أكد الدكتور رفيق عبد السلام، وزير خارجية تونس، أن سوريا بلد مركب ومعقد، سواء من الداخل أو فى وضعه بالنسبة للعالم العربى، حيث يتاخم إسرائيل وتركيا وبلاد عربية كثيرة، مضيفًا أن اجتماع جامعة الدول العربية أمس، انتهى بالإجماع على عدم استخدام الخيار العسكرى فى سوريا، وإيجاد الحل المناسب ضمن إطار الجامعة.
وأضاف "عبد السلام"، خلال حوار خاص مع الإعلامية منى الشا
ذلى فى برنامج "العاشرة مساء" على قناة دريم 2، أن الثورة تغير الأنماط وأنهت البيروقراطية فى تعيين الحكومة، قائلاً "أنا وزير ثورة وعمرى 43 سنة وهذه استحقاقات الثورة التى أوجدت وجوهًا جديدة وشابة".
وأوضح "عبد السلام" أنه لم يمارس الدبلوماسية بالمعنى الحرفى للكلمة، ولكنه عمل بالأبحاث السياسية والتقى الكثير من الشخصيات العالمية، وعلاقته وطيدة بهم، مشيرًا إلى أن السياسة الخارجية ليست عملاً إداريًا وإنما تتعلق بالرؤية، قائلاً "لن أبدأ من الصفر ولدى خبرة فى التعامل الدولى، والشيخ راشد الغنوشى صهرى ليس شخصية رسمية وإنما شعبية، والعلاقات السياسية لا تتأسس على القرابة، ولست غريبًا أو دخيلاً على حزب النهضة، فقد عدت بعد الثورة إلى تونس بعد إقامة طويلة فى بريطانيا، وترشحت لهذا المنصب، والمعترضين على وجودى يعتقدون أننى سأكرر تجربة بن على وتتوزع المناصب على أفراد العائلة".
ونفى "عبد السلام" أن يكون صهره الغنوشى هو سبب توليه وزارة الخارجية، فقد تم ترشيحه لهذا المنصب بواسطة أعضاء المكتب التنفيذى لحزب النهضة، ثم أحيل الأمر للهيئة التأسيسية، وتم التصويت بالأغلبية، ولم يكن قرار تعيينه فرديًا واستغرق شهرًا من المباحثات، مؤكدًا على سعيه لتقديم تجربة ناجحة فى إدارة السياسة الخارجية لبلده، وستكون هذه هى مهمته الأساسية، مشيرًا إلى وجود حكومة ائتلافية فى تونس يتشارك فيها ثلاثة أطراف، أكبرها حزب النهضة الحاصل على أكثر من 40% من أصوات الناخبين، وهذا مثال جيد لنظام الحكم غير المنفرد الذى تتحكم فيه جهة واحدة.
وقال "عبد السلام": "لن نبدأ من الصفر ولدينا خبرة، خاصة أننا دولة لم تتفكك فى الثورة، ولدينا أدوات مستمرة وجئنا لنطور ونعدل، ومجنون من يتصور أنه سيبدأ من الصفر فى بلاد الثورات، خاصة فى مصر، وهناك تشابه بين التجربة المصرية والتونسية ليس فقط فى الثورات وإنما من الناحية العلمية والثقافية، وبرغم أن تونس عدد سكانها 11 مليونًا فقط إلا أنك تستطيع قراءة المشهد المصرى من خلال تونس، وأهم رسالة أنتجتها الثورة هى أن التغيير ممكن".
وأوضح "عبد السلام" أن العرب تعودوا على كره أنفسهم بسبب ظلم الحكام وقهرهم، والثورة جاءت لتصحيح الأوضاع، مشيرًا إلى صعوبة الحكم على نجاح الثورة أو فشلها من خلال عام مضى فقط، مضيفًا أن ثورة تونس لم تكن دموية أو صاخبة، وإنما هادئة وسلسة، قائلاً "تمكنا فى مصر وتونس من إزاحة طاغيتين هما بن على ومبارك، ولا يجب المسارعة والكفر بالثورة، فالناس متعجلة على النتائج، خاصة الشباب بسبب طموحاتهم العالية المتقدة، ولأنهم ضحايا النظام السابق ويريدون الآن تحقيق أحلامهم، ولكننا نحتاج الصبر والتمهل".
وأكد "عبد السلام" أن السياسة الخارجية لا تقوم على الأمزجة الشخصية، ويتحكم فيها الموقع الجغرافي، وتونس بلد عربى أفريقى 80% من مبادلاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبى، مشيرًا إلى اتفاقهم على وجود رئيس وبرلمان مؤقتين، والانتهاء من تشكيل حكومة ائتلاف وطنى، ولكن تنتظرهم تحديات كثيرة، إلا أنهم اجتازوا المرحلة الأصعب، مؤكدًا على أن الأوضاع العربية تدعو للتفاؤل بسبب وجود رقابة ورغبة شعبية فى حدوث ذلك.
وأكد "عبد السلام" أن مصطلح "رئيس مؤقت أو حكومة مؤقتة" من اختراع الإعلام، قائلاً "حكومتنا هى الأولى من نوعها فى العالم العربي، حيث جاءت بالانتخاب والديمقراطية، ونحن أول حكومة تفرز عبر صناديق الاقتراع، ولدينا خبرة تاريخية، وقررنا أن المدخل الطبيعى هو صياغة دستور أولاً ثم تشكيل الحكومة التى تتعلق قراراتها الآن بموازنة الأوضاع، ولا تستطيع تغيير كل شىء إلا بالتدرج وتقليص السلبيات، قائلاً "لا نملك مفتاحًا سحريًا لمعالجة المشكلات ونحتاج لشىء من الصبر".
وأكد "عبد السلام" أن حزب النهضة لا يتخذ موقفًا معاديًا من المرأة، والدليل هو مشاركته فى البرلمان التونسى بـ41 سيدة، مشيرًا إلى عدم اعتراضهم على أن يكون هناك رئيسة تونسية، مضيفًا أن التيار السلفى ليس موجودًا بالقوة التى يتخيلها الجميع، وتأثيره محدود ولا وجود له فى المجلس التأسيسي، وغير معترف به، وظهر كجماعات صغيرة ضاغطة، قائلاً "لدينا مجموعات متطرفة من اليمين واليسار ولن نقمعها أو نعتقلها أو نحاربها، وإنما الحل هو إفساح المجال أمامهم بشرط عدم ممارسة العنف".
وأكد "عبد السلام" أن الشعب اختار حزب النهضة كقوة متناسقة مع الثورة، ولديهم قاعدة شعبية واجتماعية واسعة، متمنيًا تكامل مصر وتونس وليبيا لمساعدة بعضهم على التطور والنمو، مؤكدًا على عدم وجود عوائق أمام حدوث ذلك، لأن ثقافتهم وثوراتهم مشتركة، ويحتاجون فقط لشئ من الخيال الاستراتيجى، وبعدها يمكن فتح الإطار على بعض الدول العربية الأخرى كالمغرب والجزائر.
وتمنى "عبد السلام" ألا يؤثر طلبهم باستعادة بن على على علاقتهم بالسعودية، فتونس تريد استرجاعه لمحاكمته وتحقيق العدالة لأنها دولة مؤسسات وقانون، والشعب يريد القصاص منه على نهبه الثروة العامة، وجرائمه ضدهم، قائلاً "نحن حريصون على علاقتنا بكافة الدول العربية، ولم يتوفر لى الفرصة للجلوس رسميًا مع أصدقائى السعوديين، ولكن وزير العدل سيرسل مذكرة وطلبًا لاستعادة الرئيس المخلوع من السعودية، لأن هذا الملف قضائي"، مشيرًا إلى أن رجال الطبقة السياسية لا يرغبون فى عودة بن على حتى لا يتكرر سيناريو مصر، ولكن الشعب يريد محاكمته.
وقال "عبد السلام": "لن نتراجع عن الحريات الشخصية، وستكون أكثر اتساعًا وضمانًا من أى وقت مضى، فكيف نصادر الحريات وشرعيتنا ديمقراطية، والحرية المدنية والخاصة مكفولة، وليست مسؤولية الدولة التدخل فى الخيارات الفردية للمواطنين، أو فرض أجندة ثقافية معينة فى المأكل والمشرب والملبس وأسلوب الحياة، فنحن لا نشجع الخمور ولكن لن نمنعها لأن الأمر يعالج بالتربية الفردية".
وأضاف "عبد السلام": "أما الشواطئ فستظل مفتوحة وستكون متنوعة، فمن تريد ارتداء الزى الإسلامى فسيكون لها ذلك، ولن نفرض نمطًا موحدًا فهناك منشور رقم 108 كان موجودًا قبل الثورة بمنع الحجاب باعتباره زيًا طائفيًا وتم إلغاؤه، ولكننا فى المقابل لن نصدر منشورًا يفرض الحجاب، ولا يجوز التدخل فى حريات الأفراد سواء باسم العلمانية أو الدين".
وأكد "عبد السلام" أن حزب النهضة تيار إسلامى مدنى بخصوصية تونسية، تأثر بتجربة الإخوان، مشيرًا إلى أنه لم يقابل مرشد الإخوان ولكنه منفتح على الكافة، ولا يرفض لقاء أحد، مضيفًا أن 99% من سكان تونس مسلمون مالكيون سنيون أشعريون، وليس لديهم أديان أو طوائف أو مذاهب أو قبائل، وهذا شىء إيجابى وسلبى لأنه يؤدى لمجتمع هادئ مستقر، ولكن فى الوقت نفسه يعزز من فكرة القدرة على التسلط والانفراد السياسى كما فعل بن على.
وقال "عبد السلام": "ما زلنا ننتظر الإعانات ولم يصلنا شىء ولن نلجأ للاستدانة من صندوق النقد الدولى حتى لا نرهق دولتنا بالديون، ونفضل المساعدة من الأشقاء العرب على ذلك، ونعول على الجهود الذاتية فى جذب الاستثمارات".
وزير خارجية تونس: أنا وزير ثورة.. وأزحنا طاغيتين هما بن على ومبارك
الإثنين، 23 يناير 2012 11:22 ص