يثير كتاب "الفن والغرابة.. مقدمة فى تجليات الغريب فى الفن والحياة" الكثير من التساؤلات لدى كل من يقرؤه منذ صدور طبعته الأولى ضمن سلسلة "الفنون" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والثانية عن دار ميريت، حيث نكتشف ونحن نمضى مع صفحات الكتاب أن الغرابة والغربة والاغتراب وكل تجليات الغريب هى سر الكتابة الأكبر الذى لم تستطع كل نظريات الكتابة النقدية والجمالية التى تتحدث عن الفن والمجتمع والفن والحياة وغير ذلك أن تصمد صمود المعين الأول والأكبر للكتابة والفنون وهو الاغتراب، اغتراب الكاتب بوعى أو دون وعى عن العالم الواقعى وتجلياته سواءً كانت قضايا كبرى أو قضايا صغيرة.
يوضح الكاتب الدكتور شاكر عبد الحميد فيه أن الغرابة فى جوهرها، خوف يتطلع للأمن ورعب، يتشوف للاطمئنان، وأن الغرابة حياتية وجمالية، وهو ما قد يفسر السلوك الغريب لبعض الفنانين، وكثيرًا ما يتردد أن هذا الفنان أو الشاعر، له عادات أو طباع أو حتى سلوكيات غريبة، وتلك الغرابة التى نلحظها على مسلكه الحياتى هى المظهر لغرابة أخرى مبطنة تستقر فى فنه أو شعره.
ويلفت "عبد الحميد" الأنظار إلى أن الفلاسفة سبق وناقشوا تلك السمة، وقاموا بتحليلها، والبحث فى أسبابها، ومظاهرها، فمنهم من أكد أن الصفة المميزة للغرابة تتعلق بالخوف المتخيل أكثر من الرعب الحقيقى، أى أن الغرابة منطقة بين المألوف والغريب، وبذلك فهى مكتسبة من جراء تخوف "المبدع" على عمله، وذلك بداية من فكرة العمل وحتى آخر نقطة فى تنفيذه. وبالتالى ربما أن الغرابة هى خبرة محتملة، تحدث فى الزمان والمكان، وهى خبرة تشتمل على إحساس بالقلق وتداعى الذات، القلق على تلاشى العمل الإبداعى قبل تنفيذه. كما أن الغرابة شعور خاص بالتردد والالتباس والدهشة، شعور يتصاعد من حالة الشك البسيطة إلى الرهبة، إلى خوف، إلى الرعب. والغرابة التى هى نقيض الألفة والأمن موجودة فى الحياة حولنا. بما يعنى أن جملة المشاعر والأفكار حول العمل مهددة دوما بالفقد، وهو من أسباب الغرابة.
ويشير "عبد الحميد" إلى أن الغرابة تتعلق بكل ما هو غريب وغير مألوف بالنسبة للعادى من الأمور والمشاعر، فهذا العادى قد يتم فيه الامتداد حتى يصبح غريبًا. وهو ما يعنى أن الغرابة تولد من العادى، إلا أن تراكم مشاعر المبدع التى تتسم بالقلق، تنتهى بما يمكن أن يوصف بالغريب، فى السلوك الشخصى، أو المنجز الإبداعى. كما أن كل موضوعات الرعب، حتى لو كانت صغيرة الحجم كالحية والحيوانات السامة، تكون قادرة على إثارة الخوف والرعب، والجليل عمومًا وكذلك الغريب يتعلق بمثل هذا النوع من المشاعر، إضافة إلى مشاعر الدهشة والتعجب. ويفسر "فرويد" جذور الخوف الفطرى من العمى، بأنه غالبًا ما تتأتى من إبدال للخوف من الخصاء، تمامًا مثل "أوديب" الذى فقأ عينيه عقابًا لما اقترفه فى الأسطورة الشهيرة.
ولا يكتفى "عبد الحميد" بذلك فى الحقيقة، بل يقرأ حركتى الفن والأدب عربياً وعالمياً فى انحيازهما إلى هذا الجانب المعتم من العالم، بعدما بذل جهداً كاملاً فى تحقيق الكلمة وتجذيرها وتفكيك معانيها فى اللغات والثقافات المختلفة.
ومن الكتب التى صدرت لوزير الثقافة أيضًا "العملية الإبداعية فى فن التصوير"، و"التفضيل الجمالى"، "الفنون البصرية وعبقرية الإدراك"، "عصر الصورة"، و"الفكاهة والضحك".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة