يأتى الوقف المتكرر لتصدير النفط المنتج من أراضى دولة جنوب السودان فى إطار مزيد من الضغوط "الحادة" التى تمارسها السودانان على بعضيهما، فإعلان دولة جنوب السودان إيقاف إنتاج نفطها الذى يمر عبر جارتها السودان، بعد أن اتهمتها بسرقة ما يصل نحو 1،4 مليون برميل بالقوة فى ميناء بورتسودان، أشارت إليه الحكومة السودانية باعتباره قرارا تكتيكيا تفاوضيا، قصد منه تحقيق بعض المكاسب فى المفاوضات الجارية مع الحكومة السودانية فى أديس أبابا.
غير أن الحكومة السودانية التى رأت قرار حكومة جنوب السودان، بشأن إيقاف إنتاج نفطها وتصديره عبر السودان، حقا سياديا لا دخل لها فيه، إذ إن الذى يعنيها من نفط الجنوب هو عندما يدخل فى خط الأنابيب، ويتجه إلى السودان، تناست أن مفاوضتها مع دولة جنوب السودان تتطلب تعنتات تكتيكية لإجبار الأخيرة على التراجع عن بعض المواقف السياسية.
وعلى الرغم من إعراب السفارة الأمريكية فى الخرطوم فى نهاية الأسبوع الماضى عن قلقها من «التهديدات السودانية والأعمال الأحادية التى تعرقل تدفق النفط من جنوب السودان»، إلا أنها دعت جوبا إلى دفع «سعر عادل»، حيث تطالب الخرطوم برسوم مرور تبلغ 26 دولاراً عن برميل النفط الجنوب سودانى، فيما تقترح جوبا 70 سنتاً، كما قال الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية العبيد مروح.
فهذه المواقف لكلا السودانيين وإن كانت تصب فى اقتصاد الدولتين اللتين خرجتا منهكتين اقتصاديا بعد الانفصال إلا إنها لصالح مواقف سياسية فى النهاية فهى تتضمن إشارة الخرطوم إلى إمكانية تخفيضها للرسوم الجمركية إذا تعاون الجنوب معها فى إيقاف الحرب فى جنوب كردفان، كما تتضمن إشارة جوبا إلى الخرطوم استعدادها على التوسط فى إيقاف الحرب هناك وعدم مساعدتها ميليشيات فى شرق وغرب السودان فى مقابل تخفيض رسوم عبور النفط الذى يعتمد عليه اقتصاد الجنوب بنسبة كبيرة.
فكلا الدولتان فى أحوج الحاجة إلى بعضهما البعض إلا أن خروجهما من حالة حرب استمرت أكثر من طيلة ربع قرن جعلتهما غير قادرتين على سلوك مسلك آخر غير التعنت والعناد كبديل مؤقت عن اندلاع حرب بينهما لا يشجعها الوضع الاقتصادى لكلا الدولتين إذا استمر الوضع الحالى بينهما، دون أن تخرج المفاوضات الجارية بينهما فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا حول أسعار عبور النفط وقضايا أخرى إلى نتائج رفيعة المستوى.
وعلى أية حال فاقتسام العائدات النفطية بين جنوب السودان الذى يمتلك القسم الأكبر من الاحتياطى النفطى "75 %"، والسودان الذى يسيطر على البنى التحتية الضرورية لتصدير النفط الخام سيكون محور لقاء الرئيس (الجنوب سودانى) سيلفاكير ميارديت و(الرئيس السوداني) عمر البشير فى الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا الجمعة المقبلة.
تحليل.. تعمد فشل مفاوضات الخرطوم وجوبا حول أسعار عبور النفط يشعل الصراع بين شمال السودان وجنوبه
السبت، 21 يناير 2012 04:20 م