وائل طلعت

سيدى رشيد ومجلس العسكر

السبت، 21 يناير 2012 09:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طفلٌ فى الثامنةِ من عمره على أقصى تقدير كان ماراً من أمام عينى خلال تظاهرةٍ لحملة "كاذبون"، متوجهاً ووالده إلى النادى الأهلى بمدينة نصر، وسأل أباه بصوتٍ مرتفع "هما عاوزين إيه يا بابا؟" فرد الأب "عايزين المجلس العسكرى يمشى" فباغته بسؤالٍ آخر "هو مين المجلس العسكرى ده؟" فأجاب الوالد "الجيش يا حبيبى"، فكان رد الطفل دون أدنى تردد صاعقاً لسمعى "هو يا بابا مش الجيش والشعب كانوا إيد واحدة؟".. هنا انتهى الحوار الذى كان بصوتٍ مرتفع وعلى مسمع ومرأى من المارة الملاصقين لهذا الطفل وأبيه. ماذا فعل بنا المجلس العسكرى ليثير هذه التساؤلات لدى هذا الطفل البرىء؟.. إيلاما أوصل هذه البلاد خلال فترة حكمه لها والتى قاربت العام؟!..

هذا ما سنتناوله التحليل من خلال مقارنة بين ما الحالة التونسية بعد ثورة الياسمين وما قابلها فى ثورة اللوتس.

يعتبر قائد أركان الجيش الوطنى التونسي، صاحب دور مهم فى إنهاء عهد رئاسة زين العابدين بن علي لتونس بعد اندلاع الثورة التونسية نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011، وهو الفريق أول رشيد عمار، قائد الجيش البرى التونسى، الذى يؤكد المعارضون لنظام بن على، الذين يحكمون تونس الآن، أنه ساهم فى عملية خروج الرئيس الهارب خارج البلاد. وهناك معلومة أكدتها عدة وسائل إعلام محلية، أن الجنرال القوى تعرض يوم 9 يناير 2011 لموقف فارق فى تاريخ الثورة التونسية، وطبقاً لأبوبكر الصغير، رئيس تحرير صحيفة «الملاحظ» التونسية، وغيره من الصحفيين التونسيين، فإن «بن على» خيّر رشيد عمار، رئيس هيئة أركان الجيش، وقائد القوات البرية، بين إطلاق الرصاص على المتظاهرين أو الإقالة، فاختار الخيار الثانى ورفض أوامر الرئيس القاضية بمشاركة الجيش فى مواجهة الاحتجاجات إلى جانب قوات الأمن. وقد عيّن «بن على» الجنرال أحمد شبير، رئيس الاستخبارات العسكرية بدلاً منه، والذى لم يستغل هذه الفرصة مغّلباً مصلحة تونس على مصالحه الشخصية، ولم يتول قيادة الأركان، ومسانداً الفريق رشيد عمار فى موقفه.

وجاءت تأكيدات من الناشط السياسى والقانونى التونسى عبد الوهاب الهانئ، فى تصريحات صحفية، أن رشيد عمار لم يستقل، وأنه ظل محل احترام وقبول شعبى لموقفه الرافض لإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وأنه جرى توافق بين المؤسسة العسكرية على بقائه، معتبراً أن من يمسك الآن بزمام الأمور هو قائد الجيوش رشيد عمار، والفريق أول بحرى طارق فوزى العربى، والفريق أحمد شبير، رئيس الاستخبارات العسكرية، والفريق الطيب العجيمى، والفريق منصور الحداد، والفريق محمد الهادى عبد الكافى.

ويظهر الدور الوطنى للفريق رشيد عمار وقيادات الجيش التونسى جلياً فى مواقف متعاقبة بعد هروب بن على وصراع رجاله "الفلول" من أجل الحفاظ على نظامه الفاسد، حيث من الطبيعى خلال أى ثورة ظهور ثورة مضادة من أصحاب المصالح والفاسدين فى محافظة سيدى بوزيد نقطة انطلاق الثورة، حيث قام الجيش التونسى بأوامر من رشيد عمار بحماية بعض المتظاهرين فى مدينة الرقاب فى محافظة بوزيد، حيث أشهر جنود الجيش سلاحهم فى وجه قوات مكافحة الشغب التابعة للداخلية التى حاولت إلقاء القبض على المتظاهرين.

والمتابع للمشهد التونسى يرى أن رشيد عمار ورجاله كانوا كذلك جزءا من نظام بن على ولكنهم رجعوا إلى الحق بعد ثورة شعبهم وأيدوا وساندوا الثورة فعلاً لا قولاً، فقد أورد الموقع الرسمى لقصر قرطاج على الإنترنت، أن الرئيس الهارب بن على قد كرم الفريق أول رشيد عمار قبل اندلاع الأحداث ومنحه وساماً من الطبقة الأولى، وذلك فى ذكرى الانطلاقة العشرين لما سمى بـ «ثورة التصحيح» التى قادها بن على، وأزاح فيها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة من منصبه كرئيس للبلاد.

وفى يوم الجمعة 14 يناير 2011 أجبرت الانتفاضة الشعبية الرئيس زين العابدين بن على الذى كان يحكم البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة 23 سنة على مغادرة البلاد بشكل مفاجئ إلى السعودية، وبعد مغادرة الهارب أعلن الوزير الأول محمد الغنوشى عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة، وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه، وذلك استنادًا على الفصل 56 من الدستور التونسى والذى ينص على أن لرئيس الدولة أن يفوض الوزير الأول فى حال عدم تمكنه من القيام بمهامه، غير أن المجلس الدستورى أعلن أنه بعد الاطلاع على الوثائق لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول وإن الرئيس لم يستقل، وبما أن مغادرته حصلت فى ظروف معروفة وبعد إعلان الطوارئ وبما أنه لا يستطيع القيام بما تسلتزمه مهامه ما يعنى الوصول لحالة العجز النهائى فعليه قرر اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن فى يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولى رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت، وذلك لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا حسب ما نص عليه الدستور. وقد تم فى يوم 17 يناير تشكيل حكومة جديدة برئاسة الوزير الأول محمد الغنوشي شارك بها عدد من زعماء المعارضة، وأعلن الغنوشي إن الحكومة ستعمل بعيدًا عن الأحزاب السياسية، كما أعلن عن حاجة الحكومة إلى ستة أشهر على الأقل قبل إجراء الانتخابات العامة، كما أكد على التزام حكومته بالإفراج عن السجناء السياسيين وتشكيل لجنة لتقصى الحقائق ومحاربة الفساد السياسى والتجاوزات والتحقيق مع أصحاب الثروات الهائلة أو المشتبه فى فسادهم. وقد أطاح الشعب بهذه الحكومة وقد تم إعادة تشكيلها فى 27 يناير وقد قدم الوزير الأول محمد الغنوشى يوم 27 فبراير استقالته أمام القنوات التلفزية فى نقل مباشر، وقد أوكل الرئيس التونسى المؤقت فؤاد المبزع الوزير المتقاعد الباجى قائد السبسى فى عهد الرئيس السابق الحبيب بورقية بتشكيل حكومة جديدة وقد شكلها وترأسها فى يوم 7 مارس 2011.

وفى كل هذه الأحداث الفارقة وقف رشيد عمار وقيادات الجيش على مسافة واحدة من الجميع ينفذون مهامهم الوطنية دون أدنى اقتحام للمجال السياسى.

كل هذه المقدمات والأحداث توصلنا إلى نتيجة مفادها رغبة الجيش التونسى الواضحة فى الابتعاد عن الحياة السياسية وعدم تدخله للحظة فى أمور السياسة، فما كان من رشيد عمار ورجاله إلا الحفاظ على الحدود وتأمين الداخل والنأى بأنفسهم عن ألاعيب السياسة، وقد أعطى الفريق عمار، الرجل الأقوى فى تونس بعد الثورة، التحية العسكرية للغنوشى عند توليه، وللمبزغ بعد إسقاط الغنوشى، وأخيراً داخل المجلس التأسيسى وللرئيس الحالى المُنتخب من التأسيسى المنصف المرزوقى.

وإذ ألقينا بعض الضوء على الحالة المصرية فى أعقاب تنحى مبارك يوم 11 فبراير أقحم المجلس العسكرى، المؤلف من تسعة عشر من قادة الجيش المصرى يترأسهم وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، نفسه فى العملية السياسية، وكان من الأفضل لهذه البلاد أن ينأى بنفسه عن السياسة وألاعيبها ويتفرغ، كما حدث فى تونس، لحماية أمن وحدود البلاد. كما أنه عندما تتحدث عن رجل عسكرى يتبادر إلى مخيلتك ذهنك صورة ذهنية محددة لرجلٍ منضبط يؤمر من الأعلى رتبة فيطيع ويأمر الأدنى فيطاع، أما الصورة الذهنية للسياسى فهو إنسانٌ مرن يتمتع بقدرٍ بالدهاء لكى يستطيع أن يقوم بالمواءمات اللازمة للعملية السياسية. فالصورتان الذهنيتان مختلفتان تماماً، كما أن الانشغال بالسياسة لا يخلق وقتاً لإدارة الحدود وأمن البلاد، وبمعنى آخر "صاحب بالين كذاب".

وأعلن المجلس العسكرى فى بيانه الثالث الذى أصدره مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011، وبعد وقت قصير من إعلان تخلى مبارك عن منصبه، إنه (أى المجلس) ليس بديلاً عن الشرعية التى يرتضيها الشعب. وأصدر المجلس فى اليوم التالى، أى 12 فبراير، بيانه الرابع والذى تعهد فيه بالإشراف على مرحلة انتقالية تضمن انتقال السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة من قبل الشعب، كما أصدر المجلس يوم الأحد 13 فبراير 2011 إعلاناً دستورياً تضمن الإعلان عن حكم البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر أو لحين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إجراء تعديلات دستورية. وافق 77,2 بالمائة من أكثر من 18.5 مليون ناخب شاركوا فى استفتاء شعبى أقيم فى 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية التى صاغتها اللجنة برئاسة طارق البشرى، وفى رأيى، أن هذا الاستفتاء كان إيذاناً ببدء مخطط لشرذمة المجتمع المصرى إلى شيع وأحزاب.

وبتقييم بسيط لا يحتاج المزيد من الجهد لما صدر من بيانات عن المجلس العسكرى وما تم على أرض الواقع فسنجد أنه قد تمت إحالة أكثر من 13 ألف مدنى إلى القضاء العسكرى، من بينهم آلاف المتظاهرين السلميين، والناشطين والمدونين.

لقد اتبع المجلس العسكرى، نفس سياسات وأساليب نظام مبارك فى قمع المظاهرات والاعتصامات، واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وقتل المئات من المدنيين العزل، والاعتقال التعسفى، واستغلال وسائل الإعلام فى تشويه القوى المدنية والمدافعين عن حقوق الإنسان، بالتوازى مع العمل على تضخيم قوة الجماعات الإسلامية المتطرفة، كفزّاعة أو أداة لتخويف المصريين والغرب، ودفعهم للخضوع للأمر الواقع، وهى ذات استراتيجية الرئيس المخلوع، وذلك على الرغم من تطمينات العسكرى الدائمة بحماية الحريات وعدم العودة لما قبل 25 يناير 2011. ولعل الفارق الوحيد بين الانتهاكات التى كان يمارسها مبارك والتى يمارسها الآن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو اختلاف المستهدفين من تلك الانتهاكات، فبعد أن كان مبارك يستهدف بالأساس قوى التطرف الدينى، أصبح المجلس العسكرى يتعامل مع بعض رموزهم بوصفهم مستشارين له، يساعدونه فى حل الأزمات ذات الصبغة الطائفية، ويقدمون له العون والدعم فضلاً عن المساندة الشعبية. بينما وجه المجلس العسكرى كافة صنوف القمع من قتل خارج نطاق القانون، تعذيب، اعتقال تعسفى، كشوف عذرية إجبارية ومحاكمات عسكرية، إلى ضحايا، هم بالأساس إما إعلاميون أو مدونون أو ليبراليون ويساريون، أو حقوقيون، أو مواطنون عاديون ومشجعون لكرة القدم، ليس لهم علاقة أو انتماء لأى تيار أو فصيل سياسي، سوى مطالبتهم بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

وإذا عددنا إخفاقات المجلس العسكرى فى ما يربو على أحد عشر شهراً سنجدها وفيرة ومنها، سقوط المئات من الشهداء وآلاف الجرحى خلال الأحداث المتعاقبة من ماسبيرو مروراً بمحمد محمود وأخيراً مجلس الوزراء، انفلات أمنى، فشل فى التعامل مع المطالب الفئوية، العبث بالعلاقة بين الشعب والجيش، فشل فى تأمين خطوط الغاز، انهيارات متتالية للبورصة، هروب مليارات الدولارات، توقف كل المشاريع التنموية، ارتفاع الأسعار، أزمة البوتاجاز، أزمة البنزين، فشل مؤتمرات الحوار الوطنى والوفاق القومي، زيادة حوادث الفتنة الطائفية، فراغ دستورى، محاكمات عسكرية للمدنيين، حملات إعلامية منظمة لتشويه صورة الثوار، فضلاً عن الاستمرار فى الحكم لما يقارب العام على عكس البيانات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية التى أصدرها المجلس، وكذلك بطء اتخاذ القرارات المصيرية والتى لا تتخذ إلا بعد حدوث كارثة، وأخيراً إعلان انتهاء المرحلة الانتقالية فى 30 يونيو وتسليم السلطة لرئيس منتخب وهو البيان الذى صدر بعد سقوط الشهداء والجرحى فى أحداث محمد محمود، وأيضاً إعلان المشير ليوم 25 يناير عيداً قومياً بعد مرور عام من استلامهم السلطة فى خطوة استباقية ليوم 25 يناير القادم.

هذا التحليل قد يجيب عن تساؤلات الطفل لوالده الذى ذكرناه فى بداية المقال، ماذا فعل العسكر لكى يجعلوا من الجيش والشعب يدين منفصلتين؟، أوليس الجيش والشعب يداً واحدة؟! لماذا أقحم العسكر أنفسهم فى المعادلة السياسية فى مصر ولم يحدث ذلك فى تونس، وهو ما يجيب على تساؤل آخر: لماذا تقدمت تونس أكثر من مائة خطوة فى طريق الميل وتراجعت مصر خطوات للوراء؟.. إن يوم الذكرى الأولى لانطلاق الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير القادم لهو بمثابة نقطة فارقة فى تاريخ الأمة المصرية، وهو كذلك التوقيت الأمثل لتقديم كشف حساب عن العام الفائت، فضلاً عن كونه يوم التأكيد على استمرار الثورة المصرية السلمية حتى تتحقق كامل أهدافها التى قامت من أجلها.





مشاركة




التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

مجدى من طنطا

أنا لست معك لأن ظروف مصر تختلف عن ظروف تونس

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام

بطلوا فلسفة وكلام فارغ

تحليلك خاطىء ومعنديش وقت أفهمك

عدد الردود 0

بواسطة:

عصام الجزيرة

شكر وتقدير للمجلس العسكرى ....

عدد الردود 0

بواسطة:

واحد غلبان

هو مافيش عقود إحتراف للعسكريين نجيب رشيد عمار يحترف عندينا

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

انا مع كل التعليقات ولي كلمه للكاتب...

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود عبد الجواد

تحليل عظيم ولكن

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة