د.عمرو عبدالسميع يحاور د. نـاجح إبراهيم: إذا صنعنا ديمقراطية حقيقية «بالصناديق» فلا أظن أننا فى حاجة بعد ذلك إلى التلويح بحكاية «الميادين».. ومصر هى «الحجر الأسود» ولن يستطيع فريق وحده أن يقودها

الخميس، 19 يناير 2012 08:01 ص
د.عمرو عبدالسميع يحاور د. نـاجح إبراهيم: إذا صنعنا ديمقراطية حقيقية «بالصناديق» فلا أظن أننا فى حاجة بعد ذلك إلى التلويح بحكاية «الميادين».. ومصر هى «الحجر الأسود» ولن يستطيع فريق وحده أن يقودها د. نـاجح إبراهيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هو يعتز بتجربة اعتقاله «30 سنة فى السجن»، ويحدثك عنها كما لو كانت فرصة للدراسة والتأمل واستقطار الحكم والمواعظ.. ويكلمك بلغة سياسية عصرية تفهم السياق التاريخى الذى نعيشه على نحو أرقى وأكثر تقدماً من كثير من الجماعات والفصائل السياسية ذات المرجعيات الدينية التى تغطى بها الساحة.

الدكتور ناجح إبراهيم، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، يعكس تلك المعانى فى حواره الجرىء معنا، مؤكداً أن الصراع على السلطة يمكن أن يكون دموياً وبخاصة إذا كان إسلامياً/ إسلامياً.. ومديناً - فى رؤية نقدية - غياب قيادة فى ثورة يناير بما جعلها بلا صاحب الآن، وكذلك تحول السلوك السياسى فى الثورة من «سلمية.. سلمية» إلى «مولوتوفية».. ومنتقداً - كذلك - العقلية الدفاعية التى غلبت على العسكرية المصرية بعد 1973، بما يصلح للحرب ولكنه لا يصلح لإدارة الدولة.. ضارباً عرض الحائط بمحاذير كثيرة قائلاً: إن فكر سد الذرائع السعودى لا يقيم حضارة أو دولة، على عكس فكر فتح الذرائع الأزهرى الوسطى المعتدل.. طارحاً قضية النشاط المسلح من التنظيمات الدينية فى سيناء بقوله إن ثلاثية العنف والاستحلال والتكفير ظهرت فى سيناء نتيجة لاستفحال الهاجس الأمنى عند الدولة، كما قال إن السلفيين هم القوة الثانية التى يمكنها مواجهة الإخوان، وإن أحسن من يضرب الإسلامى هو إسلامى آخر، وقال إنه لم يصدر فتوى قتل نجيب محفوظ وإن رأى أن «أولاد حارتنا» نص مصادم للدين، ثم قال: نفهم أن تكون الثورة من فصيلين أو ثلاثة، ولكن ليس هناك ثورة بمائة وعشرين ائتلافاً..

وهنا نص الحوار..
> قلت - مؤخراً - إن الميادين كفيلة بإسقاط الإسلاميين إن فشلوا فى إدارة مصر.. اسمح لى أن أعتبر هذا الرأى مغلوط.. فإذا كنا بصدد حديث فى الديمقراطية فإن الذى يقصى أو يبقى هو صندوق الانتخاب وليس التهليل فى الميادين، خاصة أنك فى حوار آخر قلت: لم يعد هناك أى مبرر للاعتصام فى الميدان وعلى المقيمين فضه والاهتمام بالحدث الأكبر وهو المشاركة؟
- هناك وسيلتان للتغيير فى مصر، أولاهما كانت الميادين، ولها الفضل فى إزاحة نظام الرئيس حسنى مبارك، وثانيتهما - بعد أن دخلنا معترك الديمقراطية- كانت التغيير بالصناديق.. ولكن كثيرين أبوا إلا أن يتحدثوا من الميادين، ومن ثم قلت لهم- مطمئناً- إنه حتى الإسلاميين إذا فشلوا فى إدارة الحكم أو أساءوا، أو غمطوا حقوق الناس، أو منعوا حريات واجبة، فهناك الميادين أيضاً، ولكننى أؤكد أن التغيير الديمقراطى لا يكون إلا عبر صناديق، وتظل الميادين هى استثناء من الأصل، ولا أظن أننا إذا ما صنعنا ديمقراطية حديثة فى مصر تشكل واقعاً ينتصر للأغلبية الحقة، سنحتاج - بعد ذلك- إلى التلويح بحكاية الميادين.

ينبغى أن تتوقف ثقافة الميادين، ولكن أربابها سيستمرون فى النزول إليها بين الحين والآخر حتى يقتنعوا بأن التغيير الأصلى لن يكون إلا عبر الصناديق.

> ملف «الميادين» يردنى إلى موضوع الضبط المادى للسلطة أو السلطة القهرية للنظام التى تتمثل فى البوليس والجيش والمخابرات؟
- هناك ثقافة جديدة ظهرت فى مصر بعد 25 يناير، لابد أن نقر بها، وهى ثقافة ضاغطة شئنا أم أبينا، ولابد من إلغاء تلك الثقافة بالتدريج وليس مرة واحدة، حتى تحل مكانها ثقافة ديمقراطية بجد.

والذى أجبر الشباب على اعتناق ثقافة الميادين أن معظم الذين ثاروا لن يكون لهم نصيب فى السلطة وهذا سيجبرهم على إبقاء الميادين ساخنة دائماً ومشتعلة حتى يكون لهم جاه ودور يخافون من ضياعه نهائيا إذا ضاعت الميادين أيضاً.

> وما الذى يغريهم فى الانتخابات.. آدى الله وآدى حكمته.. دخلوا إلى الانتخابات ولم يتحصلوا شيئاً فهل يبقون إلى الأبد فى الميادين؟
- كان الأجدر بنا أن نستوعبهم فى شكل من أشكال الديمقراطية.

الرسول - صلى الله على وسلم - حين استدعى لمسألة الحجر الأسود، ولم تك البعثة بدأت بعد، كان بوسعه أن يحمل الحجر الأسود ويضعه وحده ويحل المشكلة، ولكن هذا كان سيوغر صدور كل الموجودين، ففعل الأفضل، وكان أن وضع رداءه الشريف على الأرض ووضع فوقه الحجر الأسود، وأمسك كل رئيس قبيلة بطرف الرداء ووضعوه.

ولو افترضنا أن مصر هى الحجر الأسود فلن يستطيع فصيل وحده أن يقودها حتى لو جاءت به الانتخابات.. لماذا؟ لأن الآخرين سيكونون خناجر فى ظهره، شاء أم أبى.
الناس ليسوا ملائكة، وكان يمكن أن نعطى كل إنسان دورا.

الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان له تصرف حكيم فى فتح مكة، إذ قال للناس «من دخل داره فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن»، فقال أبوسفيان: وماذا لى؟ يعنى ماذا له من الفخر، وهمس سيدنا العباس، وكان مشيراً عظيما على الرسول، «إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا»، فجعل النبى - صلى الله على وسلم - له شيئاً لا يصطدم مع السياسة الحكيمة، ولا يتقاطع مع الشريعة، ونادى الناس: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن»، يعنى منحه الرسول إضافة معنوية.

فإذا أردنا إلغاء الميادين بحصافة وحكمة، وتحويل الثقافة السائدة فيها من الميادين إلى الصناديق، علينا أن نجعل لأرباب الميادين شيئا، وأن نشركهم فى السلطة ولوبشىء بسيط، أما أن يخرجوا من المولد بلا حمص، فسوف يدفعهم ذلك إلى أن يكونوا خناجر فى الظهور، وسيبقون على ثقافة الميادين، وسيشعلون تلك الميادين، لا بل الدنيا كلها؟!

> معى بعض أوراقى التى سجلتها عنك وفيها وجدتك تقول إن المجلس الاستشارى ضعيف وهو دعاية سياسية، وإن ما جرى فى المجمع العلمى هو خطيئة كبرى ومن فعلوا ذلك ليسوا بثوار ولا متظاهرين، واستمرار الاعتصام أمام مجلس الوزراء كان خطيئة أخرى.. من كان على صواب إذن؟
- تعلمت من تجربة المعتقل، أنك إذا أردت أن يكون الطرف الآخر القوى حكيماً، فلابد أن تكون - كذلك - حكيماً، وإذا أردت الطرف المسلح مثل الشرطة والجيش أن يكون مرناً وعاقلاً، فلابد أن تكون أنت كذلك.

والأطراف التى اعتصمت وتظاهرت وهاجمت عند مجلس الوزراء لم يكن لديها من الحكمة أو العقل أو المرونة شىء، حتى يكون الجندى حامل الدبلوم القادم من الريف حكيماً، فإذا احتجزت رئيس الوزراء، ومنعته من دخول مكتبه لمدة أسبوعين، فهذا ليس من الحكمة، وعندما تلقى المولوتوف أو تكسر كاميرات مجلس الوزراء فهذا ليس من الحكمة، وعندما تلقى الطوب على القوات، وتقفز إلى مبنى مجلس الشعب بغية تحطيمه فهذا ليس من الحكمة، وكذلك حين تحرق مبنى الطرق والكبارى، أو مبنى المجمع العلمى كذلك.

فإذا رأى المدنى غير المسلح الاعتداء على المرافق وقطع الطريق مطيحاً بكل الزواجر التى تفرضها الحكمة، فلا يطلب من الآخر المزود بالسلاح والعتاد أن يكون حكيما.

هذا ما تعلمت من الحياة، ورأيت أن أول ما ينبغى علينا عمله فى الجماعات الإسلامية أن نكون حكماء ونوقف العنف، حتى يوقف الطرف الآخر -الدولة- عنفه.

> كلمتنى - الآن- عن التحول الفكرى عندك وقت وجودك فى المعتقل وهذا التحول المدهش فى فكر الجماعة الإسلامية يظل مثاراً لشكوك كبيرة عند الجمهور من فرط حديته وانتقاله بالجماعة من النقيض إلى النقيض.. فى تقديرك ما الذى يدفع المجتمع إلى الثقة بصدقية التحول وديمومته؟
- التحول دائماً يكون محل شك، إذا كان له غرض، أو وراءه هدف ومصلحة، ولكن- على سبيل المثال- أنا خرجت بعد مدتى بأربع سنوات، ولست موظفاً فى الدولة أو الحكومة، وأعمل طبيباً حراً، ولم أعد إلى وظيفتى، وليس لى مصلحة فى أن أردد الآن الأفكار التى تبنيتها فى السجن حتى بعد سقوط النظام.

> أنت تتكلم عن حالة تمثلك وليست ظاهرة تمثل مجموعة؟
- لا.. هذه الحالة موجودة عند كثير من الناس لأن السجن مدرسة فكرية وتربوية كبيرة ومفيدة.. أنظر إلى الأستاذ مصطفى أمين، وهو رجل ليبرالى قبل السجن وبعده، ستجد أن اهتماماته اختلفت، فقبل السجن كان غارقا فى الفن، وبعده صار تركيزه على «ليلة القدر» و«أسبوع الشفاء» و«لست وحدك»، وحتى وهو يموت لم تكن وصيته لأخبار اليوم أو الصحافة، ولكنها كانت من أجل ليلة القدر، وهى أعظم مشروع للأيتام فى مصر، سخر له حياته كلها.

نعم.. السجن مدرسة كبيرة جداً لمن أراد الاستفادة منه، ودائماً كنت أنظر إلى أى سجين من الوزراء أو السياسيين أو الكبراء فأجد أنه لا يحمل سوى المصحف، إذ فى السجن لا ظهير له إلا الله، وهذا جانب تغييرى هام.

السجن يعلّم الحلم، والشكر على أقل شىء وقبول المتاح، وكراهية الظلم إذا ما تعرضت للقهر، ورفض البغى إذا ما تعرضت للظلم، وعدم تعميم العقاب لأن السجن فيه ذلك التعميم، فقد هرب ثلاثة من المساجين، وتعرضنا لبهدلة عظمى لمدة ثلاث سنوات «منع زيارات - إغلاق زنازين - حرق كل ممتلكاتنا - الاستيلاء على كتبنا»، رددت فى سجنى «لا تزر وازرة وزر أخرى» التى كبر معناها فى نفسى جدا بعدما دخلت إلى السجن الذى يضع الإنسان على شفا الفلسفة، والتجرد لله سبحانه وتعالى، وشفافية النفس، وتعلم الزهد فى الدنيا.

السجن رغم قسوته يعلم الإنسان دروسا كبيرة جدا، مع النفس السوية التى يمكن أن تتعلم.
وقال لى الضابط المسؤول عن مصطفى أمين: «أنت قريب الشبه بمصطفى أمين»، لقد كان يختلف عن أفراد الجماعات الإسلامية فى أنه كان أكثر حكمة وعقلا، وقد رأى ذلك الضابط أننى «حكيم» الجماعة، ولذلك أشبه مصطفى أمين.

الانصياع إلى النظام كان التزاماً بطريق العقل، بينما خسر كل زملائنا الذين كان دأبهم اختراق النظام، بعدم الدخول فى المواعيد، أو التأخر فى طلوعهم إلى المحكمة، أو لعب الكرة حتى الفجر.

> وهل كنت تلعب الكرة يا دكتور؟
- نعم.. وكنت ونج رايت أجيد رفع الكرات عند المرمى بالضبط؟

ولكننى كنت ألعب فى وقت اللعب، وألتزم النظام.

وأذكر أن إخوة متهورين فى سجن مجاور لنا كانوا يتأخرون فى المحكمة وقرفوا الضباط بعدم إطاعة الأوامر، فأعطوهم علقة رهيبة جداً، وجعلوا كلا منهم فى زنزانة وحده تماماً، فانتظم الحال، وصار كل منهم يخرج فى دقائق خمس بعدما كان يطلع للمحكمة فى أربع ساعات.

إذا أردت الحكمة من القوى والمسلح، أظهر له الحكمة يظهرها لك وكذلك العقل والمرونة.

> أريد منك توصيفاً دقيقا لخريطة القوى السياسية الإسلامية فى مصر، تشير فيه إلى فوارق الرأى والمواقف التى تميز الجماعة الإسلامية عنهم.. ومن جهة أخرى كان السلفيون مفاجأة الانتخابات البرلمانية، وبالنسبة لى لم أكن أعرف أن لهم ذلك الاهتمام السياسى مطلقا فهل يمكن تضمين خريطتك تلك المستجدات التى غيرت معالم الحالة المصرية تماماً؟!
- السلفيون لم يكن لديهم اهتمام سياسى سابقاً، ولكنهم بدأوا ذلك الاهتمام بعد ثورة 25 يناير، ولديهم تلاميذهم فى المساجد وأتباعهم بالآلاف، وكان أن صوّت أولئك لهم.

> هل يعنى ذلك أن الأصوات التى تحصلها السلفيون كانت لأتباعهم فى جماعة السنة المحمدية وغيرها.. أشك فى ذلك؟
- لهم مساجدهم السلفية، وقد استفادوا من الفترة الماضية، على نحو كبير جداً، إذ لم يتعرضوا لأية مشكلة أمنية أو اعتقال أو سجن، وعدم اهتمامهم بالسياسة هو الذى جعل مبارك يتركهم.

> أو لعل ذلك كان ذكاء منهم؟
- لا أظن فى ضوء ما سوف أقوله لك.

إذ نسمع من بعض القادة السابقين الأمنيين أو السياسيين أن أولئلك السلفيين كانوا الوسيلة التى يتم بها التضاغط مع الإخوان.

يعنى حينما يريدون إشغال الإخوان، أو إجهادهم، أو استنفاد طاقتهم، يزقوا عليهم السلفيين، وهناك خلاف فكرى طبيعى بين الإخوان والسلفيين يمكن أن يسمح بذلك ويسهله.
وأحسن من يضرب الإسلامى بفاعلية هو إسلامى، كما أن أفضل من يضرب اليسارى بمقدرة هو يسارى آخر.

هناك تقاطع بين السلفيين والإخوان، فالإخوان يتظاهرون، والسلفيون ضد التظاهر، والإخوان يدخلون الانتخابات، والسلفيون كانوا يقولون إن الانتخابات حرام.
السلفيون كانوا منتشرين فى كل الأماكن، ولهم مساجد فى كل المناطق، ولم تكن عليهم أى ضغوطات أو مشاكل، وذلك جعل منهم القوة الثانية، والتى يمكنها مواجهة الإخوان سواء قبل الثورة أو بعدها.

> كيف يمكن أن تتعامل فصائل الجماعة الوطنية مع مفردات مشهد ما بعد الانتخابات والتى أفرزت - كما قلت أنت - صراعاً حاداً بين التيارين الإسلامى والليبرالى والجماعتين الإسلامية والقبطية وحتى بين التكتلات الإسلامية/الإسلامية «يعنى الإخوان والسلفيين مثلاً» وبخاصة أنك توقعت صراعاً بينهما أقرب إلى صراع الأمويين والعلويين؟
- الثورة مثل الأدوية، لها فوائد، كما لها أعراض جانبية.

ومن أعراض الثورة الجانبية، ذلك الاسقطاب الحاد فى المجتمع المصرى، وهو فظيع لم يحدث من قبل لا فى عهد الملك، ولا عهد عبدالناصر، ولا عهد السادات، أو عهد حسنى مبارك.
الاستقطاب مدهش إلى حد أن مساجد كثيرة فى مصر كانت تشير إلى الليبراليين واليساريين على أنهم: «أعداء الإسلام».

وهناك استقطاب «إسلامى/مسيحى» وتخوفات من الطرفين، وكذا «إسلامى/إسلامى» يتمثل فى الإخوان والسلفيين، وأسوأ ما فى تلك الاستقطابات أن تنتقل من مسار فكرى إلى مسار الصراع على الكراسى.

يمكننا أن نشهد جدلاً فكرياً بين مسجد وكنيسة أو بين مسجد للإخوان، وآخر للسلفيين أو بين المنتديات الفكرية لكل من الإخوان والليبراليين، ولكن عندما يتحول إلى صراع على الكراسى يدخل نطاقاً خطيراً آخر، إذ إن الصراع على السلطة تستخدم فيه - أساساً - أحط الأساليب الأخلاقية، ويمكن أن تسوده، بعد ذلك الدموية وبالذات حين يكون الصراع «إسلامياً/إسلامياً».

> فهمنا بالراحة يا دكتور ناجح.. فعندما تقول لى إن هناك فصيلين داخل التيار الإسلامى أو الوعاء الإسلامى أو الهيكل الإسلامى، يتحاربان أو يتضاغطان، أو يختلفان، لابد أن تخبرنى ما هى أجندة ذلك الصراع.. إذ لم أفهمك؟
- كان هناك اختلاف فكرى كامل بين الإخوان والسلفيين قبل الثورة، فالسلفيون يرون أن الإخوان يتساهلون فى أحكام الشريعة، والإخوان يرون أن السلفيين يتشددون، لكن بعد الثورة صار الخلاف على المناصب، أيهما أولى بقيادة الدولة، وهو نفس موضوع الخلاف مع الليبراليين.

> يا دكتور.. السعى لقيادة الدولة بالطرق الديمقراطية ليس عيباً، وأنا لو أنشأت تنظيماً أو حزباً لمؤجرى الموتوسيكلات والبسكليتات سوف يكون هدفه قيادة الدولة؟
- الصراع على الكراسى يؤدى إلى وضع بشع جداً.

> يعنى هل تريد أن تقول إن تلك الفرق المتصارعة تريد أن تسحب على ذلك الخلاف حول الكراسى غطاء يمثل مطالب فكرية لم تكن موجودة أساساً لكنهم اخترعوها لتبرير الخلاف على الكراسى؟!
- كان هناك خلاف فكرى حقيقى بين الإخوان والسلفيين قبيل ثورة 25 يناير ومظاهرة تحريم السلفيين للانتخابات والمظاهرات ودخول مجلس الشعب، واعتبارهم البرلمان يشرع من دون الله.. كان ذلك هو الخلاف الفكرى.

وبعد الثورة رأى السلفيون أن ذلك الخلاف لم يعد جوهر الموقف من الإخوان، ولكنه صار على إيهما أجدر بقيادة مصر، وإيهما أقدر على قيادة مصر.

> ولكن مثل ذلك الصراع لابد أن يكون بين طرفين متكافئين من حيث الوزن السياسى والثقل التصويتى، ولكن نسبة السلفيين إلى الإخوان فى البرلمان هى النصف تقريباً فهل هى تعبير عن إجمالى الوضع الميدانى فى مصر، وبالتالى فهى محسومة تماماً، أم أن لدى السلفيين قوة كامنة أكبر لم تظهر فى الانتخابات لقلة خبرتهم؟
- عندى رأى فى مجلس الشعب الجديد.
فالإخوان سيتحالفون مع الوفد والليبراليين المعتدلين، وهم - تاريخياً - أقرب إلى ذلك كما فعلوا عام 1984، ومن ثم سيبقى مربد المعارضة السلفيون والكتلة المصرية، وكلاهما سيتصارع مع الآخر، تاركين الحكم يمضى بعيداً عنهما، بما يريح الإخوان من كلا الطرفين، اللذين يمثلان التشدد سواء اليمين أو اليسار.

> فى أوائل التسعينيات ذهبت إلى المستشار مأمون الهضيبى، وكان وقتها الناطق باسم جماعة الإخوان، وسألته: ما هى الأسس الفكرية والسياسية التى قام عليها تحالف الإخوان والوفد، فقال المستشار لى: الوفد - بالنسبة لنا - كان أتوبيساً نركبه - بنص تعبيره - لنصل إلى البرلمان، وذهبت - بعد ذلك - إلى فؤاد باشا سراج الدين ووجهت له نفس السؤال، فقال: نحن نستدرجهم إلى ممارسة الديمقراطية لكى يتطوروا ويخرجوا من مكامنهم ومن هنا فنحن نحمى المجتمع.. إذن فالتحالف بين الطرفين لم يقم على أية أسس فكرية حتى يكون سابقة يؤسس عليها ووارد تكرارها لمرات عديدة؟
- التحالف يحدث لأسباب مصلحية، وهذه المرة سوف يكون الوفد مع الليبراليين فى مجلس الشعب غطاء للإخوان، يخاطبون به الدول الخارجية، ويوجهون به رسالة إليهم لاكتساب ثقتهم، قائلين إن مصر لا يحكمها فصيل واحد هو الإسلاميون، كى تطمئن أمريكا وأوروبا والغرب.

> وضع «طمأنة أمريكا وأوروبا» فى أولوية متقدمة دفع الإسلاميين فى عدد من فصائلهم إلى الاعتراف بكامب ديفيد تباعاً، بينما كان من المهم وجود فصيل أو اثنين عندنا يرفضان الاتفاقية، حتى يصبح لدينا مجال للمناورة عند أية فرصة لمفاوضات تعديل الاتفاقية؟
- كل من يحكم مصر فى هذه الفترة سيسعى إلى أن يتجنب الحرب مع إسرائيل ويسعى بكل طاقته ألا تسبقنا إسرائيل بضربة اقتصادية - سياسية - عسكرية، وكذلك الغرب.
ومن ثم فإن اتجاه القوى الإسلامية إلى طمأنة الجميع من ناحية كامب ديفيد كان لإبعاد مخاطر الضغط أو الضرب عن مصر.

ليست إسرائيل - فحسب - هى التى تريد الاطمئنان على كامب ديفيد، ولكن كل وفد أمريكى قدم إلى مصر سأل عن ذلك الموضوع، وكذلك الوفود الأوروبية كلها الفرنسية أو البريطانية، لا بل الروسية كذلك.

كل من سوف يعطى مساعدات إلى مصر، يريد التأكد من استتباب أمر كامب ديفيد قبل أن يمنحنا سنتاً واحداً.

القوى الإسلامية فهمت ذلك، وأراحت أولئك جميعاً، وقالوا لهم: نحن لسنا ضد كامب ديفيد، وأرى أن ذلك هو من الحكمة والكياسة، وليس عيباً أو خطأ.

> أحب العودة لمقولات رددتها أو كتبتها على خلفيات ما نطرح من أفكار فى هذا الحوار، وفى هذا الحوار قلت فى مؤتمر الثورات العربية ودور التنظيمات الجهادية المتطرفة الذى عقد فى المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية أن النظام السابق لم يكن مسؤولاً عن تفجيرات طابا ودهب، وإنما كان ذلك بأيادى الجماعات التكفيرية الماكثة فى سيناء، وفى شمالها بالذات والتى تريد إقامة إمارة إسلامية، وقلت إن الفكر التكفيرى بدأ من مصر وليس من السعودية.. ما هى الأبعاد الكاملة لهذا الكلام؟ وما هو - فى تقديرك - سيناريو إقامة الإمارة الإسلامية؟
- قابلت أعضاء فى التنظيم المسؤول عن تفجيرات طابا ودهب، وحكوا لى أنهم مسؤولون عن تلك الحوادث..

وقد مكثت معهم لعامين كاملين، وكنت سبباً فى رجوعهم عن فكر التكفير، بعد ثلاثين محاضرة ألقيتها عليهم فى سجن دمنهور، وبعد حلقات نقاشية كثيرة جداً نظمتها مع مجموعة من تلامذتى.

قلت لتلاميذى ناقشوا معهم كل شىء فى الحياة، لأننى وجدت لديهم خللا فى فهمهم للحياة، وليس خللاً فى التفكير فقط، إذ لديهم مشاكل فى فهم التعامل مع الزوجة، والعلاقة بالأم والأب، ولمعنى البدع.

ولقد بذل تلامذتى الممتازون جهداً كبيراً فى شرح كل شىء لهم، حتى كيفية التلاطف مع الزوجة، وعدم ضرب البنت، وكيفية إدارة الحياة.

بعد الثورة اغتظت جداً حين رأيت الكثير من الصحف وأجهزة الإعلام تقول إن الدولة هى التى قامت بتلك التفجيرات ولفقتها لآخرين.

وأريد أن أقول - هنا - شهادة حق، فلقد حاربنا الدولة 25 عاماً، وعمرها ما قامت بتفجير أو حادث ونسبته لنا.. الدولة كان من الممكن أن تعذب أو تسجن أو تقتل، ولكنها لم ترتكب حوادث وتنسبها لنا أبداً.

هذه أمانة، وأعضاء التنظيم موجودون أحياء ويشهدون على ذلك، وقد جعلنى الله سبباً فى رجوعهم عن أفكارهم، وتكلمت مع بعضهم سائلهم عن أسباب تبنيهم ذلك الفكر التفكيرى، فقال لى أحد عقلائهم إن ظروف الحياة فى سيناء تدفع إلى انتشار انعزالى تفكيرى يستند إلى حوافز واقعية جداً.

الناس معظمهم يعيشون فى خيام، وليس لهم عنوان، والشرطة حين كانت تريد القبض على بعضهم، التجأت إلى السؤال والبحث، وضرب بعض المقبوض عليهم حتى يعترفوا على أماكن زملائهم.

من ناحية أخرى فكر التكفير فيه جفوة وغلظة على الآخرين، فهو يرى أن كل الناس كفار، وسكنى البادية تعلم الجفوة، والنبى - عليه الصلاة والسلام - له حديث رائع فى هذا المعنى: «من سكن البادية جفا».

وبالإضافة فإن كل شبر فى سيناء يمكن أن تجد فيه صاروخا من مخلفات الحروب السابقة، وقال لى أحد أعضاء التنظيم إنهم يعرفون فنيات إخراج العبوة التدميرية من الصواريخ، وعبوة كل صاروخ تكفى لسيارتين مفخختين.

وأخيراً فإن كل رجل متدين فى شمال سيناء سيكون - بالضرورة - فقيراً، فلن يتاجر فى المخدرات، أو السيارات المسروقة، ولن يلتجئ للتهريب، من وإلى إسرائيل، ولن يكون أمامه سوى ذلك الفكر التكفيرى الذى يدفعه إليه واقعة المزرى.

لا توجد فى سيناء دعوة صحيحة أو تعليم أو تعددية، والمضاد لفكر التكفير هو التعددية لذلك لا ينتشر التكفير أبداً فى الأزهر، فالأزهرى ينشأ على تعددية المذاهب الأربعة.

رجال الأزهر القدامى شبوا ونشأوا على التعددية السياسية، وابتعثهم الأزهر إلى الخارج للدراسات العليا ففهموا معنى التعددية الدينية، ومن هنا كان تفكيرهم المنضبط والمنفتح.. سيناء بيئة أخرى ليست فيها دعوة أو تعددية، والعشائر يكفر بعضها البعض.

من جانب آخر فإن رفح مقسومة إلى جزأين، أحدهما فى أرض مصر، والآخر فى قطاع غزة، بين جزء منهم يعيش حيث التجبر الإسرائيلى والعدوان، وهم يريدون النيل من خصومهم، ولذلك كانت كل تفجيراتهم فى سيناء منصبة على السياح الإسرائيليين والأمريكان، وإن أخطأ بعضها أهدافه، مثل تفجير شرم الشيخ الذى كان كل من مات فيه «84 فرداً» مصريين ومسلمين.

كل المعالجات فى سيناء أمنية تقوم على القمع وليس على الدعوة.

سيناء - أصلاً - تتنازعها جهات أمنية كثيرة «مخابرات عامة ومخابرات حربية وداخلية» وكل منها يرد الاستفراد بالقرار، وباللواء العشائرى له وهذا أضاع الدعوة، إذا طرح البعض على الدولة أن تنشط الدعوة الإسلامية حتى تصحح ذلك الفكر الآخر، فقالت له الأجهزة - بنفس الهاجس الأمنى الطاغى - إن هذا سيؤدى إلى استشراء التنظيمات والجماعات، وكانت النتيجة التى واجهناها - بعد الثورة - أن سيناء كانت المحافظة الوحيدة التى اختطفت ضباطا، وهى المحافظة الوحيدة التى شهدت استيلاء على أقسام الشرطة وقتل ضباط شرطة، واحتلت بعض مؤسسات مرافق الدولة، وأعلنت ما يسمى بالعصيان وأنهم يريدون الاستيلاء على شمال سيناء وتحويله إلى إمارة إسلامية، وهذا يدل على سطحية التفكير.

> ولكن هذا - أصلاً - سيناريو إسرائيل/أمريكى قرأت عنه عشرات المرات فى نتاجات مراكز البحوث وبيوت التفكير الأمريكية؟
- هم ليسوا مدفوعين من إسرائيل - قطعاً - وإن توافقت الأهداف فى نقطة بالذات، وذهابهم إلى فكرة الإمارة الإسلامية هو تعبير عن التمرد على سلطة لم تمارس معهم سوى العنف الأمنى.

فكر التكفير موجود فى سيناء، وإذا ظهر التكفير تولد الاستحلال، وإذا بدأ الاستحلال ظهر العنف.

هذه منظومة ثلاثية معروفة، فالتكفير هو قتل معنوى للمسلم، ولابد أن يعقب القتل المعنوى إطاحة معنوية.

لقد أرخت لفترة طويلة من تاريخ الجماعات - من موقعى - وكل قيادات تلك التنظيمات أجمع على أن التكفير يساوى استحلالا، والاستحلال يتم بالعنف.

مستوى التعليم يؤثر على تبنى مثل ذلك الفكر، فمعظم من شاهدت من متهمين سيناويين كانوا أميين، ومستواهم الفكرى والثقافى منحدر للغاية، وفكر التكفير ينتشر فى المجتمعات ضعيفة الثقافة والفكر، ضعيفة التعليم، لكن خطورته فى أن التكفير يرتب للعنف، والسلاح موجود.

> ولماذا قلت إن التكفير ظهر فى مصر وليس فى السعودية رغم أن السعودية أقرب للبادية؟ وأقرب للجفا؟
- أتكلم عن تاريخ.. التكفير ظهر فى السجن الحربى، وفى مجموعة من الإخوان أعرفهم بالاسم، تعرضوا للضرب والقهر والشدة والتعذيب، فنشأ الفكر على تساؤل: ما هو حكم الذين يضربوننا، إنهم يفعلون ذلك لأننا متدينون، إذن فهم كفار، ومن يأمرونهم كفار كذلك، وحكم الشعب الذى رضى بذلك وهلل له وصفق هو الكفر أيضاً بالموالاة.. ومن ثم ظهرت منظومة التكفير، التى قام عليها سبعة من بينهم الشيخ محمد قطب، وجاء الإخوان يتقدمهم الشيخ حسن الهضيبى، واستدركوه مع الأمن حين تبينوا خطورة ذلك الفكر على الدولة وجماعة الإخوان، وعملوا على رد أولئك عن فكرهم فاقتنع بعضهم ولم يقتنع البعض الآخر، وقالوا: سوف نرجع عن ذلك الفكر فى العلن، بينما نظل مرتبطين به فى نفوسنا لمصلحة الجماعة، وكان ضمن تلك المجموعة «ستة أشخاص» شكرى مصطفى الشاب الصعيدى الذى كان أنشطهم، وظهر كنجم جديد على الساحة لأن الإخوان حين خرجوا فى السبعينيات خافوا الحركة والدعوة، أما شكرى فتحرك على نحو واسع، وضم إليه المئات، ولكن مجموعة شكرى مصطفى انتهت بعد خطيئة قتل الذهبى، بعد إعدام الستة الذين يمثلون تنظيم شكرى.
وبعد شكرى خرج الشيخ محمد قطب - رحمه الله - وكان لايزال يحمل بعض أفكار التكفير، وقام بالتدريس فى بعض الجامعات السعوية، وأنشأ جيلاً يميل لأفكار التكفير، مثل جاهلية المجتمع، والاستعلاء على ذلك المجتمع، على عكس ما كان الاستاذ حسن البنا يرى الدخول فى المجتمع، والانغماس فيه بأحزابه وهيئاته.

