نبيل عمر

الإعلام «العام» والسيد الجديد!

السبت، 21 يناير 2012 03:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد يستغرب البعض عبارة «الإعلام العام»، لكنه أدق من عبارة «الإعلام القومى»: صحافة وتليفزيون، والتى كان يروجها إعلاميو النظام السابق حتى يكتسب عملهم شرعية شعبية، ويرفعوا عن كاهلهم «صخرة الانحياز» للسلطة المعلقة فى رقابهم وأقلامهم وأفواههم وبرامجهم!

وقد لا يصدق البعض أن هذا الإعلام فى أزمة رهيبة، وهى ليست أزمة مهنية فقط، كما يحاول أن يصفها «أصحاب الإعلام الخاص» الطامعون فى أن يحلوا محل «الإعلام العام» فى وجدان الناس، كالجرائد التى تتربص بالأهرام - على سبيل المثال - وتقود حملة تشهير منظمة به، لكسر مصداقيته ودفنه حيّا!

الإعلام فى مصر نوعان: عام تملكه الدولة، وخاص يملكه الأفراد والأحزاب، وكله وبلا استثناء يعانى مأزقًا مهنيّا حرجًا.. ولا أريد أن أعود إلى الأسباب وما أحدثه تأميم الصحف فى أول الستينيات من دمار تدريجى للمهنة لأكثر من نصف قرن، وكيف تم تحويل الصحفيين والإعلاميين إلى موظفين فى الصحف أو فى مبنى التليفزيون، بكل ما تحمله كلمة موظف من معنى فى أداء العمل، والموظف ليس سُبة أو تهمة أو أقل قيمة، لكن المقصود من التعبير هو «نوعية» الأداء، فى مهنة متحركة قائمة على الموهبة والإبداع والقدرات الفردية، وليس على المؤهلات العامة وسنوات الخبرة وروتينية العمل!

وقد يتساءل البعض: إذن الأزمة هنا تمس كل الإعلام فلماذا ربطتها بالإعلام العام وحده؟!
الإجابة بسيطة.. فلو نظرنا إلى عالم «الإعلام» المصرى ككل، وسألنا: أين وقعت الاضطرابات والاعتصامات والاحتجاجات المتتابعة والتى اكتسى بعضها بالعنف وحدثت فيها تصرفات «تخالف» القانون قبل أن تخالف تقاليد عريقة فى هذه المهنة؟!

صحيح أن الاحتجاجات ضربت الجميع بصورة أو بأخرى، لكن فى الإعلام العام كانت أكثر عنفًا ووقاحة سواء فى مبنى ماسبيرو أو داخله أو فى دور صحفية بعضها عريق جدّا.. لأن كل «موظف» إعلامى أو صحفى تصور نفسه هو الأحق بأن يتصدر المشهد فى قناته أو صحيفته.. خاصة ونحن نعيش تحت ركام عوادم الثورة.. والعوادم بطبيعتها تلوث!

والفارق هنا أن الإعلام الخاص له «مالك» يدافع عن مصالحه، الوظائف فيه بما فيها المناصب الرفيعة بقدر، وحسب الحاجة، ولها قواعد ومعايير حتى لو خالف بعضها أو تجاوزها أحيانًا من باب المجاملة أو الفساد المحدود، وهو فى الغالب يخضع ويلتزم إلى حد ما بقانون السوق والمنافسة الحرة، بينما الإعلام العام سداح مداح، مالكه المكتوب فى شهادة ميلاده كيان هلامى هش هو مجلس الشورى، ومالكه الفعلى هو «السلطة»، والسلطة لا تعترف بقانون السوق ولا تؤمن بالمواهب، ولا تعرف المعايير، فقط تريد الطاعة والمشى على الصراط المستقيم وتنفيذ التعليمات والدعاية لها.. والدفاع عن مصالحها، فإذا كان مبارك هو الذى يمتطى تنين السلطة فهو السيد، فإذا سقط وجاء بعده راكب جديد، فالسيادة تنتقل له أتوماتيكيّا، مع بعض المرونة التى تسمح باتساع هامش الحرية ورفع سقفها.. لكن الفلسفة الحاكمة تظل واحدة.. ويظل منطق الخدمة واحدًا!

وهذه هى أزمة الإعلام العام فى النظام الجديد.. أزمة رهيبة ومخيفة.. ويكشفها سؤال بسيط: يا ترى الإعلام الجديد من هو سيده؟!

طبعًا سيده هو الذى يعين المسؤولين عنه، من أول رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى الصحف العامة.. فكل الإعلاميين والصحفيين الطامعين فى المناصب سوف يعملون على خدمة هذا السيد، حتى يرضى عنهم ويختارهم «فى بلاطه وحاشيته»!

ويمكن التعرف إلى السيد الجديد بنظرة سريعة على نتائج الانتخابات البرلمانية وهو «الإخوان المسلمون»، الذين سيحققون الأغلبية النسبية فى انتخابات مجلس الشورى.. ومجلس الشورى على سبيل المثال هو الذى يختار رؤساء الصحف القومية.. فيا ترى من الذى سيختارهم الإخوان فى هذه المناصب؟! الإجابة سهلة ولا تحتاج إلى ذكاء كبير.

وليست هذه هى الأزمة.. لأن الإخوان لهم الأغلبية اليوم، وقد لا تكون لهم غدًا فيتغير السيد، وهكذا، وتتغير السياسيات والتوجهات حسب مصالح هذا السيد ورؤيته للأمور العامة، وهذا لا يعنى أنه لن يترك مساحة للآخرين، بل سيترك مساحة حتى يتحدث عن عدالته ودعمه لحرية التعبير والاختلاف.. ونفس الشىء فى التليفزيون!
فأى إعلام هذا؟!

وهل يمكن أن يصدر قانون أو يعاد النظر فى ملكية الإعلام العام حتى يكون بمنأى عن تقلبات السياسة وصندوق الانتخابات؟!
إنها فعلاً أزمة رهيبة!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة