أحمد عبد الونيس يكتب: ما بعد المائة يوم

الخميس، 11 أكتوبر 2012 09:17 ص
أحمد عبد الونيس يكتب: ما بعد المائة يوم الرئيس محمد مرسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهت المائة يوم الأولى من ولاية الرئيس محمد مرسى أول المنتخبين ديموقراطياً لقيادة الدولة المصرية عبر تاريخها، فترة عبرت عن جوانب مشرقة فيما لم تخل من منغّصات وسلبيات، بعثت بمزيج من مشاعر الأمل والقلق على مستقبل الدولة والمجتمع المصرى.

فإذا تناولنا الحسنات فى المائة يوم، فلا شك أن التحلل من القبضة العسكرية التى أمسكت بزمام الحكم طيلة عقود مضت كانت أكبر وأعظم الحسنات التى سينسبها التاريخ للرئيس مرسى، فى حين أحجم كثيرون ممن آمنوا بالثورة عن انتخابه فى مواجهة آخر رؤساء وزارات مبارك، ظنا منهم أن مرسى سيهادن العسكر وسيتقاسم معهم السلطة، وفى أحسن التقديرات سيمنحهم خروجاً آمناً يحصنهم من المساءلة، فاجأ الجميع بإقالات متتالية للقيادات العسكرية وعين محلهم من لا يعنون أنفسهم بالسيطرة على زمام الحكم، وألغى الإعلان غير الدستورى المكبل. عملية جراحية معقدة تمت بأيدٍ ماهرة عبرت عن حنكة وقدرة سياسية بالغة. وبهذه الخطوات يكون قد تحقق هتاف "يسقط يسقط حكم العسكر" ونالت مصر ما حلم به شبابها من تأسيس نظام ديموقراطى تكون فيه السلطة للشعب فقط بدون وصاية فوقية، ويكون تاريخ موافقة الشعب على الدستور الجديد هو شهادة الميلاد الحقيقية للدولة المصرية المدنية الديموقراطية الحديث كما يردد الرئيس دائماً فى خطاباته.

على صعيد آخر ظهر جلياً التغيُّر فى السياسة الخارجية للدولة المصرية، فمصر التى كانت كنزا استراتيجيا لإسرائيل، وخادما طيِّعا لسياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط لم تعدْ كذلك، وعكس مستوى الخطاب الرسمى للرئيس خلال تنقلاته ورحلاته الخارجية قدراً من رد الاعتبار لمصر التى قُزّمت وهُمّشت منذ تاريخ توقيع كامب ديفيد وحتى الفترة الانتقالية التى أدارها العسكر. وبشكل لا تخطئه عين، أصبحت مصر تشكل صداعاً للغرب ولإسرائيل ورقماً صعباً لايمكن تجاهله على خريطة المنطقة، فإسرائيل التى تغنت بمبارك أصبحت ترى خطر مصر عليها أكبر من خطر القنبلة النووية الإيرانية، والرئيس الأمريكى أعلن صراحةً أن مصر الآن لا يمكن اعتبارها حليفاً ولا عدواً. مواقف وتصريحات عبرت أن مصر فى عيون العالم قد تغيَّرت وستبنى علاقاتها مع دول العالم على الندية والمصالح المشتركة دون تفريط فى حقوقها، ودون الدخول فى صدامات تدخلها حيز الانغلاق وتكوين عداوات ربما ليست مستعدة لمواجهتها حاليا.
فى حين شكلت طريقة إدارة السياسة الداخلية العليا والخارجية جوانب مشرقة، ظهر العجز والفشل على مستويات أخرى.

فظهر التخبط والارتجالية والغياب الواضح للمعايير فى اختيار الشخصيات للمناصب الهامة فى دولة واضحاً، اللهم إلا على مستوى الشخصيات داخل المؤسسة الرئاسية وإن لم تحظ كلها بالتوافق الكامل.

فقد كان تشكيل الحكومة صادماً لمن انتظر حكومة ثورة، فوجدها مجموعة من الأسماء التى ارتبطت بحكومات سابقة وأسماء مجهولة مطَعَّمة بقليل من الشخصيات الإخوانية، التى حتى لم تكن من كفاءات الدرجة الأولى فى صفوف الجماعة نفسها. فى حين كانت حركة المحافظين إخوانية فى المجمل بنكهة فلولية فى بعض المحافطات. اختيارات لم تكن الكفاءة معيارها المباشر وعكست تغليب الانتماء والولاء على القدرة والكفاءة، وعبرت عن عشوائية وغياب المعايير المحددة فى الاختيار. وحتى بعد تعيين المحافظين الجدد استمرت مشاكل المحافظات ولم يستطع هؤلاء التغلب على عصابات البيروقراطية المنظمة ووكلاء الوزارات الفاسدين القابضين على شئون المحافظات.


يبقى مصدر القلق الأكبر هو استمرار الانحيازات الاقتصادية للنظام المباركى -وإن لم تخلُ من محاولات لتحجيم الفساد-. فمطالب العدالة الاجتماعية وإعادة هيكلة المرتبات وأنظمة الضرائب لم ترَ النور بعد، مع اتجاه واضح للاستثمارات على حساب المشاريع القومية، وغياب كامل للابتكارية، واستمر إحكام قبضة رجال الأعمال على الاقتصاد المصرى ومساواتهم وشركاتهم فى الدعم مع المواطن البسيط الذى لم يعد يحتمل المزيد من الوقت لتحقيق حاجياته الأساسية فى الحياة الكريمة. يعزز هذا القلق فشل الإدارة الحالية فى الوفاء بالوعود التى كانت قد قطعتها على نفسها خلال المائة يوم الأولى المتمثلة فى خمسة ملفات رئيسية، مع تحسن ملحوظ فقط على المستوى الأمنى خاصةً فى محافظات الوجه البحرى. أدرى أن الإسراف فى الوعود الانتخابية لم يكن من جانب الرئيس الحالى فقط وشمل كل المرشحين، وربما لو تولى أحدهم محله الآن لما حقق أكثر مما تحقق، وأدرى أن حل هذه المشاكل ربما يحتاج لمزيد من الوقت، لكن إذا لم تكن واثقاً من القدرة على حلها فلماذا وعدت وقيدت نفسك بزمن غير كاف؟!

يبدو أن أرجُل الرئيس مرسى ورجال حزبه قد غاصت فى مستنقع البيروقراطية المباركية ولم يجدوا بعد وسيلة تجاوزها إلى بر الأمان. وإن لم تكن المائة يوم هى النهاية بالتأكيد، فإن الرئيس يملك من الوقت ما يسمح له بوضع بصماته وإثبات قدرات نظامه، غير أن هذه الشعب الذى صبر كثيرا لن يحتمل الصبر إلى الأبد وقد ينفجر البركان فى أى لحظة ما لم يلحظ تحسنا مقبولا ومباشرا على معيشته اليومية. فهل يدرك النظام الحالى ذلك قبل فوات الأوان؟!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة