فى الأيام الأولى التى تلت سقوط النظام السابق، وقبل إجراء أى انتخابات، لا شعب ولا شورى ولا نقابات ولا رئاسة، قلت لمن حولى من الأصدقاء إن نجم الإخوان بدأ فى الأفول!!، فاعتبرنى معظمهم مغالياً، وبعد سنة وسبعة أشهر تقريبا ما زلت عند رأيى، وقناعاتى تلك مبنية على ما يلى:
1 – لقد درس الإخوان السياسة نظرياً، وأجادوا على أرض الواقع العملى لعبة الانتخابات فقط، ولذلك فإنه عندما خلت الساحة من غريمهم المنحل، كان فوزهم ووصولهم للصدارة فى كل الانتخابات التى جرت منطقياً ومتوقعاً، ولما لم يكن أمر فوزهم بالأغلبية وبالرئاسة محتملاً ولا متوقعاً قبل الثورة، فلم تكن لديهم إستراتيجية لما بعد الفوز والغلبة، واختزلت الأيدلوجية لديهم فى شعار "الإسلام هو الحل"، ولسنا نشك أن فى الإسلام حلول لكل شىء، ولكن الإسلام مفهوم شامل، وذو تأويل واسع، وعند استخلاص الحلول المحددة من الأيدلوجيات الشاملة يحتاج الأمر إلى مفكرين وساسة ذوى علم ورأى وحصافة ليستخلصوا الحلول المطلوبة للمشكلات المعاصرة فى قوالب محددة، مع صياغتها فى نقاط 1، 2، 3.. فى إطار المنهج الشامل، وهذا ما لم يفعله الإخوان!!، ولا لوم عليهم إن لم يفعلوه قبل الثورة، لاعتباره ترفاً وقتها، ولا عذر لهم لكونهم لم يفعلوه بعدها..
2 – هناك فرق كبير بين أن تكون لديك قدرة عالية على تحمل ألم التعذيب والإقصاء لكونك مضطهداً، وأن تكون لديك القدرة على مقاومة شهوة التعذيب والإقصاء لكونك تمتلك القدرة على فعل ذلك، خاصةً وأنت تمتلك الدافع للانتقام، الذى يسمى – تجمُلاً – المعاملة بالمثل، أما خُلق الترفع والسمو فمرحلة من النضج تحتاج إلى وقت يطول ويقصر بحسب الجهد المبذول فى الارتقاء إليه.
3 – يعتقد البعض أن نجاح الكثيرين المشهود لهم من الإخوان كرجال أعمال وإدارة ينبئ عن احتمالية عالية لنجاحهم كساسة ورجال دولة، وهو استنتاج على قدر من المعقولية، ولكن هناك فرقا بين أن تدير مؤسسة خاصة بك، تمتلكها ولك ريعها، ولورثتك من بعدك، وأن تدير مؤسسة ليس لك من ريعها إلا ما كان مجداً أدبياً، أما ما كان عائداً مادياً فأنت أمامه أجير أو خادماً عند ملاكها الكثر. ونجاح رجال الأعمال الإخوان ليس له ما يوازيه فى سياستهم الحالية، بل ويمارسون منهج سابقهم الفاشل المنحل فى محاولة إنعاش الاقتصاد بالقروض (قرض صندوق النقد نموذجاً)، والضرائب (ضريبة المكالمات الهاتفية نموذجاً)، والشحاذة (حملات التبرعات نموذجاً) و.. ولنسألهم: عندما قلتم الإسلام هو الحل هل كنتم تقصدون الحلول التى كان ينتهجها الحزب الوطنى باعتبار أن رجاله كانوا مسلمين أيضاً، أم أن منهج الإسلام به حلول لإنعاش الاقتصاد تقوم على الزراعة والصناعة والتجارة، وما يؤهل لها من تعليم وصحة وعدل، ولكنكم لم تبذلوا جهداً كافياً فى استخلاصها وصياغتها فى برامج محددة، أم افتقدتم الرجال ذوى العلم والفهم القادرين على صياغة السياسة المستقبلية، أم مشغولون بلعبة الانتخابات؟!!.
4 – الدين- أى دين- عقيدة وشريعة، وعندما تقف منادياً بعقيدةٍ ما فإنك ستجمع حولك جمهوراً ما، يقل ويكثر بحسب فصاحتك، وحماسك، وقوة تأثيرك فى الناس، وعوامل أخرى ليس من بينها سلامة عقيدتك، فعندما تقف بين الناس منادياً بشريعةٍ ما فجمهورك يزيد وينقص بقدر ما فى دعوتك من وسائل تكفل لهم الحياة الكريمة والعيش الآمن، فضلاً عن الرفاهية وطيب العيش، وعندما تعد الناس باسم الدين بالحياة الكريمة والعيش الآمن– والدين من عوامل الألفة للقلوب – فإنهم سيلتفون حولك ويناصرونك، ولكنهم عندما يجوعون تحت إمرتك، سيكفرون بك وبما جئت به بأسرع مما أيدوك.
5 – عندما تدّعى أنك القائم على تطبيق شريعة الله فى الأرض دون الآخرين فإنك ربما تكون محمِلاً نفسك فوق طاقتها، لأن فشلك فى تحقيق حقوق الناس لدى ولى الأمر فى العيش الكريم، سيدفعهم لليأس من جدوى الشريعة، فالجوع كافر، بمعنى أن الجوع يدفع إلى الكفر، وتكون صاداً عن دين الله من حيث أردت أن تكون هادياً إليه لكونك بنيت منهجك على خلط واضح بادعائك أنك القائم على تطبيق شريعة الله فى الأرض، جاهلاً أو متجاهلاً أن ما تقوم به أنت هو تأويلك – فهمك – لدين الله لا حقيقة مراد الله، بدليل أن أصل دين الله محدد وواضح، قرآن وسنة، والقرآن محفوظ بإقرار الله بذلك، والسنة معظمها متواتر، وبالتأويل أصبح هناك سنة وشيعة، وصوفية وإخوان وسلفية و.. منبعهم واحد وطرقهم متشعبة.
6 – بين عشية وضحاها أصبح الإخوان فى مقدمة الركب، دون إعداد كاف، ودون استقراء جيد للواقع، فاتسمت سياستهم بالتخبط والارتجال، فأول الرقص حنجلة كما يقولون، والاختبار الذى يصبح عنده الإخوان على المحك هو : كم ستطول مرحلة الحنجلة السياسية تلك قبل أن يدخلون مرحلة احتراف السياسة، ولا تقتصر براعتهم فى احتراف الانتخابات، فالشعب الذى صبر قرونا على الظلم والإخفاق، يضيق بوعد الـ100 يوم، فهل يدرك الإخوان أنهم مرحلة فى عمر الديمقراطية فى مصر؟
7 – أصحاب الثورة الحقيقيون موزعون بين شهداء رحلوا، وأحياء تشرذموا وتفرقوا، وما تآلف منهم توزعوا على عدد من الأحزاب والكيانات الصغيرة التى يستعصى عددها عن الحصر، وتعجز قوتها عن المنافسة، ولكن المرحلة التالية من عمر الديمقراطية سيتم خلالها – بعفوية إن لم يكن بتخطيط – انتخاب حزباً أوضح رؤيةً وأقوى تأثيراً وأقدر على المنافسة، وعندها يصبح الإخوان أمام منافسة حقيقية، وتصبح تجربة الديمقراطية فى مصر قد بلغت مرحلة الرشد.
أيها الأخوان : أمامكم فرصة عظيمة لم يكن يحلم بها أكثركم تفاؤلاً، ولا جدوى من الادعاء بأنكم قد حصلتم على فرصة منقوصة، وأنكم تواجهون معوقات كثيرة، فليس من الطبيعى ولا المنطقى أن تشترط أن تكون وحدك فى الملعب لكى تجيد اللعب، فخلفاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أرسوا قواعد أعظم دولة فى التاريخ وسط معوقات أضعاف أضعاف ما يواجهكم، ولنا فيكم آمال كبيرة، هذه الآمال هى التى دفعتنا لانتخاب مرشحيكم، واعلموا أن نجاحكم لصالحنا، وفشلكم – لا قدر الله – لكم وحدكم، لأن مصر لن تموت بفشل الإخوان، والثورة التى مكنت الإخوان ما زالت مستمرة، وكما مكنت الإخوان لا مانع لديها من تمكين الليبراليين أو الاشتراكيين وكل من تجد فيه أملا يكون فى صالح شعب مصر، وتذكروا أن أحكام التاريخ بقدر ما تكون مجيدة تبعث على الفخر فى بعض الأحيان، فإنها قاسية، مخزية، تورث صاحبها الخزى والهوان فى كثير من الأحيان ولكم فى الماضى القريب العبرة والعظة.
شعار الإخوان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
م/محمود
اصبت
مقال رائع وتحليل ممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
mm
بدون تعليق
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد على
الله مع الحق
عدد الردود 0
بواسطة:
جى جى
مقال رائع .
ارجو ان يستوعبوه
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى
بتوع ربنا والحلول التي يوفرها الدين
عدد الردود 0
بواسطة:
هاني
تاكيد
السلام فعلا به حل لكل شئ
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن
أخطأت
عدد الردود 0
بواسطة:
م
أيها الإخوان ؛ إياكم والأيدي المرتعشة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي مصطفى
للتعليق رقم 7