ونحن نحتفل هذه الأيام بثورة 25 يناير المجيدة التى تطل علينا بذكراها الأولى ينبغى أن نقف أمام مشهدين اثنين: أما المشهد الأول فأن نسأل أنفسنا إن كان من حقنا أن نحيى هذه الذكرى بمشاهير المطربين حسب ما يراه المجلس العسكرى أو الثوار أنفسهم بغض النظر عن الجروح التى لم تندمل وعن الثورة التى لم تكتمل بعد؟! أم أنه يخلق بالثوار أن يراجعوا أنفسهم مع القوى السياسية، وأن يعيدوا ترتيب أوراقهم حتى يستطيعوا أن يعالجوا الأسباب التى أدت إلى تعثر الثورة وأوقفت مسيرتها فى بداية الطريق؟!
وفى نفس السياق هل تستطيع آذاننا أن تستجيب لوقع أنغام الموسيقى الجميلة والأصوات الطروبة العذبة دون أن تتأثر بهذه الأجواء المشوبة بالحزن والثكل والترمل ويا ترى أى من الموقفين يستطيع أن يأخذ علينا مسامعنا ـ الحزن أم الغناء؟!
ومهما يكن من أمر ـ فإننا لا نقدر على الفرح مادامت تصخ آذاننا فى اليقظة والنوم صرخات الشهداء وأنين الجرحى وأصوات مشيعى الرفات وهى تلهج بالتكبير والدعاء فى سماء التحرير لتختلط جميعا بأصوات آلة قمع وسحل الثوار الشرطية والعسكرية فى مشهد صوره العالم وسجله التاريخ الأمين بين صفحاته.
ولو افترضنا جدلا أننا سنسلك مسلك المهللين للطبل وللغناء، فهل بإمكاننا بعد ذلك أن نجلى غمرة الأسى والحزن والألم عن قلوب ونفوس أهالى الشهداء، وهل بإمكاننا أن نوقف دموعهم السّحاحة على البين وفراق الأحبة دون أن نقدم لهم ما يمسح عنهم الأحزان ويرقأ الدموع؟!
أما المشهد الثانى: فهو مشهد استرجاع ذكريات الإطاحة برأس النظام والعمل الدؤوبب على تفكيك كياناته العالقة بمؤسسات الدولة التى نعمت بسلطانه القديم ـ ومن غير شك فإن هذا المشهد كان رائعا فى صورته قبل أن تطاله الأيدى العابثة بالثورة والتى تجتهد فى صناعة الأحداث وتوظيف الأشخاص أمثال الطرف الثالث الافتراضى والبلطجى والمندس وراكبى الموجة.
وحقيقة الأمر أننا إذا ما استعدنا روح الثورة الأولى التى نحن بصدد الاحتفال بذكراها اليوم، وذلك من حيث كان خروجنا الأول للتظاهر سلميا كأسراب الطيور الصافات فى جو السماء وكأمواج البحر المضطردة، ومن حيث كان الانضواء تحت مظلة الحب والوفاء، ومن حيث كان الانتماء للوطن قبل الأفراد ـ فلاشك أننا إذا استعدنا اليوم هذه المشاهد الرائعة إلى الأذهان فإنها ستضرم جذوة الحماسة والعزيمة الصادقة فى نفوس وعقول شبابنا الرائع كما أضرمتها بالأمس فحملته على قهر الصعاب وتجاوز المحن.
فقهر صدى الصمت المطبق وحوله إلى أصوات أشبه بأزيز الريح وقاذفات الرعد والبرق ليتحطم معها القيد وينكسر حاجز الخوف حين أصبح لا يهاب الموت فقدّم لمصر الشهيد تلو الشهيد من أجل أن يتم تغيير الواقع الواهن إلى حياة عادلة تحترم فيها حرية الرأى وكرامة الإنسان.
رمضان محمود عبد الوهاب يكتب: ثورة يناير فى عيدها الأول
الأربعاء، 25 يناير 2012 02:19 م