يشبهان بعضهما إلى حد كبير.. ولكنها امرأة فى السابعة والعشرين وهو طفل لم يتعد السنتين.
أول ما يخطر برأسى عندما يسألنى زملائى بالعمل عنه هى تلك الابتسامة!.. فم صغير أحمر وأسنان أسميها "مينى لؤلؤ"، صغيرة جدا ولطيفة إلى أبعد الحدود.
تدغدغ أذناى وقع خطواته، تراتيل همهمته.. وصراخه الحاد عندما أدخل إلى البيت بعد الدوام (داديييييييييييييييييييييييييى)، تعلمها منذ أسبوع.
يجرى إلى بيده متضرعا لأحمله ويرى الدنيا من منظور آخر.. من عل.
يمد يده عاليا عندما تتزين أمه.. لتعطيه الأنابيب التى لا يستطيع فتحها.
يقلد أمه.. فيمرر القلم أو الروج على فمه وينظر لأمه ينتظر منّها الثناء.
من يومين عرف كيف يفتح مجموعة من أصابع الروج، ويغرف بإصبعه رحيق اللون داخله، دخلت عليه فوجدت الأحمر فى كل مكان.. على وجهه وملابسه.
نظر إلى بعينيه البنيتن وأعطانى أجمل "دادييييييييييى" ممطوطة سمعتها فى حياتى، صحيح أن نصابها لم يكتمل، فحرف الدال كان صعبا عليه، ولكنى ضحكت.. وسامحته.
يقتلنى بعناده، وإصراره على إفراغ محفظتى من محتوياتها.. وضع تواقيعه على كتبى.. سرقة العلكة التى دائما تضعها أمه فى سلّة مخبوءة تحت ملابسى، يجدها ويأكلها بشغف مع ورق التغليف اختصارا للوقت قبل أن يضبطه حضرة الضابط (ماما).
يقتلنى بشفافيته وطهر كينونته وحبه الصغير لمفهوم الأسرة.
فعندما تتباكى ماما لإنه رفض تقبيلها "يحزن" ويترك ما بيده ليربت على كتفها ويقبلها بدون منّة.
يأكل بسكويته المفضل فيكسر قطعة ويعطينى.. فيقتلنى
يجد هاتفى يرن على الأريكة فيحمله إلى.. فيقتلنى
يصرخ فى وجهى عندما أدغدغ ماما فتصرخ من كثرة الضحك.. فيقتلنى
يقتلنى أن أفارقه هو وملائكتى العشرة مرة أخرى.. وأنا أعلم أنى لا محالة.. مفارقهم.
بعد مرور عامين..
د.أحمد عبد المحسن طنطاوى يكتب: ملائكة على كوكبنا
الإثنين، 30 يناير 2012 02:28 م