نبيل عمر

«الشفافية» المفقودة فى التمويل الأجنبى!

السبت، 07 يناير 2012 04:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يعجبنى دفاع بعض منظمات حقوق الإنسان عن نفسها ضد هجمات الحكومة عليها مصحوبا بتفتيش قضائى، فالأخطاء لا تبرر الأخطاء، والأفعال المعيبة لا تمنح الشرعية لأفعال معيبة أخرى، فالتحجج بأن هناك من يأخذون تمويلا غامضا من الخارج متسترا برداء الدين، ولا تطاردهم الحكومة، لا يفيد أمام القانون، صحيح أن جزءا كبيرا من هذه الأموال «طويلة الذقون» نزلت إلى ساحة الانتخابات وأثرت على التصويت إلى حد ما، لكنها بالقطع ليست وراء النتائج الحاسمة لها، فكل تيار سياسى حصد ما زرع فعلا فى الشارع المصرى، فقد كان هناك من يتكلمون ويثرثرون ويتناقشون فى قاعات مكيفة فى فنادق فاخرة عن مشكلات الناس البسطاء، وأيضا كان هناك من ينزل إلى الناس يعيش معهم هذه المشكلات ويحاول أن يساعدهم فى الحل، مثل الإخوان المسلمين مع اختلافى الشديد مع «فكرة الخلافة» التى يحلمون بها ويعملون على تنفيذها!

وأزمة التمويل الأجنبى ومنظمات حقوق الإنسان هى فى الأصل أزمة شفافية، ولن تحل بالغموض وتبادل الاتهامات والاستعانة بوزارت الخارجية فى أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى، وإنما بالقانون.. القانون الذى لا قيمة له إلا بتنفيذه على رقاب الجميع، مؤسسات ومنظمات وأفراد، دون أى استثناءات.

والأموال الأجنبية إما منح سائلة تدبر بها هذه المنظمات نشاطها الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى، أو تكاليف برامج تدريب على أعمال سياسية مثل تنظيم المظاهرات السلمية وكيفية التعامل مع قوات الشرطة التى تقاوم هذه المظاهرات، ووسائل حشد الجماهير وإثارتها.
ولا يستطيع كائن مهما كان، أن ينتقد أو يلوم أو يتهم أى منظمة أو أفراد مصريين يتعاونون فى مثل هذه البرامج.. خاصة أن العمل الأهلى فى مصر يفتقد التمويل «الشعبى» الذى يجعله فاعلا فى مجتمعه، لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل المشروع: ماذا يريد الأمريكان على سبيل المثال من الثورة المصرية؟

وقد اخترت الأمريكان مثالا، لأنهم الأكثر بروزا فى الساحة وهم أصحاب مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهم الذين كتبوا بأنفسهم أنهم يعملون على تغيير مجتمعات المنطقة، ليس بعد الهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك فى 11 سبتمبر فقط، وإنما من قبلها بعشر سنوات مع انهيار الاتحاد السوفيتى.

والسؤال: هل من مصلحة أمريكا أن تكون مصر دولة ديمقراطية عصرية قوية، ولهذا أخذت شبابا ودربتهم على التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام الذى تسبب فعلا فى التدهور الذى حاق بها؟!

أصحاب النيات الطيبة قد يقولون: طبعا، فالولايات المتحدة هى راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان ولها تقاليد فى مثل هذه الأعمال.

وقد تكون الإجابة الأخرى: بالطبع لا..فهى قوى عظمى تسعى للسيطرة، لسانها ينقط عسلا وتمويلا، وأفعالها تنقط سما وتدميرا، من أول فيتنام الذى قتل فيها بضعة ملايين إلى العراق الذى فكك دولته إلى شيع وطوائف وأقسام باسم الديمقراطية، ناهيك عما فعلته فى أمريكا اللاتينية وفلسطين.

ولا يمكن أن نتحدث عن أمريكا والشرق الأوسط دون أن نسأل: وأين إسرائيل من كل هذا؟
باختصار.. أمريكا لها استراتيجية معلنة وهى ضمان أمن إسرائيل وحمايتها من أى أخطار جسيمة محتملة من الجيران، وأن تظل التهديدات القادمة منهم تحت السيطرة ويمكن الاشتباك معها بأقل خسائر ممكنة.. وهذا بالضرورة يتطلب منع نمو.. الجيران وتطورهم إلى الحد الذى قد يدفع البعض منهم إلى التهور وتهديد هذا الأمن تهديدا حقيقيا.

وأكبر قوة يمكن أن تجسد هذا التهديد هى مصر، وأفضل وضع لمصر أن تكون مريضا لا يشفى ولا يموت، وهذا ما كانت عليه فى عصر مبارك، وما يجب أن تكون عليه بعد ثورة المصريين.

وهذا لا يعنى أننا نتهم أى منظمة أو تيار سياسى يتلقى تمويلا من الخارج بأى اتهامات، هذا مجرد حديث فى السياسة، خاصة أن الحكومة المصرية تتلقى بدروها تمويلا ومساعدات خارجية، خاصة من الولايات المتحدة، فلا يصح أن تلسن على الآخرين وهى تفعل ما يفعلونه، لكن الفارق هنا أن تمويل الحكومة «الأجنبى» معروف ومعلن بالسنت والسحتوت، لكن تمويل المنظمات والتيارات فيه كثير من الغموض والإخفاء، والحل ببساطة أن تكشف هذه المنظمات والتيارات حجم الأموال التى تلقتها وكيف تنفقها، وهذا مطلب قانونى للغاية، خاصة أن هذه المنظمات والتيارات تنادى دوما بالشفافية والنزاهة، وأظن أنها الأولى بتطبيق ما تقول حتى تكون مثالا يحتذى به!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة