الفيلم يقدم نموذجا للعربى المسلم المستنير، وهو "عودة" ويجسد دوره طاهر رحيم والذى يهتم بالقراءة ونراه فى طفولته شغوفا بالكتب كما يتطلع إلى المستقبل دائما ويفضل السلام بعيدا عن ويلات الحرب، حيث تدور أحداث الفيلم تحت سماء الصحراء التى لا نهاية ولا ترحم، ونجد اثنان من القادة المتحاربين هما ملك قبيلة "حبيقة" أو "سالماه" يقفون وجها لوجه ويخلقون ورائهم الكثير من جثث المحاربين فى ساحة المعركة.
ويضع القائد المنتصر نسيب أو أنطونيو بانديراس شروطا لمعاهدة السلام مع منافسه عمار سلطان، ويتفق الرجلان على عدم دخول أى منهما أو رجالهما إلى المنطقة المحرمة التى أطلقوا عليها لقب الحزام المنطقة الصفراء، ويأخذ الأمير نسيب طفلى السلطان عمار ليربيهم وينشئوا معه، وهما "صالح" و"عودة" كضمان لعدم قيام أى من الرجلين بمخالفة العهد بينهم، لكن الأحداث تنقلب رأسا على عقب مع ظهور البترول فى المنطقة الصفراء.
كما نرى فى العمل أيضا نموذجا للعربى المتمسك بالتقاليد بصرامة والذى يرفض الخروج عن الموروث ولا يرى أى قيمه للصناعات الحديثة، حيث يرفض التعاون مع الأجانب بحجة أنهم "كفار" وهو ما نجده فى شخصية السلطان عمار الذى يجسد دوره مارك ستونج وهو سلطان قبيلة "سالماه" ويؤثر فكره على قبيلته جميعا، ونرى ذلك بوضوح فى المشهد الذى يحاور فيه "عودة" شيوخ سالماه ويحاول أن يقنعهم بأهمية البترول حيث يقول له أحد الشيوخ" إن البترول حرام لأنه لم يتم ذكره فى القرآن ".
ونجح النجم أنطونيو بانديراس فى تجسيد دور سلطان حبيقة "الأمير نسيب" ليبدو قريب الشبه من ملوك دول الخليج العربى الذى يتذمر من قلة موارد دولته ويقول فى أحد مشاهد الفيلم "ما أتعس من سلطان دولة فقيرة" لكنه يسيل لعابه إلى المال بعدما يكتشف أحد الأجانب وجود بترول فى المنطقة الصفراء، ويوافق على عقد صفقه معهم ونرى فى مشاهد متتابعة كيف يتحول من سلطان فقير إلى سلطان شديد الثراء ويبنى المستشفيات والمكتبات والمدارس ويستمتع بوجود اسمه على تلك المنشآت فهو رغم كل مساوئه وطمعه واستعداده لإشعال الحروب من أجل المال والثراء إلا أنه يقدر قيمه التطلع إلى المستقبل وبناء دولة حديثة، فالفيلم يشير إلى أنه إذا كان البترول حول الدول العربية إلى مجتمع متحضر ومتمدن فهو نقلهم أيضا إلى مركز استغلال للدول الكبرى وصارت الحروب والاستعمار هى المتلازمة لظهور البترول للسيطرة على أهم مصادر الطاقة.
ونجح مخرج العمل جان جاكوز فى أن يضع تفاصيل غاية فى الدقة للتعبير عن الشخصية العربية المسلمة، وهى تفاصيل قلما نجدها فى أفلاما عربية فنرى مشاهد وضوء سلطان عمار مع ابنه عودة تستعرض تفاصيل دقيقة فى الضوء، وأيضا مشاهد أداء الصلاة والاستشهاد ببعض آيات من القرآن ، حيث قام المخرج بأبحاث فى القرآن وعن الإسلام، لكنه عابه بعض التفاصيل فى الأزياء خصوصا التى ترتديها الأميرة "ليلى" التى تجسد دورها النجمة الهندية "فريدا بينتو" بطلة فيلم "المليونير المتشرد" حيث ظهرت ملابسها فى بعض المشاهد قريبة إلى الملابس الهندية وليست العربية البدوية.
ويبقى الفيلم حكاية ملحمية تاريخية هى بدأت فكرته منذ عام 1976 عندما قرأ المنتج التونسى الفرنسى طارق بن عمار رواية south of the heart للكاتب السويسرى هانس روشيه والتى تناولت حياة القبائل البدوية، واكتشاف البترول الذى غير حياتهم، حيث رأس المنتج فى الرواية جميع العناصر الكلاسيكية لتقديم فيلم عالمى، وبدأ فى تكوين فريق عمل دولى من الممثلين شمل عمر الشريف ويتشارد هاريش وأنطونى كوين لكن تعطل المشروع بسبب عدم وجود تمويل وعندما حاول مخاطبة بعض المنتجين والمليارديرات العرب سخروا منه، واستمر الحلم فى مخيلة المنتج حتى خرج إلى النور مؤخرا، وعرض فى العديد من الدول الأجنبية وتقوم بتوزيعه فى مصر شركة يونايتد موشن بيشكترز.



