لا أحد يجادل فى أن هناك قوى دولية وإقليمية تتربص بمصر، وتحاول باستماتة الصيد فى الماء العكر وركوب أمواج الثورة المصرية المجيدة ومحاولة حرفها عن مسارها الوطنى. ولا أحد يجادل فى أن هناك مليارات من الدولارات والدنانير والريالات تدفقت على بلادنا منذ 25 يناير حتى الآن لخدمة هذه المخططات غير البريئة. ومع ذلك فإن هناك جدلاً ساخنا يدور حاليا حول الغارة التى تم شنها على سبع عشرة منظمة من منظمات المجتمع المدنى بحجة مخالفتها للقوانين المصرية وتلقيها تمويلاً أجنبيا خارج القنوات الشرعية.
فالحكومة ترفض وصف هذه الغارة بأنها «مداهمات»، لأنها - من وجهة نظرها - إجراءات قانونية من صميم سلطات قضاة التحقيق، وتقول إنه لا توجد دولة تحترم نفسها، وسيادتها، يمكن أن توافق على أن تكون البلاد «سداح.. مداح» تعمل فيها منظمات أجنبية دون الحصول على ترخيص، وتتلقى فيها جمعيات أهلية أموالاً من جهات أجنبية دون موافقة ومن غير حساب.
لكن المجلس القومى لحقوق الإنسان يؤكد - من الناحية الأخرى - عدم قانونية هذه الإجراءات التى تم اتخاذها، وطالب بوقف إجراءات مداهمة قوات الجيش والداخلية والنيابة العامة لمقرات منظمات حقوق الإنسان، وإعادة فتح المقرات التى تم إغلاقها. وقال بيان المجلس إن قضاة التحقيق الذين تحاول الحكومة إسباغ الصبغة القانونية على حملة المداهمات من خلالهم قد تم تعيينهم بغير الطريق الذى رسمه قانون الإجراءات الجنائية والذى يشترط تعيين قضاة التحقيق بقرار من الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف، وليس بطلب وزير العدل مثلما حدث. وتحدث البيان عن ثغرات أخرى تشكك فى عدم قانونية «المداهمات».
لكن المشكلة ليست قانونية فقط، بل هى سياسية فى المقام الأول. فإذا نظرنا إلى القضية من هذه الزاوية السياسية سنجد أنفسنا أمام أسئلة ملحة أولها: لماذا الآن وليس قبل ذلك طالما أن هذه المخالفات قائمة منذ شهور وسنين؟ ولماذا تم القيام بهذه المداهمات فقط بعد تصاعد انتقادات منظمات المجتمع المدنى لكثير من الممارسات التى تنطوى على استخدام عنف مفرط ضد الثوار والقيام بانتهاكات فظة لحقوق الإنسان مثلما حدث فى أحداث البالون وماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء وما خلفته من دماء ودموع وأحزان ومهانة؟
وعلى سبيل المثال فإن تشارلز دون، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المؤسسة الأمريكية «فريدوم هاوس» - التى كان لها فى المداهمات الأخيرة نصيب - قد رد على التصريحات الحكومية بقوله «إنه كان من المستغرب أن يتم اقتحام مكاتبنا بعد تلقينا يوم 26 ديسمبر (أى قبل ثلاثة أيام من عملية الاقتحام) رسالة من وزارة الخارجية المصرية تفيد باستكمال منظمة فريدوم هاوس لجميع الإجراءات والأوراق المطلوبة لممارسة أعمالنا فى مصر. وكنا فى انتظار الحصول على الموافقة النهائية بعد استكمالنا لكل الأوراق والمستندات المطلوبة. والأهم أن نفس المسؤول الأمريكى قال للزميل محمد المنشاوى فى واشنطن إنه «ربما كانت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون الحادة، والتى وبخت فيها الحكومة رداً على ما قام به أفراد من القوات المسلحة ضد المتظاهرين عند مجلس الوزراء وما قاموا به من سحل فتاة مصرية وتعريتها وهو ما لا يقبله أحد».
هذا التفسير السياسى يؤكده - ولا ينفيه - الهجوم السياسى المضاد على الولايات المتحدة الذى نسبته زميلتنا نشوى الحوفى لمصادر مطلعة، قالت إن الولايات المتحدة الأمريكية - وبعض حلفائها الغربيين - «تمارس ضغوطا على الدول العربية لعدم منح مصر المساعدات المالية التى كانت قد وعدت بها فى أعقاب ثورة 25 يناير». وأضافت المصادر ذاتها أن تلك الضغوط ترجع إلى خلافات عديدة بين مصر وأمريكا، آخرها عدم موافقة المجلس العسكرى على اختيار الدكتور محمد البرادعى رئيس لوزراء مصر عقب استقالة عصام شرف.
مثل هذه المانشيتات هى شكل من أشكال «المكايدة» التى يمكن للقارئ الذكى أن يفهم القصد الحقيقى من إطلاقها فى مثل هذا التوقيت، حتى لو تم التشهير بشخص بقامة وقيمة البرادعى وإقحام اسمه فى مسألة لا ناقة له فيها ولا جمل، وحتى لو تم تلويث سمعة نشطاء ومناضلين من أجل حقوق الإنسان وتصويرهم للرأى العام كما لو كانوا لصوصاً ومرتزقة، وهو نفس ما حدث من قبل مع الثوار الذين تم الخلط بينهم وبين البلطجية مع سبق الإصرار والترصد من أجل تشويه الثورة وتنفير المصريين منها.
إنها أزمة ثقة قديمة ومزمنة لا مخرج منها إلا بالشفافية - بالفعل وليس بالقول فقط - والتوقف عن استنساخ السياسة التى كان يتبعها نظام مبارك.. ولا سبيل لبناء هذه الثقة المفقودة إلا بالإخلاص لقضية الثورة وتحقيق أهدافها دون لف أو دوران ودون تمييز بين دولارات وريالات ودنانير.
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
الحكومه المصريه وسياسات الذكاء
عدد الردود 0
بواسطة:
shomashoman
سؤال من باب العلم بالشئ
عدد الردود 0
بواسطة:
tota
التقدم الي الخلف
عدد الردود 0
بواسطة:
كمال الاسيوطى
مصر دوله ذات سياده