د. حسـن عبد الحميد الدراوى يكتب: أنهارُ الـدم.. مَـنْ يوقفها؟

الإثنين، 01 أكتوبر 2012 11:07 ص
د. حسـن عبد الحميد الدراوى يكتب: أنهارُ الـدم.. مَـنْ يوقفها؟ مذابح الشعب السورى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قتلى فى الشوارع بلا حساب.. فى درعا وحمص وجبلة، وفى كل المدن السورية، والدبابات تجتاح المدن الثائرة، وتمعن فى القتل والقصف، وهو ما يعتقد النظام أنه سيُلقى الرعب فى قلوب الناس، ويدفعهم إلى التوقف عن التظاهر والمطالبة بالحرية.

إن الشعب السورى الأبىّ يتظاهر فى يوم الغضب وفى كل يوم.
وموسكو تحتضن نظام الأسد على حساب دماء شعبه، زاعمةً أن الأصوليات قد تحكم فى سوريا إذا سقط الأسد، وكأن هناك ما هو أسوأ من نظام الأسد.
روسيا تقول: إن العمليات الإرهابية التى تنفذ ضدها فى القوقاز باسم "القاعدة" تنطلق من إيران، ثم تحذر من سيطرة الأصوليات السنِّية على سوريا. فلماذا هذا التناقض؟
روسيا تعتبر أن الإرهاب آتٍ من إيران، فيما تراه سنِّيّاً فى سوريا؟ تناقض عجيب.

بل الأكثر سوءاً هو أن هناك من يحذِّر من تأثير حكم السنَّة فى سوريا على مصير المسيحيين فى لبنان، وكأن السنَّة فى حقبة الاستقلال قد اضطهدوا المسيحيين، سواء فى سوريا أو لبنان، فالسنَّة حكموا سوريا حتى عام 1970. فمتى اضطهدوا مسيحيّاً؟ والمسيحية السياسية فى لبنان متى استُهدفت؟

ألم يبدأ ضربها ميدانيّاً بنيران جيش الأسد اعتباراً من حرب المائة يوم فى عام 1978 حتى سقوطها فى عام 1990، وأيضاً بنيران جيش الأسد.


يخطئ بشار الأسد إذا اعتقد أن بوسعه تكرار ما فعله والده مطلع الثمانينيات حين اجتاح مدينة حماة وقتل فيها عشرات الآلاف؛ لأن الزمن الحالى يختلف كثيراً من حيث القيم الإنسانية، ومن حيث الوضع الدولي، ومن حيث الفضاء الإعلامى المفتوح، ومن حيث الربيع العربى، وهو الأهم، حيث يقوم الإعلام بتجييش الرأى العام العالمى ضد القتلة فى أى مكان فى العالم، ويدفع الجميع (قناعة أو خجلاً) نحو تعامل من نمط آخر معهم، فى الوقت ذاته الذى يدفع الناس نحو مزيد من الانفجار والثورة.

لن يتمكن القتلة من تنفيذ مهمتهم دون حساب، فالكاميرات ستكون لهم بالمرصاد، وستضع الحقيقة بين أيدى الناس فى الداخل والخارج، والنتيجة أن الأيدى الملطخة بالدماء ستدفع الثمن غالياً من دون شك.

الجانب الآخر فى المشهد، والذى لا يقل أهمية، هو الفارق بين الزمنين، من حيث إن الأسد الأب كان يواجه تمرداً مسلحاً يتلقى دعماً ولو محدوداً من الخارج، ولم يكن سراً أن بعض الدول العربية كانت تدعم ذلك التمرد، بينما تتسامح دول غربية معه من حيث جمع التبرعات، أما اليوم فلا سلاح ولا رصاص، بل أيادٍ بيضاء ووجوه بريئة وأفواه طاهرة تهتف للحرية لا أكثر.

إن محاولة النظام نقل الحراك الشعبى إلى مربع التمرد المسلح لم تفلح حتى الآن، ولن تفلح بإذن الله، حتى لو واصل التليفزيون السورى بث صور جنازات الضباط والجنود للمشاهدين على نحو تراجيدى والأرز ينثر عليها، إذ يعلم الجميع أن من قتل من هؤلاء لم يُقتل بأيدى الناس المنتفضين، وإنما بأيدٍ مدسوسة نتجت عن اختراق مجموعات معينة سبق أن تعامل معها النظام إبان حرب العراق، هذا فى حال كانت الجنازات حقيقية من الأصل.

لقد قلنا غير مرة: إن هناك محاولات محمومة من قبل النظام لعسكرة انتفاضة الشعب السورى لتسهيل قمعها وتكرار النموذج الليبى على نحوٍ ما، وتحدثنا عن الآليات التى سيستخدمها فى السياق، وقد تحقق ما قلناه، وها هو يدخل بدباباته إلى كل المدن فى ظل "بروباجندا" تتحدث عن مواجهة تمرد مسلح وليس انتفاضة شعبية.

وفى ضوء المعادلة الآنفة الذكر لن يكون بوسع النظام أن يقتل الناس من دون حساب، كما أن الشعب السورى الذى كسر حاجز الخوف لن يتوقف عن سعيه للحرية، وهنا تحديداً ينهض فارق مهم آخر عما جرى مطلع الثمانينيات يتعلق بالإجماع الذى تحظى به الانتفاضة الحالية فى صفوف الشعب السورى، وإذا حاول النظام تسويق مقولة إن أكبر مدينتين (دمشق وحلب) لم تلتحقا بالثورة، فإن هذه المعادلة لن تلبث أن تتلاشى، فقد التحقت المدينتان بباقى المدن السورية، مع العلم بأن الكثير من المناطق فى دمشق قد التحقت بالفعل.

فالخوف من نظام أمنى موغل فى القمع هو سـببٌ حقيقى لتلك الانتفاضـة، لكن ما إن يبدأ الحراك حتى يغدو كالطوفان الذى لا يوقفه أحد، وهذا ما وقع فى سائر المدن الأخرى كما تابع الجميع.

أما الجيش السورى، فإن موقفه اليوم بالغ الحساسية، ذلك أن تورطه فى لعبة قمع الناس سيكون جريمة فى حق سوريا وأهلها، وعلى كل فرد فيه أن يرفض إطلاق النار على أهله مهما كان الثمن، ولأن يموت شهيداً خير له من يطلق النار على أبناء شعبه، وعليه أن يأخذ العبرة والعظـة من جيش مصر الأبى الذى لم يُطلق رصاصة واحدة على من انتفض وطالب بالتغيير والثورة.

يبقى القول إن تردد بعض الفعاليات الشعبية والكتاب والمثقفين العرب فى إدانة القتل الهمجى فى سوريا، لا يمكن أن يكون مقبولاً بحال، وإذا تفهمنا ذلك فى حق بعض قوى المقاومة خارج سياق الدفاع والتبرير فإن الأمر يبدو مختلفاً فى حق الآخرين؛ لأن الأصل هو الانحياز لحرية الشعوب أياً كانت طبيعة النظام، بل إن المقاومة والممانعة تستدعى منح الحرية للناس وليس قمعهم، ومن يَقُدْ جيشاً من الأحرار الذين يحبونه ويقتنعون بقيادته فسيكون أقدر على صناعة الانتصار ممن يقود جيشاً من العبيد.

وتقوم مصر الآن بدورها التاريخى فى الحفاظ على تلك الدماء من أن تُهدر فعُقد اجتماع ضم المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران ومصر؛ لمناقشة كيفية إنهاء القضية السورية، وهو اجتماع سيتضمن حليفاً إقليمياً إلى جانب معارض لدمشق.

مع أن إيران تدعم الرئيس السورى بشار الأسد، الذى يقاتل جيشه وقواته الجوية الثوار لمدة 17 شهراً، فى المقابل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر قد طالبت بنهايةٍ لحكم الأسد.

إنَّ العلاقة المتميِّزة بين روسيا والصين تجعل موقفهما موحداً تجاه القضايا الدولية بشكل عام وتجاه القضية السورية بشكل خاص، ومن ناحية أخرى العلاقة الاقتصادية بين الصين وأمريكا تعود بالفائدة على كلتيهما، حيث يتم تصنيع كثير من التقنيات الأمريكية وغيرها فى الصين بسبب الفارق الكبير فى أجور الأيدى العاملة، مما يؤدى لتخفيض سعر السلع الأمريكية فى الأسواق العالمية، ويفتح فى الوقت نفسه فرصاً للعمل لدى الصينيين، وهاتان قضيتان يتجاهل الكثيرون قوة تأثيرهما على العلاقات الدولية، وعلى هذا فإنَّ حل القضية السورية المعقدة يتطلب إيجاد معادلة توافقية بين كلٍّ من واشنطن وموسكو وبكين، وهى تعد كافية للخروج من الأزمة السورية دون تفاقم الخسائر أكثر مما هى عليه الآن، ولا يعود هنالك من ذريعة لدى النظام السورى للتهديد باستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التى قد تؤدى إلى حرب عالمية.

تحيتى وتقديرى وتمنياتى لشعب القُطر الشمالى من الجمهورية العربية المتحدة بأن يسترد قوته وعافيته ويبسط نفوذه على كامل ترابه بعيداً عن القهر والظلم.. تحية لكل من يقول للحرية أهلاً وسـهلاً، وللحب بين كل الشعوب أهلاً وسـهلاً.






مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

احسان

القضية أكبر بكثير

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالله الدراوى

مصر هى الهدف

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة