من المتعارف عليه، أن السياسة إذا دخلت من باب، خرجت العاطفة من الباب الآخر، حيث لا يمكن أن تجتمع السياسة والعاطفة فى وقت واحد، فالسياسى يتعامل ببراجماتية، وبما فيه مصلحته الشخصية ومصلحة الجماعة التى ينتمى إليها، حتى ولو كان ذلك من وجهة نظر أخرى– قد تكون عاطفية- ليس فى مصلحة الوطن.
وهذا لا يعنى تكريساً لفكرة تغليب المصلحة الشخصية إذا ما تعارضت مع المصلحة العامة، لأن ذلك يحمل فى طياته أموراً خطيرة قد تضر بالمصلحة العامة وتهدد وحدة الصف، ولكن يعنى تأكيداً لفكرة أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، لأن الاختلاف فى عالم السياسية وارد، بل هو قاعدة وليس استثناء، لأننا بصدد الاختلاف على أفكار قابلة للنقاش، أرضيتها معطيات مختلفة، وكل طرف يأخذ ما يراه الأفضل من وجهة نظره وعلى هذا الأساس يبنى موقفه.
لا أحد ينكر دور الإخوان المسلمين فى ثورة 25 يناير، دون أن يكون عظمة الدور حكراً لهم، بل دعونا نخرج من الحديث المستهلك بأن فصيلاً ما حمى الثورة، وأنه لولا جماعة ما، ما نجحت الثورة، لأن يقينى بأن الثورة منحة ربّانية، لم تنجح بجهد بشر بقدر ما هى نوايا طيبة أراد الله لها أن تصبح فعلاً ثورياً عظيماً.
فى ذكرى مرور عام من ثورتنا المجيدة التى لم تنته بعد، ومازالت قائمة وإرهاصاتها مستمرة، دخل المجتمع فى نقاش حاد حول إشكالية؛ فى ذكرى عام من الثورة نحتفل أم لا نحتفل ؟.. وكانت الآراء متباينة، ولكن اتفقت معظمها بأن الثورة مازالت مستمرة ولا داعى للاحتفال بعمل لم ننجزه كله بَعد، وهى وجهة نظر مقبولة، ربما لأن الاحتفال فوق جثث الشهداء لم تبرد بَعد، ولم يُعاقب من قتلوهم بَعد..
وكان معظم شباب الإخوان الذين أعرفهم يرددون أنه احتفال بمرور عام من الثورة، وتأكيد على أنها مستمرة، وبالتالى لا يوجد أى تناقض بين الاحتفال بما أنجزناه، والتأكيد على ما يجب إنجازه فى آن واحد، وهى وجهة نظر مقبولة، ولكنّى كنت ضد أن تكون منصة الإخوان فى ميدان التحرير من أجل الاحتفال فقط، رغم أنه من حقهم أن يعبّروا عن ذلك.
آلمنى بشدة أن قام البعض بإلقاء الزجاجات الفارغة والأحذية على منصة الإخوان وشبابهم، كما آلمنى يوماً إلقاء الحجارة، وقطع الزجاج على الثوار فى شارع القصر العينى ذات يوم، وما آلمنى أكثر أن بعض هؤلاء الذين ألقوا بزجاجات فارغة يتشدقون بالليبرالية والديمقراطية، وهم لا يعرفون عنها سوى مسمياتها، وما زادنى ألماً تبرير البعض بذلك، وأنه من أجل حق الشهداء.
وكتبت على صفحتى، إن الخطير فى ذلك أنه تشريع لنهج جديد فى كل من يختلف معنا بأن نلقى عليه الزجاجات الفارغة والأحذية والكلمات التى تصيب سهامها القلوب ألماً ووجعاً، واتهامات فارغة مثل الزجاجات تلك بأنهم خونة وباعوا دم الشهداء.
وهل تقوى أيادى هؤلاء الذين ألقوا تلك الزجاجات والأحذية على صدّ زجاجات وأحذية من يختلف معهم؟!.. وهل هذه هى الديمقراطية التى نسعى إليها جميعاً؟!.. وهل ما فعلتموه هو ما سيعجل بحق الشهداء ودمائهم ؟!
أقولها لكل هؤلاء، ومنهم أصدقاء أعزاء، وهى كلمة حق لا أبتغى بها سوى وجه الله تعالى، احترموا من يختلف معكم دون تشويه أو تسفيه، اجعلوه اختلافاً دون خلاف، وصراعاً راقياً دون صدام، ولا تقتلوا الشهداء مرات أخريات بتسلطكم وديكتاتوريتكم تلك، لنتخلص جميعاً من مبارك الآخر الذى بداخلنا قبل أن نلوم الآخرين على أنهم مختلفون معنا، لنرى الحقيقة كما هى كائنة وليس كما نريد أن نراها..
قبل أن نهاجم الإخوان، لأنهم أكثر جاهزية سياسياً وأكثر فصيل سياسى حقق انتصارات بعد الثورة، دعوة نتعلم منهم ما يمكن أن يفيد فى عرس ديمقراطى قادم، دعونا قبل أن نتهكم على السلفيين ونتصيد لهم أخطاءهم ونحولها إلى خطايا أن نتعلم منهم إيمانهم بقناعتهم وتواجدهم فى الشارع..
دعونا لا ندخل فى صراعات جانبية تثنينا عن هدفنا، الأهم إزاحة العسكر، واستكمال الثورة التى لم تنته، دعونا نتعلم من دروس التاريخ قبل أن نصبح عبرة للأجيال القادمة، دعونا نكمل ثورتنا بتحضرها ورُقيها ولا ننهى عن أمر ونأتى مثله.. استقيموا يرحمكم الله
أحمد عبد العليم يكتب: تأملات فى مسألة منصة الإخوان!
الثلاثاء، 31 يناير 2012 08:44 ص