موسى حوامدة يكتب:هشام أصلان ...يمسد طعم الأبوة

الأربعاء، 25 يناير 2012 09:04 ص
موسى حوامدة يكتب:هشام أصلان ...يمسد طعم الأبوة  الراحل الأديب إبراهيم أصلان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
*إلى الصديق هشام أصلان

لم استطع أن أتصل بك، حينما سمعت خبر وفاة العزيز إبراهيم، أو العم إبراهيم، كما كنا نحب أن نناديه، لم أتصل بك، لسبب بسيط وهو أن والدك، لم يكن مجرد أب لك، لكى أقول لك رحم الله الوالد، والفاتحة على روحه، أعرف أنه حاضر معك، يرافقك فى عملك وحياتك وعلاقاتك، وحتى نظرتك للحياة، ومواقفك من كل شيء، ولكن ليس بطريقة التلبس، أو سطوة الأب، بل بطريقة العشق المتحرر، فلم يكن كابوسا يجثم على صدرك، مثل بعض الآباء، بل صديقا قدر لكما، أن يكون أباك، وأن يكون خفيفا على القلب، مثل كونشيرتو لطيف.

تذكر حينما كنا نأتى على سيرته، ويتكلم عنه سيد محمود الصديق المتشبث بمحبيه، أكثر منك، ويتحدث عنه الموجودون أكثر منك، لم تكن تبالغ فى مديح الأب، ولا تتقمص دور المنافح بأى شكل عنه، بل كنت تمسد طعم الأبوة، بروحك، وليس بكلمات تظهر إخلاصك، أو حبك لروائى مشهور ومتميز، كنت عفيفا كما أنت، نسخةً من رواية كتبها الراحل على مهل، ووضع فيها روحه على مهل، لم يتسرع فى الكتابة كعادته، كما لم يتعجل فى التربية، ولم يحشرك فى قوانين صارمة، بل وضع لمساته المكثفة عليك، طيبةَ قلبه اللامتناهية، حبه لعروبته ولمصر وحاراتها، حبه لإمبابة، والكت كات، وللقاهرة عموما، ولفقرائها، فلم يكن مثقلا بإرث سياسى مزيف، يعوقه عن حب بلده، كما تحب الفراشات.
صديقى العزيز هشام
أعرف أن حزنك بلاد لا حدود لها، ولذا جفت كلمات العزاء.
وأعرف أن خسارتك أكبر من أن توصف، ولذا لذت بالصمت والبكاء، فما الذى يمكن أن نقوله عبر الهاتف غير الكلمات التقليدية، والتى لم تسعفنى شفتاى لقولها، وكأننى أتخلص من واجب ثقيل الظل، حشرتُ الكلمات فى صدري، لكى تظل صورتك ماثلة فى ذهني، ولكى تحفر الخسارة عميقا فى الروح، لكى تسند روحك من بعد.
يا صديقي
أعرف أنك لن تجعل الموت سداً بينك وبينه، عد إلى سيرته العطرة، واعلم أنه أورثك وأخاك، أجمل ما يورث الآباء لأبنائهم، سيرة مرفوعة الرأس، من العزة والكبرياء والرفض الأبي، وعدم الإنحناء رغم سنوات الجفاف والقهر التى مرت بمصر، وكسرت الكثير من المثقفين أمام السلطة، وأمام الإغراءات، فلم يتلكأ والدك فى رفض لقاء رأس النظام، حينما كانت ترجف منه ومن جبروته الكثير من القامات، وحملة الأوسمة والجوائز والشهادات العليا والأسماء الكبرى، لكن أباك رفض ببساطة، لقاء الشيطان، وظل رافضا لكل سياسة لا تمنح الفقراء حريتهم، وحقوقهم، ولا تحرر الإنسان المصرى من طغيان وفساد لا مثيل لهما.
ليس هذا فقط ما يجعلك متماسكا وفخورا...
أعد سيرته، وانظر الى كتاباته، لن تجد ما يحزنك، بل ستجد فى كل سطر، كاتبا نبيلا شهما، عاشقا لإنسانيته، وبلده، مكثفا سرده وقصصه وحواراته، جريئا صريحا، يحفر رويدا ببساطة غير معهودة، ونظرة عميقة الغور.
ليس هذا فقط، بل كان وفيا، يديم علاقاته، حتى مع الشخصيات التى كتب عنها، ولا يقطع حبل الود معها، تخيل ما صنع بالشيخ حسنى بعيدا عن النص الروائي، ألم يتابعه ويذهب له ويمشى معه، ويكتم اسمه، وكذا فعل مع الكثير من الشخصيات التى كتبها.
يا صديقى ..
كان أبوك فريدا من نوعه، ليس مثل بقية الروائيين الذين يتخلصون من شخصياتهم، كما يتخلص المريض من علبة الدواء، او الجريح من ضماده، بل يحمل مصير شخوصه ويتحمله، ولا يتخلى حتى عن تلك الشخصيات البسيطة والفقيرة، ولا حتى عن الشريرة، أمثال (الهرم)، والتى زودته بمادة للكتابة والتأمل.
لم يكن كاتبا عاديا، فلا تجعل حزنك عليه عاديا، بل تعال لنصافحه فى شرفة الخلود التى وهبت نفسها له دون أن يقصد، أو يتعمد ذلك، فقد كرس اسمه دون أن يسعى، وصاغ أدبه بلا تكلف ولا تصنع، بل دفعته الطيبة المشرشة فى أعماقه، لكى يكون حالة كتابية فريدة، لا فى مصر وحدها فى العالم العربى كله.
والآن يا صديقى
لن نكون تقليديين فى استذكاره، ولا مجاملين فى حبنا لكاتب استثنائى كبير، وراحل لم يقطع علاقته بنا، وقد ترك لنا إرثا حقيقيا، وملأ أرواحنا بكتابات ليست نمطية أو مألوفة. تعال دائما نعود إليه، فلا نشعر بفقده، ولا نحتاج ساعتها لعبارات مواساة تقليدية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة