إن منطقة الشرق الأوسط الآن أصبحت منطقة صراعات، تشهد انهيارا وتساقطا دراميا للأنظمة العربية التى تحكم هذه المنطقة المؤثرة من العالم وفى الصميم حركته، وتشهد محاولة تشكيل أنظمة سياسية تقوم على أساس ديمقراطى.
الولايات المتحدة كدولة عظمى لم تتوقع حدوث مثل هذه الثورات، وهى الآن تراجع سياستها فى المنطقة لضمان عدم تأثر مصالحها وسلامة وجود دولة إسرائيل. اندلاع الثورات أدى إلى ظهور مركز قوى جديد يؤثر فى مراكز اتخاذ القرارات، وهم ما يسمون القوى الفاعلة غير الحكومية، والشعوب الآن أصبحت فوق الأنظمة لأن أى نظام لكى يضمن بقاءه يجب أن تؤيده هذه القوى، وهو بدوره سيؤثر على السياسة الخارجية للدول.
العلاقات المصرية الإسرائيلية تأثرت فى ظل المتغيرات الجديدة عن سابق عهدة، حيث إن إسرائيل كانت تتعامل مع الأنظمة فقط من أجل حماية أمنها القومى وعزل الدولة المصرية عن مشاكل الشرق الأوسط وتحييدها عن الصراع العربى الإسرائيلى، ومبارك كان حليفا استراتيجيا لإسرائيل، وعلى الرغم من فساد نظامه فهو أقنع الولايات المتحدة بأن بقاءه سيودى إلى استمرار السلام فى الشرق الأوسط، ومنع صعود الإسلاميين إلى السلطة، وفى المقابل كانت أمريكا تتغاضى عن أساليب القمع وانتهاكات حقوق الإنسان التى كان يستخدمها مبارك ضد المعارضة.
ولكن الآن المعادلة السياسية تغيرت، فهناك الآن أنظمة ذات مرجعية إسلامية تتشكل وتتمثل فى جماعة الإخوان المسلمين والكتلة السلفية وقوى فاعلة غير حكومية تضغط على مراكز اتخاذ القرار فى مصر، ولكن ماذا لو أرادت الأنظمة السياسية إسقاط معاهدة كامب ديفيد وأيدها الشعب المصرى، هل يمكن أن تدخل مصر فى صراع عسكرى مع إسرائيل؟
فى الفترة الأخيرة تأزمت العلاقات المصرية الإسرائيلية، خصوصا بعد أزمة سيناء واستشهاد بعض الجنود على الحدود، وبسب الغضب الشعبى العام تعالت الأصوات بسحب السفير المصرى فى تل أبيب، وإقامة مليونية لطرد السفير، بل وصولا إلى إلغاء معاهدة السلام، ومن هنا يجب علينا أن ندرك الحقائق التاريخية التى مرت بها مصر.
القيادة السياسية المتمثلة فى الرئيس الراحل أنور السادات اتخذت القرار المصيرى بشن أول عملية هجومية ناجحة على إسرائيل فى 6 أكتوبر 1973 وإننا يجب أن تعترف بذلك، ولكنة أيضا ارتكب أخطاء جسيمة فى إدارة الحرب أدت إلى تحويل مسارها، وبدلا من أن يكون انتصارا ساحقا لقواتنا المسلحة فى حدود الخطة الموضوعة، كان حدوث الثغرة وحصار الجيش الثالث الميدانى لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، ولم تكن المفاوضات من موقف قوة، بل كانت من أجل إنقاذه، وكان هذا هو السبب الرئيسى فى استرداد سيناء بسيادة منقوصة تمنع التواجد الكبير الجيش المصرى بها. أيضا الرئيس السادات هو من اتخذ القرار المصيرى بالذهاب إلى إسرائيل لإقامة سلام دائم وعادل مع الدول العربية، وكانت فرصة لن يجود بمثلها الزمان نتج عنها رجوع سيناء كاملة، واستمرار السلام لأكثر من ثلاثين عاما.
موازين القوى العالمية فى تلك الحقبة التى شهدت على الصراع العربى الإسرائيلى من حرب النكسة 1967وحتى معاهدة كامب ديفيد فى 1978، هى التى تدخلت فى تغير مسار الصراع مع إسرائيل، كان النظام العالمى فى تلك الفترة ثنائى القطبية بين الاتحاد السوفيتى حليف العرب، والولايات المتحدة حليف الكيان الصهيونى، والقيادة العسكرية المتمثلة فى رئيس أركان حرب الجيش المصرى الفريق سعد الشاذلى فى ذلك الوقت وفى ظل استمرار تدفق الدعم العسكرى من السوفيت لم تستطع وضع خطة شاملة لتحرير سيناء كاملة بسبب ضعف إمكانياتنا الهجومية، وفى ظل تفوق الساحق للعدو على قواتنا المسلحة وخصوصا قواتها الجوية، وإنما استطاعت وضع خطة محدودة تتلخص فى عبور قناة السويس والسيطرة على مسافة خمسة عشر كم داخل سيناء، لتحويل الحرب إلى حرب استنزاف كبرى لإنهاك اقتصادها بسبب استمرار التعبئة العامة للجيش، ولإجبارها على الدخول فى مفاوضات.
وبعد مرور أكثر من أربعين عاما على حرب أكتوبر المجيدة، وسقوط حليف العرب الاتحاد السوفيتى وتغير موازين القوى العظمى وتحول العالم إلى أحادى القطبية، وهيمنت الولايات المتحدة على العالم كقوى عظمى، موازين القوى العسكرية بين مصر وإسرائيل لصالح الثانية فإن مصر ليست مستعدة فى حدوث أى مواجهة بينها وبين إسرائيل.
من هنا فإن معاهدة كامب ديفيد تصب فى مصلحته إسرائيل أكثر من مصر، وإن سيادة مصر على سيناء تكاد تكون منقوصة، وإننا يجب أن نسعى إلى تعديل بعض بنودها لكى تتناسب مع المتغيرات الحالية، وبما يصب فى مصلحة الأمن القومى المصرى، ولكن إذا أرادت التيارات الإسلامية والقوى الفاعلة غير الحكومية إلغاء معاهدة كامب ديفيد فذلك سيؤدى إلى انهيار السلام المصرى الإسرائيلى، وانتظروا دخول مصر إلى دائرة الصراع العسكرى مرة أخرى، ولن نجنى منه إلا ضريبة عالية من إزهاق الأرواح، وضياع للتراب المصرى، ومزيدا من الهشاشة والتدهور للاقتصاد المصرى، والذى سيودى إلى أن تكون مصر بين الدول الفقيرة.
وفى النهاية، إن أولويات المرحلة القادمة هى ترتيب البيت الداخلى، وإنهاء المؤامرات الداخلية، وإعادة بناء النظام السياسى والاقتصادى حتى يشعر المواطن بتأثير الثورة المصرية، التى قامت ضد القمع والفساد والفقر على وضعة المادى وإلا انتظروا ثورة الجياع.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
drdoora
لكك في لكك .........
لكك في لكك .........
عدد الردود 0
بواسطة:
mohsen
كلام كله صح الصح
عدد الردود 0
بواسطة:
هيما
مقال موضوعى
عدد الردود 0
بواسطة:
هنتوش
نعم .......كلامك صحيح
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود محمد معوض
انها الحقائق التاريخية
عدد الردود 0
بواسطة:
د.شوقي البسيوني
تخبط واضح !!
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود محمد معوض
تحية لاصحاب النقد البناء
عدد الردود 0
بواسطة:
د.شوقي البسيوني
ثم ماذا ؟ سيد معوض ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفي ابوزيد
لماذا هذا الهجوم الضاري ؟