عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: ثقافة الإشاعة أم إشاعة الثقافة

الأحد، 22 يناير 2012 01:25 م
عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: ثقافة الإشاعة أم إشاعة الثقافة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين أراد ديكارت الوصول إلى حقيقة الوجود، افترض أن كل الحقائق زيف باطل، فهدم معابد المسلَّمات بمعول الشك، وبدأ فصلاً جديداً فى تاريخ الفلسفة، والعلم يهدف إلى تقويض المسلمات والفرضيات التى يأباها العقل ويلفظها المنطق، لينشئ مكانها صروحاً جديدة من الحقائق العلمية والمفاهيم المنطقية. هكذا رفع ديكارت من شأن العقل ورفعه فوق سقطات الموروث وإن كان مقدساً.

ورغم هذا، نجد ديكارت يعظم حقيقة الألوهية، ويسمو بها فوق مرتبة العقل؛ لأن الإله عنده عقل غير محدود، باعتباره لا يعتمد على خالق آخر.

هكذا وصل ديكارت من نفق الشك إلى ذؤابة اليقين، عن طريق اتباع منهج علمى رصين، شكل إرهاصة للنهضة الفكرية فى أوروبا والعالم. لكن أدعياء الثقافة فى بلادنا حين أرادوا أن يقلدوا الفارس، أخذوا سيفه وقتلوا حصانه. فابتدعوا منهج الشك من أجل التيه، واستمرأوا التخلى عن كل الثوابت رغبة فى الاختلاف، ورفضوا الإله دون أن يتثبتوا من حقيقة وجوده، فأصبح الشك لديهم غاية وتحقير الموروث لهم ديدنا.

ومن أسف، سار على دربهم كثرة كثيرة من الأميين الجهلة الذين تاهوا فى سراديب اللفظ وضحالة المعنى عن كل الحقائق ومنها حقيقة الإله.

ولأنهم لا يملكون علما يديرون به الرؤوس، ضرب كهنة المتفلسفين على وتيرة الغرائز، فاستمالوا ذوى القلوب الخربة والعقول المتهالكة. وبرهنوا بعد جهد جهيد على شىء واحد، أنهم متخلفون، وأنهم لا يملكون من أدوات العلم رفشا ولا مبضعا. فهم ينتقلون من حمأة تشكيك إلى حملة تشهير إلى سفح دعارة فكرية، يمارسونها على صفحات الجرائد، وأمام مكبرات الصوت وخلف شاشات الحواسيب. ها هم يفسدون جيلاً من الشباب بسفسطاتهم الكاذبة ورعونتهم الفجة.

ولأنهم يجيدون عجن الكلمات بطحين المكر وخميرة الكذب، فقد تمكنوا من الذهاب بعقول الشباب الحائر كل مذهب، حتى جعلوا رأس الشاب منهم ككرة المضرب، يلقونها حيث يشاءون، ويتلاعبون بها كيفما عنّ لهم. فيقضى الشاب جل يومه وشطرا من الليل يتصفح سقطاتهم ومفردات بذاءاتهم على المواقع الاجتماعية، فلا يحصل علماً ولا يرتوى من نبع ثقافة أصيل. إنهم كديدان المستنقع التى تأكل كل شىء فى صمت وتؤدة وإصرار، غير أنهم يأكلون كل ثوابتنا وهم ينعقون ويتفيقهون على مرأى من العلماء المغبونين. نحتاج - أشد ما نحتاج - إلى ثورة على هؤلاء، لا إلى الثورة معهم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة