ثلاث سنوات مرت على رحيله، وبالرغم من ذلك فإن حضوره مازال قويا، وربما أقوى من تأثير بعض الأحياء. إنه المفكر والكاتب الراحل محمد السيد سعيد الذى تحل هذه الأيام ذكرى رحيله الثالثة، فهو من مفكرى الصناعة الثقيلة، القادرين على إحالة القضايا الصعبة إلى أفكار مفهومة وشعبية لا تفقد عمقها.
محمد السيد سعيد نموذج للمفكر الليبرالى بالرغم من أنه لم يخف أبدا يساريته وإيمانه بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، يتمسك بالليبرالية ومبادئ الحرية الاقتصادية والسياسية، ويدافع عن الحق فى التعبير والتفكير والتجربة والخطأ، نجح لسنوات فى تبسيط الأفكار الصعبة وإعادة مناقشة وطرح المسلمات بتوجيه الأسئلة المهمة، وهى ميزة للمفكر الحقيقى والكاتب المخلص للفكرة.
وعند رحيله قلنا إنه من الصعب أن تجد إجماعاً أو ما يشبه الإجماع على شخص فى هذا الزمن، الذى يميزه الخلاف الواسع، يتفق خصومه مع أنصاره وأصدقائه على أنه مفكر نبيل لم يُر مرة يضرب من الخلف أو يستخدم عيوب خصمه الشخصية فى خلاف فكرى.
مرات عديدة كانت كتابات وأعمدة محمد السيد سعيد تمثل نوعاً من الرياضة العقلية، حيث لا تكتفى بالقشرة وتنفذ للعمق من خلال أسئلة وأطروحات كاشفة، وتحليلات قدمها سواء فى الأهرام التى حلل فيها ارتباط الفقر بالجريمة، وأثبت عدم وجود رابط وأن جرائم الفساد والرشوة ونهب المال العام والبنوك يرتكبها أثرياء بما ينفى الربط بين الفقر والجريمة.
كما أنه قدم تحليلات مهمة لحركات الاحتجاج وشباب الفيس بوك والإنترنت، وحركة 6 إبريل وغيرها. وامتلك الشجاعة فى مواجهة المسؤولين الكبار، وله قصة معروفة فى معرض الكتاب، عندما التقى الرئيس السابق مبارك، وتحدث أمامه بما يعتقد أنه يجب أن يذهب لصانع القرار، فأضاف لدور المثقف بعداً مهماً وعميقاً. ولم يبال بالثمن الذى يدفعه. أسس سعيد جريدة «البديل»، إحدى التجارب المهمة فى الصحافة المصرية اليسارية، وأخلص للتجربة، ومنحها كل وقته وجهده، ولما تشكلت التجربة لم يصر على امتلاك خيوط السلطة، بل تركها لجيل شاب يثق به فى وقت يصعب على كثيرين ترك مواقعهم.
لهذا فإن محمد السيد سعيد من الآباء المؤسسين للثورة، والتغيير الذى يتجاوز إسقاط النظام الظالم، واستبدال وجوه بوجوه، لكنه يفهم التغيير ضمن منظومة للبناء، وكم كان وجود محمد السيد السعيد مهما، فى مرحلة انتقالية صعبة، وربما على بعض الظواهر الصوتية أن يتعلموا منه كيف تكون الشجاعة فى محلها.
كل هذه الصفات تجعل من المفكر الراحل الدكتور محمد السيد سعيد علامة فارقة ودرساً يبدو غائباً فى زمن تعمه الفوضى والعشوائية. ومازالت دروس محمد السيد سعيد متاحة كمفكر ثورى حقيقى لم يكن ينتظر مقابل كفاحه، بل هو على استعداد لدفع الثمن.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
محمد السيد سعيد.. نبلاء حاضرون حتى وهم غائبون
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
الطيور علي اشكالها
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير رامز
رقم 2 ولا انت فاهم حاجة
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور مهدي عبد الفتاح من السعودية
اشكرك على هذا المقال الجامع المانع
عدد الردود 0
بواسطة:
بهاء محمود
مفكر عظيم
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
الي رقم 3 سمير زاهر