الشيخ قطب انحاز إلى الاستعلاء بالإيمان، وكذلك كتبت كتاباً يقول: لابد أن يميز المسلم بين الاستعلاء بالإيمان، والعلو بالذات والفارق بينهما شعرة، والاستعلاء بالإيمان محمود والعلو بالذات مذموم.

إذن التكفير ظهر من هنا ليذهب إلى السعودية وإلى جامعاتها وأماكن حساسة فيها، ويعشش فى نفوس أجيال تلو أخرى هناك.

ولكن الذى جاءنا من السعودية لم يكن فقه التكفير، ولكن الفكر السلفى، وهو عكس الفقة الأزهرى الوسطى الذى يصلح لإقامة دولة وحضارة، أما السلفى فهو يميل إلى سد الذرائع، يعنى الست لا يجب أن تقود السيارة لذريعة كذا أو كذا، يعنى هو فقه يصلح لأن تشدد به على نفسك، ومعظم الفقه السعودى والخليجى مبنى على الذرائع، وهو ما انتقل إلى مصر عبر الفقة السلفى.

الجيمع اندمجوا فى سد الذرائع، ونسوا الوجه الآخر للقاعدة وهو «فتح الذرائع» الذى يمكن أن يرى فى التعامل مع أمريكا فائدة، لأن هناك حضارة وتكنولوجيا يمكن أن تستفيد منها، ولأن العلاقات الدولية مبنية على المصلحة.. والتعامل مع المسيح مسموح، ومن الممكن أن يصير وزيراً ويتولى المناصب العامة.

فتح الذرائع هو الذى يقيم حضارة، وهو الذى أسس به المسلمون حضارتهم.
سد الذرائع يمنع، وفتح الذرائع يبيح، هذا يرفض وذاك يقبل، الدولة لا تبنى إلا بتفح الذرائع.
سد الذرائع يلجأ إليه الفقيه الخيبان مثل جندى الأمن المركزى الذى يضرب دون تفكير، أما فتح الذرائع فيعنى التفكير من أجل مواجهة المواقف والتفكير فى حل المشاكل، وهو أصعب بطبيعة الحال، ومثالها التاريخى الأوضح كان فى الخلافة العباسية التى قبلت وجود وزراء مسيحيين ويهود، أما اليوم فهناك بعض الإسلاميين لا يقبلون بانتخاب مسيحى أو قائمته، لا بل ومن سخريات الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن بعض الناس رفضوا انتخاب قائمة الحرية والعدالة، لأن فيها مسيحيين.. يعنى الخلافة العباسية قبلت أن يكون اليهودى وزيراً، وهم لا يقبلوا أن يكون المسيحى عضواً فى البرلمان.

> كتبت أن العقلية الدفاعية التى تبنتها العسكرية المصرية فى سنواتها الأخيرة، ربما تصلح فى القضايا الخارجية، ولكن أما والمجلس العسكرى يقود دفة الحكم فى البلاد، فعليه أن يبادر إلى إطفاء الحرائق قبل إشعالها.. ما الأثر الذى ترتب على انتهاج هذا الموقف الدفاعى فى شؤون الحكم؟
- نعم العقلية الدفاعية غلبت على العسكرية المصرية بعد حرب 1973، وتلك العقلية ربما تصلح فى الحرب، ولكنها لا تصلح لإدارة الدولة.

الدولة تحتاج إلى مبادرات قبل اشتعال الأزمات.
> أى ما أسميه استباق الاحتجاج بتلبية الاحتياج؟
- بالضبط.. فى حادث مثل «ماسبيرو» كان ينبغى منع المظاهرة من بدايتها، بطريقة سلمية.. فكرية فهلوية بأية طريقة، ولكن لا يجب السماح لها بأن تصل إلى هدفها حاملة المولوتوف والسكاكين وغيرها، وتضطر عندها إلى مواجهتها بعنف فهذا ليس منطقا، وكذلك فى حادث كنيسة صول، وغير ذلك من الحوادث التى أظهرت الدولة على أنها «تعبانة» وغير قادرة على حل أية مشكلة.

> طيب.. وحين قام المجلس العسكرى بتشكيل المجلس الاستشارى كان ذلك يرتبط بالفكر الدفاعى أم بفكر المبادرة؟
- عملوا المجلس الاستشارى بعد الهنا بسنة.
كان المفروض أن ينشأ هذا الهيكل من بداية البداية، ويكن فاعلاً وقوياً.
كل الحرائق التى اشتعلت زمان كان بمقدور الحاكم إطفاءها رغم أن الحاكم لم يكن عادلاً، وذلك لوجود خبراء ومستشارين أذكياء يبادورن بصيغ لاحتواء المشاكل.
أما الآن فإن حرائق ماسبيرو وإدفو وصول ومجلس الوزراء واجهت تلكؤاً كبيراً جداً، وبعده التجأنا إلى حلول الرصاص الحى، وصار موقفنا من أسوأ ما يكون.
العقلية الدفاعية هى التى أدت بنا إلى تلك الحالة.

وكلما تم القبض على بعض مشعلى الحرائق، خرجوا مطلقى السراح لكى يشعلوا حريقاً آخر دون أى ضوابط أو سيطرة.

> قلت إن ثورة 25 يناير بدأت دون قيادة وكانت تلك إيجابية فى أيام الثورة الأولى، ولكن وجود القيادة صار مهماً بعد رحيل مبارك.. فما التداعيات التى ترتبت على غياب القيادة حتى الآن.. وما تقييمك لرموز الائتلافات والأحزاب الشبابية الفاعلة على الساحة الآن؟
- كان من حسنات ثورة 25 يناير أنها بلا قيادة، حتى لا يتم قتل أو اغتيال أو اعتقال قيادتها فتفشل الثورة، ولكن بعد إجبار مبارك على الرحيل، لم يعد هناك مبرر لأن نكون بلا قيادة.
القيادة هى التى تقوم - دائماً - بتقييم المسيرة وتصحيحها، وتستثمر النجاح، وتستفيد من الثورة.
> ولماذا لم تظهر تلك القيادة؟
- لم يحدث، ولن يحدث، لأن هناك تنازعا على تلك القيادة، وكل واحد يدعى أنه صاحب تلك الثورة، ويأبى أن يكون غيره قائداً لها.

> يعنى من حيث ادعوا أنهم أصحاب الثورة أصبحت الثورة بلا صاحب؟
- بالضبط.. هى ثورة بلا صاحب.. بلا قائد، وتحولت أشياؤها الإيجابية إلى سلبيات قاتلة، يعنى السلمية صارت «مولوتوفية»، وكان كل الشعب يداً واحدة، والآن نشهد استقطابات حادة تهلهل البلد، وبعدما كان التحرير ساحة للرأى العام، أصبحنا أمام التحرير والعباسية، وكانت الناس على هتاف واحد وشعار واحد، فصرنا أمام شعارات مختلفة وبيارق مختلفة.
وبعدما كان الجيش مع الثورة، ناصبه الثوار العداء وقالوا إنه ضدها، وبعدما كان الإخوان مع الثورة ما عادوا منها.. بات التيار الإسلامى شيعاً ومزقاً كثيرة، معظمها قلقة ضد الثائرين.
هل يوجد شىء اسمه 120 ائتلافاً.. نحن نعرف أن أى ثورة لها فصيلان أو ثلاثة، يمكن أن ينشئوا حزبين أو ثلاثة، أما حكاية 120 ائتلافا فهذا منتهى التمزق، وخصوصاً أن بعضها مكون من خمسة أو ستة أفراد، وبعد ذلك كلما جلس الدكتور كمال الجنزوى مع بعضهم، قالوا إن من جلسوا مع رئيس الوزراء لا يمثلونهم.. طيب من أنتم؟، وماذا تريدون؟، نريد أن تردوا علينا.

> صرحت من قبل بأن الجنزورى من الكوادر القومية والوطنية التى عارضت النظام البائد، وهو أصلح من يتولى منصب رئيس الوزراء.. علامَ بنيت رأيك؟
- هو أفضل كثيراً من عصام شرف.
> هذه مفروغ منها.. وأى رئيس وزراء أفضل من عصام شرف؟
- أهم شىء فى شخصية الدكتور كمال الجنزوى أنه لا ينتمى لفصيل معين، فهو رئيس وزراء عابر للانتماءات، وهذه مسألة لازمة فيمن يقود دفة الجهاز التنفيدى فى هذه المرحلة، لأنه لو جاءنا رئيس وزراء من الإخوان ستعترض الفصائل الأخرى، وهكذا لو كان من السلفيين أو من اليسار، كما أن خبرة كمال الجنزوى كبيرة جداً ومتنوعة ومتطورة، وهو ما يلزم التعامل الاستثنائى مع المشاكل الاستثنائية التى نواجهها الآن.

وفيما يخص عصام شرف أريد أن أقول له: ليس - بالضرورة - يصدق ادعاء كل إنسان بأنه ثائر، كما ليس - بالضرورة - أن يصلح الثائر للحكم!!

> السؤال هو: متى أصبح عصام شرف ثائراً؟ فعندى منظومة من الأدلة على عضويته فى المجلس الأعلى للسياسات حتى الدقيقة الأخيرة قبل اندلاع الثورة، وهو مسؤول سابق فى عهد مبارك، خرج من الحكومة لأنه وزير مهمل، تسبب فى كارثة قطار العياط.. مرة أخرى.. متى صار ثائراً؟!
- رفعه بعض شباب التحرير على الأعناق واختاروه رئيساً للوزراء، فحمّلوه ما لا يحتمل، وما هو أكثر من طاقته، وإمكاناته، وملكاته، لذلك فشل فشلا ذريعاً، وعبارة أنك ما دمت ثائراً فأنت جدير بالحكم، هى فكرة فاشلة تماماً، وهو ما ينبغى أن يقر فى أذهان الثوار.

لقد ثار سيدنا أبو ذر الغفارى على سيدنا عثمان بن عفان وأراد أن يسوّى الفقراء بالأغنياء من حيث الثروة، بمعنى أنه نادى باقتطاع الأموال الزائدة عند الأثرياء وتوزيعها على المستضعفين الفقراء.

كان سيدنا أبو ذر رجلاً مؤمناً وصالحاً، ولكن سيدنا عثمان رأى أنه لا يصلح إنتاج توافق مجتمعى، وفهم متطلبات المجتمع، وحين طلب أبو ذر قبل ذلك أن يكون أميراً رفض الرسول، لأنه أدرك أبعاد شخصية أبى ذر، وقال له: «يا أبا ذر إنك ضعيف»، وضعيف - هنا - لا تعنى ضعف الإيمان، لأن إيمان الغفارى كان قوياً جداً، ولكن القصد هو ضعيف فى السياسة، فى الإدارة، فى شؤون الحكم، وفهم المجتمع وحاجاته.

أبو ذر كان يريد شيئاً مضاداً للفطرة، «هو كامل المساواة بين الفقراء والأغنياء»، ومضاد للشريعة الإسلامية التى جاءت معضدة لفكرة الملكية الفردية.

جمال عبدالناصر صاحب ثورة يوليو حسين طولب بالعودة إلى الثكنات رفض، فألغى الديمقراطية والحزبية، وظللنا ستين سنة دون حرية، وثار معمر القذافى على الملكية وهو ملازم أول من دون خبرة أو قدرة، وظل يحكم ليبياً أربعين عاماً بالخبل والجنون والعبط، ودرجات من السفه السياسى والمالى، لم تكن لتحدث لو استمر الملك إدريس - نفسه - فى الحكم.

ملازم أول.. شاب ثائر لا يحق له أن يحكم إذ ليس له كفاءة للحكم، أم أن يقول لك الثورة حكمت، أو لم تحكم فذلك كلام فارغ.

> أكدت فى تصرحات كثيرة أن ما طرحه البعض عن تكفير نجيب محفوظ وهدم الآثار أو تغطيتها هو مجازفة خطيرة، ويبدو الأمر غريباً بالنسبة لنا، إذ طُرحت الدعوة من فصيل إسلامى حتى لو لم ترتبط به (السلفيون)، ثم إنك فى الفلكلور السياسى المصرى «الرجل الذى أفتى بقتل نجيب محفوظ».
- أنا لا علاقة لى بفتوى قتل نجيب محفوظ، بل تابعت مسيرة الأستاذ محفوظ الإبداعية وأنا فى المعتقل لحظة بلحظة.

نجيب محفوظ كان - فى بداية حياته - يميل إلى الفكر اليسارى، وكتب نص «أولاد حارتنا» بذلك التأثير.

وفى تقديرى أن نص «أولاد حارتنا» كان مصادماً للدين وللإسلام ولكن ذلك كان فى بواكير حياته الإبداعية، ولا ينبغى الحكم على شخص ببدايات حياته، وإلا لحكمنا على كثير من دعاة الحركات الإسلامية، بأنهم كانوا يساريين، أو اشتراكيين، أو ناصريين، وأعرف كثيراً من الأخوة فى الجماعة الإسلامية كانوا كذلك، ولكنهم صاروا من دعاة الحركة الإسلامية، ومن الخطأ الكبير الحكم على الناس ببداياتهم وليس بنهاياتهم، وأذكّر من شاء أن يتذكر بقوله تعالى:

«كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا».
نجيب محفوظ كان عاقلاً وحكيماً حينما تطور به الأمر، وأدرك أن تلك الرواية لا تناسبه، ولا تناسب المجتمع المصرى، فمنع طبعها من تلقاء نفسه، إلا بعد أن يوافق الأزهر عليها، ووضع هذا الشرط حتى لا يتشدد معه أحد، وهو يدرك أن الأزهر لن يوافق عليها.

وتابعت مقالات الرجل - وأنا فى المعتقل، ورأيت أنه الوحيد فى التسعينيات - وقت الصدام المروع بين الحركة الإسلامية ونظام مبارك، الذى كان يدافع عن حق الحركة الإسلامية فى الحياة، وفى تكوين أحزاب، وفى دخول المعترك السياسى، أكرر إنه من الخطأ عند بعض دعاة الحركة الإسلامية حكمهم على الناس ببداياتهم.. فيما ينبغى أن يكون الحكم بالخواتيم، أو ما وصل إليه المرء الآن من تراكم فكرى أدى إلى قوله ما يقول الآن.. وإلا لو حكمنا - اليوم - ببدايات الناس فسوف ندين بعضا من رموز الحركة الإسلامية كانوا ينتهجون العنف فى بداياتهم، أو كانوا يحرّمون الانتخابات والأحزاب، لا بل كان منهم الذى يقول عن مجلس الشعب إنه إله من دون الله، وأنه يشرع من دون الله!!

> ماذا - إذن - عن موضوع تدمير الآثار؟
- الآثار كانت موجودة فى مصر وفى كل الدول الإسلامية التى فتحها الصحابة والتابعون، وقد رآها عمرو بن العاص بعينيه حين فتح مصر، وتعاقب على بلدنا آلاف الصحابة والفقهاء والتابعين، من الليث بن سعد، حتى الإمام الشافعى، وشاهدوا تلك الآثار ولمسوها، ولم يفكر أحد منه أن يهدم هذه الآثار، أو يطمسها، أو يغطيها، فإذا فعل الفقهاء ذلك، وهم أعظم منا علماً، فنحن أولى بذلك لأننا لا نزيد عنهم علماً وفقهاً.

النقطة الأخرى المهمة فى هذا السياق، لابد أن تعلم أنك لست وحدك فى الدولة.
قيادتك للدولة، غير قيادتك للدعوة.

فى الدعوة.. هذا مسجدك، وهؤلاء تلامذتك وهم خواصك ويمكن أن تقول لهم ما تشاء.. ولكن الدولة فيها مسيحيون وفيها أناس يريدون هذه التماثيل، وفى الدولة لابد أن تراعى الوضع الدولى، ونظرة العالم إليك.

كانت مشكلة طالبان الأساسية هى أنها قادت أفغانستان/الدولة، بعقلية الجماعة.
> كانوا - على رأى الأستاذ فهمى هويدى - جند الله فى المعركة الغلط؟
- بالضبط.. إذا راحوا يهدمون - مثلاً - تماثيل بوذا فاستعدوا العالم - كله - عليهم، ولم ينجحوا فى تأسيس علاقات دولية إلا مع دول ثلاث، وانتهت تلك العلاقات مع 11 سبتمبر، وقبل ذلك تركوا تنظيم القاعدة يسرح ويمرح فى البلد ويخطط لضربة 11 سبتمبر دون إذن الملا عمر أو علمه، ودون إرادته، رغم تنبيهاته لـ بن لادن ألا يضرب أمريكا «حين ضرب المدمرة كول وسفارتى تنزانيا وكينيا».. يعنى أصبحت القاعدة دولة داخل دولة طالبان.

ولذلك، كان جمال عبدالناصر ذكياً جداً، حين لم يسمح فى مصر بأى تنظيم فلسطينى حتى نكون فى دولة واحدة وسلاح واحد، فى حين أن الدول التى سمحت بتنظيمات فلسطينية على أرضها اضطرت - بعد ذلك - للمذابح التى أنهت وجود تلك التنظيمات بعد أن عاثت فى الأرض فساداً، وباتت دولاً داخل الدول.

الملا عمر - رغم تقواه وإخلاصه وصلاحه - وقع فى أخطاء كبيرة جداً لقيادته «الدولة» بعقلية «الجماعة».

وبالمناسبة مما يشوه شكل الأنموذج الإسلامى كذلك فى نظر الدنيا، هو التجاء السلطة الإسلامية إلى اختيار مسؤوليها من ضمن الدعاة أو الخطباء المفوّهين، فنخسرهم دعاة ونخسرهم مسؤولين.

هذه ليست مهامهم، ونحن نريد تعيين الخطيب فى كل شىء، فنجد داعية إسلاميا يريد أن يكون إعلامياً، أو اقصادياً، أو إدارياً، أو قائداً لحركة السياسة.
ليس معنى كونك داعية امتلاكك كل الملكات.. دع كل واحد لمهمته.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

صالح -صوت الجماهير

مصربتعاتب وبتقول لكم

عدد الردود 0

بواسطة:

المنياوي

الامل

عدد الردود 0

بواسطة:

د/أحمد محمد على

الحكمة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد ابومسلم

لا فض فوك

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

حوار رائع ومفيد

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو هاشم

كلام محترم لرجل محترم

التعليق فوق

عدد الردود 0

بواسطة:

م.ناصر

فقط اريد ان افهم

عدد الردود 0

بواسطة:

kamal ali

nice

عدد الردود 0

بواسطة:

hero sharf eldin

حوار مع د ناجح ابراهيم

عدد الردود 0

بواسطة:

مصطفى ابراهيم

حالة حوار

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة