إن الله أعطى الإنسان الحرية أن يقبل أو يرفض فهو سبحانه من قال لآدم "لك أن تأكل من جميع شجر الجنة كما تشاء، هذه الشجرة التى فى وسط الجنة لا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت".
ماذا يعنى هذا الكلام؟
1- يعنى أن الله أعطى آدم ونسله من بعده الحرية فى اتخاذ القرار فى أن يطيع أو لا.
2- أيضا حمل الله آدم ونسله من بعده مسئولية مخالفة وصية الله فمن أطاعه نال خيرا ومن لم يطعه سيتحمل الجزاء.
3- الجزاء هنا غير فورى، لأننا رأينا أنه عندما أغوى آدم ومد يده إلى الشجرة المحرمة فالله لم يقطع يده، ولم يقلع عينيه آو يبتر رجله ليبعد عنها، بل تركه يتخذ قراره بحريته ويتحمل مسئولية العقاب الكبرى يوم الحساب (الدين)، فنحن اليوم كبشر عكسنا أسلوب الله فى التعامل مع الذين يخطئون ويتعدون شرع الله. وأقمنا بذلك محاكم تفتيش قسرية تسحق المخالفين سحقا بلا هوادة، ونسينا آن الله أقام يوما فيه سيدين من خرج عن رأيه أو خالف شرائعه.
ولآن الله هو العادل المطلق الأوحد لم يمنح أحداً من البشر آن يكون وكيلا عنه ليقتص ممن تعدى أمر الله وعصاه أن هذا الكلام لا يبرر العصاة على الله فجزاؤهم لو استمروا مخذول لهم فى يوم الحساب (الدين)، هذا هو مبدأ مسيحى فى التعامل مع من يعصى الله الذين يسميهم الإنجيل بالخطاة، فالناس فى نظر الله صنفان خطاة وأبرار، ولأجل الخطاة جاء المسيح لم يأت فى مجيئه (ميلاده)، لأجل الأبرار بل جاء لأجل الخطاة.
فقد عاش معهم وبينهم وتحمل أذاهم وأحبهم ولاطفهم وحاورهم وناقشهم، وأوصانا نحن أتباعه أن نحبهم ونكرمهم ونكون لهم المثال الصالح لجذبهم وعودتهم لطريق الحق من جديد وهذا أحد الأفكار المسيحية تجاه حرية الإنسان.
وأيضا المسيح أعطى رحمة للإنسان بما لا يتخيله عقل، فعندما جاء إلى المسيح رجل أعمى من أريحا وطلب منه أن يرحمه، ولسنا ندرى ماذا كان يعتقد عندما صرخ الأعمى، وقال: "يا ابن داود ارحمنى"، مما لا شك فيه أن الرحمة التى طلبها من المسيح كانت آفاقها أضيق بكثير من الرحمة التى منحه المسيح إياها، العدل رحمته اقتصرت على بعض الماديات ولعلها لم تتخطَ نور البصر، لكن الرحمة التى منحه المسيح إياها قد تخطت قبل الماديات إلى الروحيات، وتخطت نور البصر حتى بلغت إنارة البصيرة، وتعدت الإحسان المنظور إلى الغفران غير المنظور، فكل ما كان يطمع فيه ذلك الأعمى هو أن يُعطى البصر ليرى العالم الذى حوله والبشر الذين يحيطون به، لكن المسيح أعطى له بصيرة روحية لكى يرى المسيح نفسه بجماله الذى هو أبرع جمالا من كل بنى البشر، وما أرحم قلب المسيح وما أكرمه، لذلك أن المسيح فى لوقا (6 : 36) أوصانا أن نكون رحماء فقال: "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم"، وأيضا فى نفس الإصحاح فى عدد 45 "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح، والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه".
أما الحرية والرحمة تجسدت فى مجىء المسيح للإنسان فى أبهى صورها، فعندما نتذكر مجيئه بميلاده لا ننسى الحرية والرحمة التى وهبها للإنسان.
إننا نصلى أن يهبنا جميعا الفهم الكامل لإتمام مشيئته فى حياتنا وأيضا نصلى أن الرب يعطى حكمة وفطنة للقائمين على حكم هذه البلاد، لكى يصلوا ببلادنا العزيزة مصر إلى بر الأمان فى هذه الظروف العصيبة.