اقترحت أن يتفرغ بعض الشباب لمتابعة كامل زهيرى ليل نهار مثلما فعل بعض الشباب فى روسيا مع «تولستوى» يسجلون كل ما يقوله.. ولكن مات كامل زهيرى دون أن نعرف كل شىء عن الشارع الذى نسكن فيه، فلقد كان عارفًا بمتى بنى هذا البيت ومن سكن فيه من المشاهير، ولم يحدث هذا، لأن قوى ما كانت ضد الثقافة.. وربما مازالت.
حكى لنا كامل زهيرى - وربما كان أهم الحكائين فى زمانه - أنه عندما أصدر كتاب «النيل فى خطر» وثارت ضجة كبيرة حول الكتاب اتصل به أسامة الباز وكان آنئذ المستشار السياسى لحسنى مبارك الذى كان فى بداية حكمه، وقال له إن الرئيس سيكون فى انتظاره الساعة كذا يوم كذا، وإن موضوع اللقاء هو «النيل فى خطر» لأن الرئيس مهتم بالموضوع.
وذهب كامل زهيرى ومعه نسخة من الكتاب وعليه إهداء لطيف رفض الإفصاح عنه، واستقبله مبارك وتحدثا طويلاً.. ولاحظ زهيرى أن الرئيس يختلس النظرات إلى الكتاب بين الحين والحين، فتخيل أن هذا من شوقه إلى قراءة الكتاب فقطع الحديث وقدم الكتاب إليه قائلاً إنه يقدر شوق الرئيس إليه واهتمامه به.
وأخذ مبارك الكتاب له وقال له: بصراحة كنت خائفًا أن يكون كتابًا كبيرًا خمسمائة صفحة مثلاً، لكننى أحمد الله أنه كتاب صغير، هكذا يمكننى قراءته.
وأكد كامل زهيرى أنه لم يقرأه ووافقه جميع الجالسين الذين يسمعون قصته.
فى عهد مبارك حدث تجريف للثقافة المصرية حتى باتت كجثة هامدة الآن، عندما بدأنا الكتابة كان فوق رؤوسنا طه حسين، والعقاد، وحسين فوزى، ونجيب محفوظ، وزكى نجيب محمود، وعبدالرحمن بدوى، وعبدالرحمن الشرقاوى، ويوسف إدريس، وعبدالرحمن الخميسى، وسلامة موسى، واختفوا الواحد وراء الآخر، ولم يحل أحد محلهم.
حملة تجريف ثقافية فاشية بدأت من السبعينيات سبقتها حملة قديمة من أيام عباس الأول الذى أغلق المدارس ونفى رفاعة الطهطاوى فى منصبه ناظر مدرسة ابتدائية فى الخرطوم.
فى نهاية السبعينيات زرت بغداد عدة مرات، وفى كل مرة كنت أقابل توفيق صالح، وكرم مطاوع، وأحمد عباس صالح، وأمير إسكندر، وإبراهيم الصحن، وفتحى خليل، وغيرهم من رموز الثقافة المصرية، وقد تم نفيهم إجباريّا أو اختياريّا.
أعود عندما بدأنا الكتابة فى الخمسينيات وعندما نشرت قصصًا ومقالات فى «الآداب» البيروتية، عاملنى من يقرأون باهتمام، فلقد كانت أهم مجلة ثقافية آنذاك بعد احتجاب «الرسالة» و«الثقافة» المصريتين، وكان معظم كتاب «الآداب» من مصر، وهكذا كانت كل الصحف العربية.. الآن فتش فى المجلات الأدبية والثقافية فلن تجد شيئًا، أو ستجد النزر القليل، ولماذا نبحث خارج الحدود.. المجلات والصحف المصرية كانت حريصة على أن تنشر أبوابًا فى الأدب، وأذكر أن معركة «الأدب للأدب أو للحياة» كانت شبه يومية يشارك فيها طه حسين، ومندور، ومحمود أمين العالم، وعبدالعظيم أنيس، وغيرهم، وتعلمنا منهم.
الآن اختفت أبواب الأدب والثقافة، قال لى مسؤول عن هذا الباب فى إحدى الصحف: أقدم الباب فى موعده لكنه يؤجل دائمًا، مرة بسبب الإعلانات، ومرة لأن هناك أخبارًا مهمة، ومرة لأن مزاج المسؤول الأكبر لا تعجبه الثقافة، ومرة بدون سبب، وبالطبع عندما ينشر يكون قد فات وقت قراءته، هذا إذا نشر.
كنت أمام التليفزيون من عدة سنوات عندما قالت المذيعة: والآن الأسئلة الثقافية.. فتنبهت إلى أن هذه مسابقة للشباب، قالت المذيعة: السؤال الأول: لماذا يلبس لاعبو النادى الإسماعيلى اللون الأصفر؟!
فعلاً تم تجريف الثقافة حتى وصلت إلى هذا السؤال «الخايب»، وإذا كانت الثقافة أهم ما فى المجتمع أفلا تستحق أن نقف جميعًا لنهتم بها؟!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالله المنسي
اكبر جرائم نظام مبارك
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم مرسى
بارك الله فيك
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
عفوا أستاذنا ،،،
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد هاشم سالم
عندك حق
سامحنا ياأستاذ محفوظ
عدد الردود 0
بواسطة:
د/ مــاهر
الإجابة
عدد الردود 0
بواسطة:
SoMeOnE
معرفناش برضه بيلبس اصفر ليه
D: