"العمل" قصة قصيرة لشريف عبد المجيد

الثلاثاء، 17 يناير 2012 04:54 م
"العمل" قصة قصيرة لشريف عبد المجيد شريف عبد المجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حجر ثقيل فوق القلب لا يشعر بثقله غيرى أليس ذلك هو الحزن، الحزن جبل من أحجار لو تفتت لملأت الدنيا وغطت سطح الأرض، ولو ظلت على حالها لهدت الجسد وسدت منافذ الروح وعرقلت الأمل وغيبت الضحكة، حزنى يلف كل شىء حولى يغلفه كزجاج شفاف حزن يجعلك تشعر كأنك ترى العالم، ولكنك لا تشارك فيه لأنه حاجز بينك وبين العالم أنت وحدك الذى تعرف أنه يمنعك، الحزن يجعلك تضحك - حتى لو كان هناك مكان للضحك - وقلبك يبكى الحزن يورثك القلق فلا يصير ليلك ليلا ولا نهارك نهار يشغل بالك ويصهر قوتك ويسحبها رويدا رويدا تظهر الهالات السوداء فى عينيك، فيقولون عليك مجنون أو صاحب مزاج تشرب المكيفات وتلهو طوال الليل بينما أنت حزين حزين وكفى حزين وفقط.

البشعة الليئمة ماتت اليوم يصرخ أهلها وأنا لا أصدق نفسى ماتت كيف لا أعرف ماتت هكذا ببساطة ماذا يعنى ذلك؟ الموت يتدخل ضدى ويساعدها موتها رحمة للجميع موتها راحة للبشر موتها نهاية لظلمها، ولكن موتها لعنة ستظل تطاردنى لن يصدق أحد ما أعانيه وما سأعانيه بسبب موتها لن أحضر العزاء، ولن أشارك فى مظاهر الحزن التى سيقيمها الجيران سأشغل التليفزيون بأعلى صوت، وسألبس أجمل الألوان، بل وسأرفع صوت التسجيل لآخره سأعلن فرحى للجميع ولكن كل ذلك لن يكفينى ولن يشفى غليلى لأنها ماتت ماتت وتركتنى دون أن أنتقم منها ماتت ولم تشعر باللوعة والخوف والحزن الذى كنت أتمنى أن تعيش فيه ماتت مرة واحدة وأنا أموت كل يوم لا بل كل ساعة بل كل دقيقة وكل ثانية.

سأحكى لكم الحكاية لتعرفوا ما فعلته لى وستشعرون بحزنى وهمى وتدعون عليها معى فى قبرها حتى لا ترى لحظة راحة ولا بارقة أمل أو غفران

فى البدء كان العداء

جارتان كنا أنا وهى أجمل منها أنا أرقى وألطف يحبنى الجميع، كنت أعرف منذ دخولنا المدرسة أنها تكرهنى ليس لأنها كانت تحصل دائما على مجموع أقل منى وليس لأن دخل أبى أكبر من دخل والدها وليس لأن أنا أذكى ولكن ربما لكل ذلك وربما بدون سبب كنت أشعر بصهد كرهها يجرح أنفاسى ويشوى قلبى أنها مثال للحقد والكراهية هل هى من شياطين الإنس؟ أعتقد ذلك وأكثر منة بكثير ربما كانت شيطان على شكل إنسية؟

الحياة بدون عدو لا طعم لها.

صدقونى أن الحياة بدون عدو لا طعم لها أن طعم نجاحى لن يكون جميلا بلا عين الحسود مرت السنون وخراط البنات الطيب زار جسدى وجعله مثالا متوجا للأنوثة ماذا أفعل، وذلك ليس بيدى، ولكنها هى جارتى اللدودة الكارهة، لم يكن خراط البنات مخلصا معها فلم تزرها الأنوثة إلا زيارة خاطفة كانت بلا صدر ولا أرداف مجرد امرأة عادية لا تستوقف بجمالها أحد شىء عابر أو محطة خاطفة لا يستريح فيها إلا الغرباء ولم تكن بيتا ولم تكن علامة فارقة.

وهذا من فعل القدر ولم يك أيضا بيدى شىء
الغريب يدخل العمارة

جاء الرجل الغريب وطرق الباب ودخل من الباب وطلب يدى ومن هنا كانت محنتى، رفضة أبى وجاء الرجل القريب ولم يعجب امى وجاء الرجل الذى لا يعد غريبا ولا يعد قريبا ورفضه أخى عريس بعد عريس ورجل بعد رجل والرفض أو عدم اكتمال الزواج كان دائما نصيبى، بينما هى الدميمة التى لا تعد امرأة بمعيار الأنوثة ولا تعد امرأة بميزان التصرف الجيد والحكمة فى تيسير أعمال البيت.

تنجب الولد وبعدة الولد وبعدة الولد ثم بعده البنت والبنت ثم الولد وأنا أعانى عاما بعد عام وشهرا بعد شهر وأسبوعا بعد أسبوع، ويوما بعد يوم ودقيقة بعد دقيقة ولحظة بعد لحظة، ولا يتزوجنى أحد ويموت أبى وبعدة أمى وبعدهم أخى أنا هنا فى هذه الدنيا الطويلة العريضة وحيدة.

ذهبت للعرافة والدجالة والشيخ والكذاب والنصاب والذى يكشف العمل حتى عرفت الحقيقة أن زوجها كان من نصيبى، ولكنها عملت لى عملا يمنعنى من الزواج ويقربه منها.

أولادها كان المفروض أن يكونوا أولادى حضرت زواجهم ولحظات تخرجهم من المدارس ثم الجامعات، ولكن ربك بالمرصاد ها هى تموت بالمرض البطال الذى حار فيه الأطباء.

بحثت كل هذه السنوات عن العمل بحثت فى كل مكان فى العمارة ثم حرقت ملابس أبى الميت وحفرت قبر أمى وغسلت وجهى باللوف الذى غسلوا به أخى ونبشت فى المحلات التى تحت العمارة وفى الجراج وفى العمارات المقابلة كل يوم، وهى تدعو على كل يوم وهى تحفظه، كما سر الميلاد والموت كنت كل يوم أقوم برش المياه أمام بيتها وزيادة فى الحرص أصبحت أمسح أمام كل شقق العمارة حتى أحمى السكان من شر هذه السيدة الشريرة، ولكن للأسف لم أجد للعمل أثرا.

الحقيقة تظهر مهما مر عليها الزمن

الحقيقة تظهر مهما مر عليها الزمن والحقود والحسود مصيرهم النار، ولكن كيف لى أن أصل لحجرة نومها كيف لى أن أصل لأسفل المخدة التى كانت تنام عليها.

كيف سأشرح لأولادها أننى يجب أن أحصل على تلك الشقة مهما حدث ثم جاءتنى الفكرة فى لحظة تجلى عرضت على أبنائها الذى كان كل واحد منهم يعيش فى شقته، وقد ترك منزل العائلة أن أشترى منهم شقة أمهم بضعف الثمن، بشرط أن أشترى الشقة بكل ما فيها حفاظا على ذكرياتى مع جارتى العزيزة الأغبياء لا يعرفون أننى أنا التى كنت سأصبح أمهم لولا العمل ذهبت لأهلى قريتى البعيدة وبعت كل ما أملك.

أخيرا دخلت شقتها وقلبتها رأسا على عقب ولم أجد العمل أنها امرأة خائنة أعتقد أنها ماتت، وقد ابتلعت العمل يجب أن أحفر قبرها وأعرف هل أخفت العمل فى معدتها أم فى أى مكان آخر من جسدها.

الجنون لا ينهى الحكايات

هكذا كانت السيدة العجوز التى اكملت عامها الخامس والستين تمر كل يوم من امام قبر جارتها تدعو عليها كما لو كانت تمثل الشيطان كما لو كانت هى السبب فى كل بلاء، إلا أن الشرطة قبل أن تسلمها لمستشفى الأمراض العقلية ولم تعرف أبدا سبب نبشها لقبر جارتها العجوز التى ماتت منذ شهر، خاصة وقد تم استبعاد كل الأسباب الجنائية للحادث ولم يعرف أحد لماذا اشترت شقتها وحرقتها أرجعت بعض الفضائيات التى سجلت حوارا حول الحادث أن ذلك ربما للوفاء الشديد لجارتها وعدم قدرتها على تحمل الفراق، بينما فسر البعض الأخر ذلك لارتباطهما الشديد منذ الطفولة وربما يكون هذا هو الذى جعلها غير مصدقة لموت جارتها.

وهكذا امتلأت المستشفى بزوار لا حد لهم لتلك السيدة الطيبة التى كانت تعامل أولاد جارتها بكل حب، واشترت شقتها بعد موتها ولم تكتف بذلك، بل كانت تنبش قبر جارتها حتى تحتضنها فقط لأنها لم تستوعب موت صديقتها الوحيدة، وتبارى كل سكان العمارة والعمارات المجاورة فى شرح فضائل تلك السيدة الطيبة التى كانت تمسح كل يوم ليس فقط شقتها، بل سلالم العمارة بل والعمارات التى حول بيتها وقد أرجع البعض ذلك لأنها سيدة طيبة ومؤمنة وتطبق مبدأ النظافة من الإيمان.

وعندما روى اللحاد ما رآه بأم عينه بأن هذه السيدة كانت تكره جارتها بل وكانت شبة مخبولة وتعتقد أن جارتها قد عملت لها عملا يمنعها من الزواج بل وتظن أنها قد خطفت زوجها لم يصدقه أحد واعتبروه رجلا اشتراه البعض بالمال، ويحاول أن يصبح مشهورا على حساب سمعة تلك السيدة القديسة.

لم تنتهِ الحكاية عند هذا الحد وكما تتوقعون خرج الأمر عن السيطرة وأصبح بيت هذه السيدة القديسة مزارا بقصده بالذات السيدات العوانس والذين يرغبون بالزواج أو اللاتى تأخرن فى الإنجاب وأصبح لها مولد شهير بالمنطقة التى تسكن فيها، أما لو أردت أن تعرف كيف ماتت فلن تصدق أبدا فقد هربت من المستشفى ولم يعثر لها على إثر حتى هذه اللحظة، هكذا وبهذه البساطة فقط هربت، بينما يؤكد بعض مريديها أنها طارت من المستشفى ولم يستطع أى من الحراس أن يمسكوا بها قبل أن تحلق فى السماء وتختفى للأبد، بينما اعتبرت بعض وسائل الإعلام أن هناك طرفا ثالثا ربما يكون هو المسئول عن قتل أو اختفاء تلك السيدة العظيمة.





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

رضا عطية

واقع يمتزج بغرائبية

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو نديم

العودة إلى الحكاية أمثولة الحكمة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد العون

قصة جميلة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة