التيارات السياسية والفكرية المحيطة بنا كثيرة وعنيفة، وتعج بالصخب والغضب بلا تركيز .. وتبدو الخطورة المحيطة بصياغة دستور جديد أكثر إلحاحاً فى ظل تنامى التيارات الرجعية، والتعصب الدينى ومحاولات الاستقطاب أو الإقصاء على أسس دينية وعقائدية.
والدستور هو اللبنة الأولى لبناء مجتمع ديمقراطى حديث، وهو القانون الأساسى الذى تبنى عليه كل مؤسسات الدولة، وهو العقد الاجتماعى الذى يحكم التزامات الحكومة والسلطات الدستورية فى مواجهة المواطن، فإذا شاب هذا الأساس عيب اختل البناء لمؤسسات الدولة ونظام الحكم بأكمله.. وبالرغم من أننا لانزال فى منتصف الانتخابات البرلمانية، إلا أن البعض من القوى السياسية، وخاصة تيارات الإسلام السياسى، بدأت معركتها المبكرة للاستئثار بوضع الدستور.
وهناك خلط فى المفاهيم، ومحاولات للقفز على النتائج، ولى فى هذا الخصوص بعض الملاحظات:
أولا: البرلمان المصرى ليس هو صاحب الاختصاص بوضع الدستور، فالمادة «60» من الإعلان الدستورى جاءت قاطعة فى أن إعداد مشروع دستور جديد للبلاد هو اختصاص لجمعية تأسيسية منتخبة.
فالقول إن البرلمان أو مجلس الشعب هو الذى يختص بإعداد الدستور هو قول خاطئ يتعارض مع صريح نص الإعلان الدستورى، فالسلطة التشريعية طبقاً للإعلان الدستورى، والأعراف الدستورية المستقر عليها فى العالم كله، وعلى مدار التاريخ، ليست صاحبة اختصاص فى إعداد الدستور أو إصداره.
ثانيا: من سيختار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور؟ مرة أخرى، جاء الإعلان الدستورى واضحاً وقاطعاً فى هذا الشأن حينما نص على أن اختيار الجمعية التأسيسية، والتى تتكون من مائة عضو يتم انتخابها بواسطة الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك، فالذى يعين الجمعية التأسيسية، وينتخب أعضاؤها هما مجلسا الشعب والشورى مجتمعين.
وأرى أنه من الجدير تعديل هذا النص بحيث يتم التعيين من قبل مجلس الشعب وحده دون مجلس الشورى، وذلك للإسراع بإجراءات تعيين الجمعية التأسيسية دون تأخير، فالانتظار لحين استكمال انتخابات مجلس الشورى يعنى عملياً التأخير فى بدء الإجراءات حتى مارس المقبل والتأخير يؤدى إلى المزيد من عدم الاستقرار السياسى.
ثالثا: وكيف سيختار البرلمان أعضاء الجمعية التأسيسية؟ لم يضع الإعلان الدستور أى معايير يجب توافرها فى أعضاء الجمعية التأسيسية، كما تغاضى الإعلان الدستورى عن تحديد نسبة الأغلبية المطلوبة من أعضاء البرلمان لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية.
وذهب البعض من أصحاب تيار الإسلام السياسى إلى اقتراح أن يكون جميع أعضاء الجمعية التأسيسية من أعضاء البرلمان أو أغلبيتهم تكون كذلك.
وفى رأيى أن القول بأن الأغلبية البرلمانية هى التى تمثل الأغلبية من أعضاء اللجنة الدستورية يفرغ النص الدستورى من مضمونه ويجعل الجمعية التأسيسية لغواً لا طائل من ورائه، فلو كان من الممكن تشكيل الجمعية التأسيسية بالكامل أو أغلبيتها من أعضاء البرلمان، فلماذا لم يسند الإعلان الدستورى هذه المهمة من البداية إلى البرلمان، ولماذا كانت هناك حاجة أساساً للجمعية التأسيسية.
إن هذا الطرح يمثل تحايلاً على النصوص الدستورية، ويتعارض مع طبيعة عمل الجمعية التأسيسية، التى بحسب طبيعتها تستوجب مشاركة جميع القوى السياسية والفكرية فى تشكيلها، فالبرلمان لا يجوز له أن يستأثر بوضع الدستور، وعضو البرلمان لا يصلح بالضرورة لوضع الدستور.
وللخروج من هذا المأزق الدستورى، فإنه لابد من إعلان دستورى تكميلى لمواجهة القصور الدستورى الحالى، وتحديد المعايير والشروط الموضوعية الواجب توافرها فى أعضاء الجمعية التأسيسية، والأغلبية البرلمانية الواجب توافرها لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، وهذه الأغلبية يجب أن تكون أغلبية خاصة لا تقل عن الثلثين نظراً لخطورة اختصاصات الجمعية، ويختص مجلس الشعب بعد انعقاده بوضع قواعد وإجراءات عمل الجمعية التأسيسية.
ورابع هذه الملاحظات، أن محاولات بعض التيارات السياسية، وعلى وجه التحديد حزب الحرية والعدالة، السيطرة على تكوين الجمعية التأسيسية والانفراد بها- تهدف إلى تكوين نظم بعينها لضمان سيطرتهم على الحكومة لأطول وقت ممكن، وذلك من خلال تبنى النظام البرلمانى كما هو الحال فى العراق، دون غيره من نظم الحكم الأخرى كالنظام شبه الرئاسى الذى يعتمد على التوازن بين سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء كما هو الحال فى فرنسا.
وأما الملاحظة الخامسة، فتتعلق بمدى الحاجة إلى إعلان دستورى تكميلى لتحديد أطر الحقوق الأسياسية التى لا يجوز للجمعية التأسيسية الاستفتاء عليها، ونرى أن إصدار مثل هذه المبادئ يعنى إرسال رسالة تطمين لجميع القوى الوطنية للمحافظة على مقومات الحقوق والحريات الأسياسية والتى أجمعت عليها جميع المواثيق وأهمها وثيقة الأزهر. وبقيت نقطة أخيرة، وهى ضرورة إقامة حوار وطنى حقيقى لمناقشة مشروع الدستور ومقوماته الأساسية قبل عرضه على الاستفتاء، ويجب توسيع دائرة الحوار لتشمل جميع النقابات المهنية والعمالية واتحادات الفلاحين والجمعيات الأهلية، ومنظمات حقوق الإنسان والجامعات والمؤسسات التعليمية والمؤسسات القضائية، فيجب أن يشارك الشعب بجميع مواطنيه فى صياغة هذا العقد الاجتماعى قبل عرضه على الاستفتاء، وحذار من التفتيت والاستقطاب وخلط الأولويات.
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد معدى بالصدفة
نريد دستورا يعبر عن الهوية العربية الاسلامية لمصر
التعليق فوق اقرؤه
عدد الردود 0
بواسطة:
انشر
هذا هو الإعلان الدستوري