المهاجرين والمسلمين إلى قصر الإليزيه ورغم كل ما سبق هذه الانتخابات من توتر على الساحة السياسية إلا أن أولاند صعد لكرسى الرئاسة بنسبة تفوق بسيطة بينه وبين ساركوزى مما يظهر تردد الشعب الفرنسى بينهما حتى آخر لحظة ولكن الفرنسيين الذى يعانى شبابهم من البطالة مثلهم مثل أى شعب يحلم بالأفضل وبالتغيير فاختاروا أولاند أملاُ فى حياة أفضل للمواطن الفرنسى العادى الذى لم تتغير حياته كثيراً بعد ذلك وجاءت نسبة غير الراضين عن أولاند حوالى سبعة وخمسين بالمائة من الشعب فى شهر يوليو الماضى فى استفتاء عام.
إذا ما نظرنا لكل هذه الأمور السياسية والاقتصادية وربطناها بالمسلمين فى فرنسا المنقسمين إلى قسمين إما مسلمين ملتزمين بتعاليم دينهم من ناحية وباحترام فرنسا كدولة وسيادتها على أراضيها من ناحية أخرى وهذه هى النسبة المشرفة والقسم الثانى من أساءوا إلى الإسلام بتصرفاتهم التى تصل إلى حد الإجرام أو العمل بالمخدرات أو التوقف عن العمل واستغلال المعونات بأساليب ملتوية فى دولة تحترم العمل وتقدسه وتغطيهم علاجياُ بعناية طبية شاملة.
كل هذه المشاهد لا يراها المواطن العربى فقط يرى ما يظهره الإعلام ويضخمه وكأنها قنبلة ستنفجر ليخرج الناس فى مجتمعاتنا الإسلامية يعبرون عن غضبهم العارم غير مدركين أن هؤلاء الناس لا يخاطبوا بهذه اللغة لأن كل شىء عندهم يخضع لحرية الرأى حتى فى الديانات وإن تخطوا حدود التعبير وجب علينا التوضيح لهم باللغة التى يفهموها لا يكفى أن نتقن لغة ألسنتهم ولكن وجب علينا أن نتعلم أيضاً لغة عقولهم حتى نستطيع أن نصل إليهم فلإما أن نقنعهم بأفكارنا أو على الأقل نكتسب احترامهم حين نوضح للأوربيين صورة ديننا الحقيقية التى هى أبعد ما يكون عن الصورة التى استقوها من الإعلام الغربى والتى ساهم فى تشويهها بعضنا فى الخارج فلم يكونوا على قدر مسئولية هذا الدين العظيم، وحين نكون فى بلادنا أيضا أصحاب إنجازات لا شعارات لأنه لا يكفى أن نبهرهم بثورات عظيمة نقتلها بعد ذلك بالخلافات، وأخيراً حين نتخلى عن الأمراض النفسية المتوطنة فى داخلنا والتى تتعارض مع الإسلام جملة وتفصيلاً، ومنها تغيير المواقف بتغيير المصالح والبحث عن المجد الشخصى وضرب المصلحة العامة للبلاد بعرض الحائط حين نتحد ونكتفى بذاتنا ونبدأ فى العمل الجماعى ويأتى اليوم الذى يذهب فيه شبابنا إليهم على متن الصورايخ لا غرقى فى البحر بحثاً عن العمل حين نظهر للغرب أن الإسلام لا يتعارض مع التقدم والتحضر وأننا نملك من العقول البشرية ما يضعنا فى مقدمة العالم لا فى مؤخرته فقط حين يأتى هذا اليوم سيصنع لنا العالم ألف حساب.
رانيا حجازى تكتب من باريس: حتى لا نكون مجرد عرائس يلعب بنا الغرب
السبت، 13 أكتوبر 2012 01:15 م