د. رضا عبد السلام

صعيد مصر... المنسى قبل وبعد الثورة!!

الجمعة، 12 أكتوبر 2012 05:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أود أن أشير بداية إلى حقيقة عالمية؛ ألا وهى: أنك لو نظرت على خارطة العالم ستجد أن الشمال دائماً متقدم عن الجنوب، سواء على مستوى العالم ككل أو على مستوى كل دولة!! فعلى مستوى العالم تجد أن دول الشمال – بوجه عام – متقدمة كدول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة واليابان وكندا، فى حين أن دول الجنوب تعايش التخلف سواء فى أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا...إلخ.

وحتى داخل كل دولة – وبوجه عام أيضاً - تجد أن شمال بريطانيا أكثر تقدماً من جنوبه وهكذا فرنسا وإيطاليا، وحتى على مستوى الدول النامية، تجد أن شمال لبنان – مثلاً - أكثر تمدناً من جنوبه، وكذلك كافة دول الشمال الأفريقى، وحتى على مستوى القرية الواحدة، غالباً ما تجد أن شمال القرية أو مدخلها أكثر تقدماً من باقى أرجائها... ومن المؤكد أن هناك تفسيراً لهذه الظاهرة، فأدعو كل ذى شأن لأن يدلى بدلوه.

ولكن ما عرضت له أعلاه ليس قدراً محتوماً، فالكثير من دول الجنوب استطاع الخروج من براثن التخلف، كجمهورية جنوب أفريقيا، والكثير من دول النمور الأسيوية وها هى البرازيل توشك أن تقلع بطائرتها ومعها تركيا والكثير من الدول الناهضة حتى فى أفريقيا.

أعود إلى صعيد مصر، وما أدراك ما صعيد مصر، فقد أساء المصريون التعامل مع الصعيد وأهله، حيث بقى الصعيد كماً مهملاً يغرق فى البطالة والفقر وغياب الخدمات والمرافق العامة، كالتعليم المحترم والخدمات الصحية التى تليق بالبشر والطرق والاتصالات...إلخ.

ولهذا لم يكن غريباً أن يشكل صعيد مصر بيئة طاردة لأبنائه! أنا على يقين تام بأنك لو أجريت تحليلاً لأرقام الهجرة (الداخلية والخارجية) ستجد أن جل المهاجرين هم من أبناء الصعيد، الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فتركوا أسرهم وأقاربهم وأحبتهم، وساحوا فى الأرض بحثاً عن لقمة العيش الحلال! الملاحظة الثانية، أنه بسبب ضيق الحال وعدم القدرة على شراء عقد عمل بالخارج، يلجأ أبناء الصعيد فى أغلبهم إلى الهجرة الداخلية، للعمل فى أعمال السخرة فى مدن وجه بحرى، وأعتقد أن هذا مشهد مألوف بالنسبة لنا جميعاً!!

كان من الطبيعى فى ظل هذا الإهمال وغياب المشروعات والتجنى على أبناء صعيد مصر أن يعايش أبناء الصعيد أعلى معدلات الفقر، وأعلى معدلات الأمية، ومن ثم أعلى معدلات البطالة، وبالتالى دائرة مفرغة وطويلة من التدمير لهذه القطعة الثمينة والغالية من أرض مصر.

وللمزيد من الإذلال والبهدلة لأهل الصعيد، فإن على كل فرد منهم أن يسافر لمئات الأميال، فى قطارات متهالكة وغير آدمية (وعلينا أن نتذكر قطارات الموت فى صعيد مصر)، إلى مدينة القاهرة لقضاء المصالح فى الوزارات المركزية البيروقراطية، فلم تكلف الحكومات المتعاقبة نفسها وتنشئ وحدات لا مركزية تخدم أبناء الصعيد على أرضهم. لابد وأن نحط من قدره ونذله لكى يحصل على الخدمة!!

كان هذا هو الوضع السائد قبل ثورة 25 يناير، واعتقدنا أن الوضع سيتغير إلى الأفضل بعد ثورة 25 يناير، ولكن هيهات...فاقد الشىء لا يعطيه. نعم... فاقد الشىء لا يعطيه. فبعد نحو عامين على قيام الثورة، لم يجنِ أبناء الصعيد سوى وعوداً جوفاء ماركة "حسنى مبارك"!!

يا سادة، يعرف الأدب الاقتصادى وفكر التنمية الاقتصادية ما يسمى بالتنمية المتوازنة بين المناطق، أى أن تحقيق التقدم والاستقرار الاقتصادى والاجتماعى يتطلب إعطاء مختلف مناطق الدولة ذات المستوى من الاهتمام، وإلا فإن للتنمية غير المتوازنة تبعات جسيمة، تؤثر ليس فقط على المناطق المحرومة، ولكن أيضاً على المناطق التى تحظى بالاهتمام الأكبر.

فنتيجة لتركز اهتمام الدولة خلال العقود الغابرة على محافظات ومدن وجه بحرى، وخاصة المدن الكبرى، تدفق الملايين من المناطق المحرومة من الخدمات، سواء فى الصعيد أو فى القرى، على المدن الكبرى كالقاهرة والجيزة والإسكندرية والمنصورة...إلخ. شكل هؤلاء الهاربين من الفقر أحزمة عشوائية حول تلك المدن، وهى ما نطلق عليها الآن العشوائيات. وما أدراك ما العشوائيات؟! فكافة صور الجريمة تنشأ وترتكب فى هذه المناطق، وبسبب الشعور بالظلم الاجتماعى يتحول هؤلاء إلى أعداء للمجتمع...إلخ. لذا كان على المجتمع أن يدفع ثمن هذا الظلم!

كما ذكرت فى مقال سابق، لا يمكننى أن أنتظر الكثير من حكومة السيد هشام قنديل، فهى حكومة متواضعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وخاصة فى بلد عاش ثورة وحلم حلماً كبيراً لمصر ما بعد الثورة، ولهذا نتمنى، بعد أن تجرى الانتخابات البرلمانية، أن تتشكل حكومة على مستوى الحدث، حكومة تشرع على الفور بتشخيص مشكلات مصر، ومنها مشكلة التنمية غير المتوازنة، وتحديداً مشكلات صعيد مصر، وما يتطلبه من مشروعات تنموية، تقود فى النهاية إلى استقرار أبناء الصعيد على أرضهم وبين ذويهم، ليحيوا حياة كريمة شأنهم شأن باقى خلق الله، والله الموفق.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة