عندما أسقطت ثورة 25 يناير الرئيس السابق حسنى مبارك وأجبرته على الرحيل، غادر المصريون الميدان، مطمئنين على ثورتهم، التى ضحوا من أجلها.. لم يخالجهم الشك، ولو للحظات، فى أن يخذلهم المجلس العسكرى، الذى تسلم الحكم، والذى اعتبرنا قراره بعدم إطلاق النار على المتظاهرين بمثابة مشاركة فى الثورة.
وبعد مرور عام تقريبًا، على ثورة 25 يناير، لم يعد موقف المصريين تجاه المجلس العسكرى، كما هو، بل انقسموا بين مؤيد ومعارض، متفائل ومتشكك، وأصبح موقف المجلس العسكرى، حتى بالنسبة للخبراء والمتخصصين، غامضًا ومحيرًا فى كثير من الأحيان، ومثيرا للتساؤلات، حتى أصبحنا نقيم أى تصرف من تصرفات المجلس وفق احتمالين "حسن النية" و"سوء النية"!!
التيار المتفائل يرى أن المجلس العسكرى مؤمن بأهداف الثورة ولديه رغبة حقيقية فى تسليم السلطة، وكل ما فى الأمر أنه يخشى من أن يؤدى الاستئصال السريع لأركان وأذناب النظام السابق إلى انهيار الدولة بأكملها، ويستند هذا التيار فى رؤيته المتفائلة إلى أن المجلس العسكرى بدأ بالفعل مسيرة تسليم السلطة بإجرائه الانتخابات البرلمانية.
التيار الآخر، والذى فقد الثقة فى المجلس العسكرى، أو على الأقل بات متشككًا فيما يحدث، يرى أن المجلس يسعى لإطالة الفترة الانتقالية، حتى تطغى الرغبة فى الاستقرار لدى عموم الشعب على الرغبة فى اقتلاع النظام السابق وإحداث التغيير، وحتى يخبو حماس القوى الثورية، تمهيدًا للبقاء فى الحكم.
ويدعم من رؤية هذا التيار القرارات البطيئة للمجلس العسكرى، وتلكؤه فى محاكمة رموز النظام والفاسدين وقتلة الشهداء، وفى نفس الوقت، ملاحقة الثوار وتشويه صورتهم واتهامهم باتهامات قاسية.
وبعيدًا عن مسألة "حسن أو سوء النية"، التى سيطرت على تفكيرنا، وجعلتنا إما ندافع عن المجلس العسكرى باستماتة، أو نهاجمه بضراوة، فإن توجهات وقرارات المجلس العسكري، منذ توليه مسؤولية حكم البلاد فى الحادى عشر من فبراير حتى الآن، يمكن فهمها وتفسيرها وإدراك أبعادها، من خلال 6 عوامل، هى:
1 ـ دور القوات المسلحة فى أى بلد، خلال فترات السلم، هو حماية حدود الوطن وحماية الشرعية، أى أنها "تحمى ولا تقوم بالتغيير"، باستثناء فترات "الانقلابات العسكرية"، التى تقرر فيها عناصر من الجيش التمرد، وهو مالم يحدث خلال حكم مبارك وحتى اندلاع الثورة، فلم يكن الجيش المصرى راغبًا فى التغيير، للدرجة التى تجعله يقوم بانقلاب، وإلا لفعلها منذ سنوات.
وحين اندلعت الثورة، فوجىء قادة الجيش بأن عليهم تحقيق أهداف الثورة، وكان على المجلس العسكرى أن يكون طرفًا محوريًا فى منظومة التغيير، وأن يتخذ العديد من القرارات المصيرية، لكنه تجاهل بعضها، وتردد فى تنفيذ بعضها الآخر .
2 ـ حين قرر المجلس العسكرى حماية الثورة كان يدرك أن شرعية مبارك كرئيس قد انتهت، لكن المجلس لم يستوعب بشكل كامل أن الشعب قام بالثورة على نظام فاسد وقمعى بكافة أركانه ورموزه وسياساته وليس على مبارك فقط، وأدى هذا الخلل فى رؤية المجلس العسكرى إلى بطء قراراته وعدم اتخاذه قرارات حاسمة وجذرية لتحقيق أهداف الثورة.
3 ـ على عكس ما قيل عن أن المجلس العسكرى كان على قلب رجل واحد فى إنحيازه للثورة، وإجباره مبارك على التنحي، فإن تصريحات القادة العسكريين، خلال الفترة من 28 يناير وحتى تنحى مبارك، تشير إلى وجود رغبة لدى البعض منهم فى بقاء النظام وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير مع إجراء بعض الإصلاحات.
4 ـ يتعرض المجلس العسكرى لضغوط من الداخل، وتحديدًا من تيار نخبوي، له علاقاته الوثيقة بالمجلس العسكري، والمنتمون لهذا التيار إما أنهم يتخوفون من سيطرة الإسلاميين على الحكم، وهو ما يعنى تطبيق برنامج سياسى لحاضر مصر ومستقبلها، يختلف عن البرنامج والرؤية التى يتبناها هذا التيار، وإما أن لأعضاء هذا التيار مصالح وطموحات سياسية يؤمنون أنها لن تتحقق إلا من خلال بقاء الحكم العسكري، فى ظل أن حجمهم الحقيقى بين الجماهير ضئيل، ومن ثم فإن خسارتهم فى أى انتخابات ستكون أمرا متوقعًا .
5 ـ تشير العديد من التقارير إلى أن هناك ضغوط من الخارج، حتى لا ينفرد الإسلاميون بالحكم، إذ تتخوف بعض الدول الغربية من أن يكون هذا النظام مهددًا لمصالحها ومعارضًا لسياساتها فى المنطقة أو رافضًا لعلاقات السلام مع إسرائيل، وبمعنى آخر، فإن المصالح الغربية قد تتحقق بصورة أفضل فى ظل بقاء المجلس العسكرى فى الحكم.
6 ـ يخشى المجلس العسكرى على وضعه، بعد الانسحاب من الحياة السياسية، وقد يخشى أن يتم التعرض لقياداته أو أن يسعى البعض لمحاكمتهم، وهو ما ظهر فى وثيقة المبادىء فوق الدستورية والتى اشتهرت بوثيقة "على السلمى"، إذ تضمنت هذه الوثيقة بندين يعطيان الجيش وضعًا فوق جميع مؤسسات الدولة المنتخبة، وهو أمر لا يمكن قبوله فى أى دولة ديمقراطية.
وفى ظل تلك العوامل، التى أرى أنها أهم، وليس كل العوامل، التى يمكن من خلالها تفسير سياسات وتوجهات المجلس العسكري، فإنه من المحتمل أن يكون هناك تياران داخل المجلس العسكري، تيار يريد تسليم الحكم سواء زهدًا فى السلطة وإيمانا بأن وظيفته الأساسية هى حماية البلاد والدفاع عنها، أو إدراكا لاستحالة البقاء والاستمرار فى الحكم، فى ظل أوضاع ما بعد 25 يناير.
أما التيار الثانى، فإنه لا يريد أن يتنازل عن الحكم بسهولة، سواء للحفاظ على امتيازاته وخوفًا من الملاحقة القانونية أو اقتناعًا بمبررات بعض القوى والتيارات بضرورة استمراره فى الحكم وعدم ترك البلاد للتيار الإسلامى.
وإذا كان التيار الثانى يستند إلى أن هناك فئات كبيرة من الشعب تؤيد المجلس العسكري، ومتعاطفة معه بحكم العلاقة التاريخية الحميمة بين الشعب المصرى والجيش، إلا أن هذا التيار تعرض لهزة عنيفة بعد أحداث شارع محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء، وأدرك أن ما يحلم به أمر عسير المنال، وأن طوفان الجماهير الثائرة لا يمكن أن يوقفه أحد إلا بعد أن تتحقق أهداف الثورة.
ولذلك، يجب أن ندرك أن الضغط على المجلس العسكرى من أجل تسليم السلطة، ليس عيبًا، بل هو أمر إيجابى فى هذه المرحلة، خاصة إذا وجدنا أن هناك تراجعًا عن تنفيذ الجدول الزمنى لتسليم السلطة أو التلكؤ فى تنفيذه، ولكن يجب أن نعى فى الوقت ذاته أن الضغط، حتى يؤتى ثماره، يجب أن يتحقق فيه شرطان.
الشرط الأول أن يكون المطلب الذى نضغط من أجل تحقيقه يحظى بقدر كبير من التوافق السياسى، والشرط الثانى أن يكون الضغط سلميًا، لأن العنف والصدام، أيًا كان السبب، قد يؤدى إلى نتائج عكسية، وإلى تداعيات خطيرة، أبرزها أنه سيجعل الشعب يتخوف من الفوضى وسيخلق للمجلس العسكرى مبررًا للبقاء فى الحكم فترة أطول.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
اذن الشك هو المسيطر فى قرائتك .....
عدد الردود 0
بواسطة:
ميادة
الضغط الشعبي هو الحل
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام عبد القادر
يسلم قلمك
عدد الردود 0
بواسطة:
د. عمر رضوان
رؤية رائعة من أجل مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق الرشيدي
هل سنقبل إعطاء حصانة للعسكري من الملاحقة القانونية؟
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف محمد
تحليل رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
اسكندراني
ناوي يمشي أو ما يمشي مش هنمشي غير لما يمشي .. ده يزعلكم في حاجة؟
عدد الردود 0
بواسطة:
الغريب
نموذج
عدد الردود 0
بواسطة:
Maher
خذلونا يابا.