هناك قصور ننتظره ليظهر بيننا مع كل حدث ذو شأن.. قامت الثورة فواجه البعض منا هذا الحدث الجلل منذ خطاب مبارك الأول بأنواع من القصور أهمها النسيان وعدم الاهتمام بالتدقيق والخضوع لعمليات تشكيل الوعى من قبل مؤسسات ولدت وشاخت على توجهات الحكم الشمولى. هناك أيضا قصور أدمناه وهو التوقف فى منتصف الطريق قبل تحقيق الهدف بدواع مختلفة يجمعها إطار عدم وضوح الرؤية وعدم ترتيب الأولويات.
هناك من شاركوا فى الثورة معنويا أو فعليا ولكن أعياهم اضطراب أحوالهم ففرغ صبرهم ونفذت إلى عقولهم رسائل الثورة المضادة فحولت تركيزهم عن السبب فى أزماتهم إلى النتيجة.. أصابهم النسيان فلم يتذكروا أنهم شاركوا فى ثورتهم من أجل التغيير الجذرى فى نظام الحكم وأساليبه، وأن شيئا من هذا لم يحدث حتى تاريخه.. مازال نفس الحكم قائما يمثله المجلس العسكرى بتكليف من الوجوه التى ثار الشعب على حكمها.. لم تمكن الثورة ولم يتغير شىء فى مصر إلا للأسوأ.. نسوا أن رئيس المخابرات المصرية السابق هو من هدد القوى السياسية بالانقلاب إذا لم ينجح الحوار فى فض الثورة ثم نفذ تهديده بتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. هل يكون التكليف ساعتها على لسان رئيس المخابرات أصدق من"إعادة الأمور لنصابها"؟. نسوا أن الطريق إلى موقعة الجمل والخيول فى الثانى من فبراير تم فتحه بأوامر عليا، وأن هذه الأوامر حافظت على حالة الترقب فيما استمر قتل العشرات من الثوار بالرصاص الحى حتى فجر الثالث من فبراير.. نسوا الأيام التى بادرت فيها القوات تنفيذا للأوامر العليا بمنع دخول الأدوية والطعام إلى ميدان التحرير خنقا لمعنويات الثوار.. ماذا كان الهدف من هذه الأوامر العليا إلا إعادة الأمور إلى نصابها.. لقد كان الأمل من وراء تلك الأوامر هو خنق الثورة بدون اللجوء لخطيئة ضرب القوات المسلحة لشعبها.. هذا المحظور تم التضحية به عند التيقن بضرورته لإنجاز ذلك التكليف الصادر بإعادة الأمور إلى نصابها.. تم قبول أن يكون الثمن هو دم شهداء ما بعد التنحى وأن تعود الأمور إلى نصابها عنوة ولو بثأر يرفعه أهل هؤلاء الشهداء وزملاؤهم.
لم يقتصر الثمن الذى تم التضحية به على أرواح الشهداء بل امتد إلى كشوف لعذرية فتيات مصريات ولنور عيون ثوار.. امتدت الاستماتة فى تنفيذ هذا التكليف إلى دهس المصريين بالمجنزرات فى موقعة ماسبيرو تماما، كما حدث يوم 28 يناير.
لقد كانت كل المواقف واضحة منذ البداية، مواقف الثوار الذين عرضوا صدورهم ونور أعينهم للإصابة ليس إلا فداء لمصلحة الوطن العليا وعلى الوجه المقابل مواقف مؤسسة الحكم التى لم تتبدل إلا فى الوجوه وكان أعضاؤها على أقل تقدير شهودا على انهيار مصر وخراب حال المصريين كل يوم ولم يثوروا، ولكن حافظوا على مواقعهم وامتيازاتهم.
الجيش يحمى ولايحكم وبدلا من تقديم الحماية لمن ثاروا ودفع منهم الآلاف ثمنا باهظا، قام القواد الذين كانوا شهودا على الفساد والانهيار ومع ذلك لم يثوروا بالسعى دائما فى حدود التكليف الصادر عند التنحى بإعادة الأمور إلى نصابها من أجل استيعاب الثورة وخنق آثارها وليس تنميتها والبناء عليها.
لا يؤمن من يحكمون مصر أن ثورة قد حدثت ولكنهم يؤمنون أن من حفزوا شعب مصر على الثورة هم جماعات من الفوضويين وليسوا ثوارا.
يعملون بتمويل ولحساب أجندات، تلك التهم جاهزة من زمن ما قبل التنحى ويتم استعمالها لقتل الثورة والخلاص من كل تهديد تحمله لمصالح مؤسسة احتكار الحكم فى مصر.
لنتذكر أن النيات الطيبة للثوار، والتى تبدت بهتاف "الجيش والشعب يد واحدة" من حناجر لم يكن لها مطمع إلا خلاص مصر والمصريين من الذل والهوان قابلتها نيات كلها مناورات والتواءات وتباطؤ من الذين لم يثوروا ولكنهم تولوا إدارة شئون البلاد بدون توكيل ممن ثاروا.. فى غمرة الأحداث غادر الثوار الميادين بعد التنحى قبل أن يؤكدوا حقيقة أن الجيش موجود ليحمى وليس ليحكم.. هؤلاء جميعا لا يصدقون الآن أن هؤلاء القادة ينوون حقيقة أن يسلموا حكم مصر إلا بعد إفراغ هذا من مضمونه.
لا ديمقراطية فى ظل تسليم صورى أو حتى منقوص للحكم ولا فى اعتبار مؤسسة لنفسها فوق باقى مؤسسات الدولة ولوكانت المؤسسة العسكرية.. لقد اتضحت هذه النيات فى البندين التاسع والعاشر من وثيقة السلمى. لم تقم ثورة الشعب إلا من أجل نهضة مصر ولا نهضة إلا فى ظل ديمقراطية كاملة الحكم فيها للشعب.
لم ينس أبدا كل المحتشدين خلف الثورة هدف تحقيق الديمقراطية الكاملة من أجل نهضة مصر ولم ينصاعوا لأشكال التآمر وغسيل المخ التى تهدد هذا الهدف.. هل يدرك شعبنا ضرورة أن تبقى الثورة على الحكم الذى يعطل مسيرة التغيير والإصلاح مستمرة؟
الثورة فى حقيقة أمرها قد سرقت وعلينا الإصرار على إعادة ما سرق من شعبنا.. لابد من الإصرار على تسليم السلطة فورا لحكومة تمثل الثورة وتحمل أمانة التغيير والتطهير أمام الشعب وممثليه المنتخبين بالبرلمان. لابد من المسارعة بفتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية وملء فراغ قيادة مصر فى مدة أقصاها ثلاثة أشهر من الانعقاد الأول للبرلمان، نكون خلالها قد فرغنا من العمل الجاد جدا فى وضع دستورنا الدائم.. الحق بين إذا أردنا لمصر خيرا واستقرارًا وانطلاقا فى الإنتاج وفى تأمين مصالح المصريين وفى نفس الوقت فاللؤم والمكر بين وسيرتد على أصحابه.
هل يتضح الآن لماذا لا يكون غدا الخامس والعشرين من يناير يوما للاحتفال ولماذا انسحب الدكتور البرادعى من سباق الرئاسة؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري من الاغلبية
مقال ممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو احمد
ماذا اقول
حضرتك محترم جدا وهذا مقال رائع وفى الصميم
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدى من طنطا
ياعم الحاج قول كلام غير ده .. ثورة إيه اللى سُرقت